الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القُرَشِيِّ الهَاشِمِيِّ، مَوْلدُهُ بِشِعْبِ بَنِي هَاشِمٍ قَبْلَ الهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ.
صَحِبَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ شَهْرًا، وَحَدَّثَ عَنْهُ بِجُمْلَةٍ صَالِحَةٍ.
وَكَانَ رضي الله عنه وَسِيمًا، جَمِيلًا، مَدِيدَ القَامَةِ، مَهِيبًا، كَامِلَ العَقْلِ، ذَكِيَّ النَّفْسِ، مِنْ رِجَالِ الكَمَالِ.
تُوُفِّيَ رضي الله عنه بِالطَّائِفِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ لِلْهِجْرَةِ (1).
*
نَقْضُ الصَّحِيفَةِ وإنْهَاءُ المُقَاطَعَةِ:
مَكَثَ بَنُو هَاشِمٍ وبَنُو المُطَّلِبِ بِالشِّعْبِ ثَلَاثَ سِنِينَ (2)، حَتَّى بَلَغَ مِنْهُمُ الجَهْدُ وَالأَذَى مَبْلَغَهُ كَمَا رَأَيْنَا، ثُمَّ قَامَ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، مِنْ أَهْلِ المُرُوءَةِ، وَالضَّمَائِرِ، فِي مُقَدِّمَتِهِمْ: هِشَامُ بنُ عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ، الذِي تَصِلُهُ بِبَنِي هَاشِمٍ صِلَةُ قَرَابَةٍ، وَكَانَ ذَا شَرَفٍ فِي قَوْمِهِ، وكَانَ قَدْ بَذَلَ جُهْدَهُ أيَّامَ الحِصَارِ، فَقَدْ مَشَى إِلَى زُهَيْرِ بنِ أَبِي أُمَيَّةَ المُخْزُومِيِّ -وكَانَتْ أُمُّهُ عَاتِكَةَ بِنْتُ عَبْدِ المُطَّلِبِ- فَقَالَ: يَا زُهَيْرُ! أَقَدْ رَضِيتَ أَنْ تَأْكُلَ الطَّعَامَ، وَتَلْبَسَ الثِّيَابَ، وتَنْكِحَ النِّسَاءَ، وَأَخْوَالُكَ حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ، لَا يُبَاعُونَ وَلَا يُبْتَاعُ (3) مِنْهُمْ، وَلَا يَنْكِحُونَ وَلَا
(1) انظر سير أعلام النبلاء (3/ 331).
(2)
قلتُ: وعَلى هذا يكُونُ حِصَارُ الشِّعْبِ فِي مُحرم سنة سبع من المَبْعَثِ إلى السنة العاشرة من المَبعثِ، وفيها تُوفي أبو طالب. وانظر فتح الباري (7/ 590) - الطبَّقَات الكُبْرى لابن سعد (1/ 101).
(3)
ابْتَاعَ الشَّيْءَ: اشْتَرَاهُ. انظر النهاية (1/ 170).
يُنْكَحُ إِلَيْهِمْ، أمَا إِنِّي أَحْلِفُ بِاللَّهِ لَوْ كَانُوا أَخْوَالَ أَبِي الحَكَمِ بنِ هِشَامٍ، ثُمَّ دَعَوتُهُ إلى مِثْلِ مَا دَعَاكَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ، مَا أَجَابَكُمْ إِلَيْهِ أَبَدًا، قَالَ: وَيْحَكَ يَا هِشَامُ! فَمَاذَا أَصْنَعُ؟ إِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَاللَّهِ لَوْ كَانَ مَعِيَ رَجُلٌ آخَرُ لَقُمْتُ فِي نَقْضِهَا حَتَّى أَنْقُضَهَا، قَالَ: قَدْ وَجَدْتُ رَجُلًا، قَالَ: مَنْ هُوَ؟ .
قَالَ: أَنَا، قَالَ لَهُ زُهَيْرٌ: ابْغِنَا رَجُلًا ثَالِثًا.
فَذَهَبَ إلى المُطْعِمِ بنِ عَدِيٍّ، فَقَالَ: يَا مُطْعِمُ! أَقَدْ رَضِيتَ أَنْ يَهْلِكَ بَطْنَانِ (1) مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَأَنْتَ شَاهِدٌ عَلَى ذَلِكَ، مُوَافِقٌ لِقُرَيْشٍ فِيهِ؟
أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ أَمْكَنْتُمُوهُمْ مِنْ هَذِهِ لَتَجِدُنَّهُمْ إِلَيْهَا مِنْكُمْ أَسْرَعُ، قَالَ: وَيْحَكَ! فَمَاذَا أصْنَعُ؟ إِنَّمَا أنَا رَجُلٌ وَاحِدٌ، قَالَ: قَدْ وَجَدْتُ ثَانِيًا، قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: أنَا، قَالَ: ابْغِنَا ثَالِثًا، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: زُهَيْرُ بنُ أَبِي أُمَيَّةَ، قَالَ: ابْغِنَا رَابِعًا، فَذَهَبَ إلى أَبِي البَخْتَرِيِّ بنِ هِشَامٍ، فَقَالَ لَهُ نَحْوًا مِمَّا قَالَ لِلْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ، فَقَالَ: وَهَلْ مِنْ أَحَدٍ يُعِينُ عَلَى هَذَا؟
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَنْ هُوَ؟ ، قَالَ: زُهَيْرُ بنُ أَبِي أُمَيَّةَ، وَالمُطْعِمُ بنُ عَدِيٍّ، وَأَنَا مَعَكَ، قَالَ: ابْغِنَا خَامِسًا.
فَذَهَبَ إلى زَمْعَةَ بنِ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ فكَلَّمَهُ، وَذَكَرَ لَهُ قَرَابَتَهُمْ وَحَقَّهُمْ، فَقَالَ لَهُ: وَهَلْ عَلَى هَذَا الأَمْرِ الذِي تَدْعُونِي إِلَيْهِ مِنْ أَحَدٍ؟ .
(1) البَطْنُ: مَا دُونَ القَبِيلَةِ وفَوْقَ الفَخِذِ. انظر النهاية (1/ 137).
قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ سَمَّى لَهُ القَوْمَ.
فَاتَّعَدُوا (1) الحَجُونِ (2) لَيْلًا بِأَعْلَى مَكَّةَ.
فَاجْتَمَعُوا هُنَالِكَ، فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ، وتَعَاقَدُوا عَلَى القِيَامِ فِي الصَّحِيفَةِ حَتَّى يَنْقُضُوهَا، وَقَالَ زُهَيْرٌ: أنَا أَبْدَؤُكُمْ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَتَكَلَّمُ، فَلَمَّا أصْبَحُوا غَدَوْا إِلَى أنْدِيَتِهِمْ (3)، وغَدَا زُهَيْرٌ بنُ أَبِي أُمَيَّةَ عَلَيْهِ حُلَّةٌ، فَطَافَ بِالبَيْتِ سَبْعًا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ! أنَأْكُلُ الطَّعَامَ، ونَلْبَسُ الثِّيَابَ، وبَنُو هَاشِمٍ هَلْكَى لَا يُبَاعُونَ وَلَا يُبْتَاعُ مِنْهُمْ؟ وَاللَّهِ لَا أَقْعُدُ حَتَّى تُشَقَّ هَذِهِ الصَّحِيفَةُ القَاطِعَةُ الظَّالِمَةُ.
فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ، وَكَانَ فِي نَاحِيَةِ المَسْجِدِ: كَذَبْتَ وَاللَّهِ لَا تُشَقُّ، فَقَالَ زَمْعَةُ بنُ الأَسْوَدِ: أَنْتَ وَاللَّهِ أَكْذَبُ، مَا رَضِينَا كِتَابَهَا حَيْثُ كُتِبَتْ! .
فَقَالَ أَبُو البَخْتَرِيِّ: صَدَقَ زَمْعَةُ، لَا نَرْضَى مَا كُتِبَ فِيهَا، وَلَا نُقِرُّ بِهِ.
فَهُنَا قَامَ المُطْعِمُ بنُ عَدِيٍّ، فَقَالَ: صَدَقْتُمَا، وَكَذَبَ مَنْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ، نَبْرَأُ إلى اللَّهِ مِنْهَا، وَمِمَّا كُتِبَ فِيهَا، وَقَالَ هِشَامُ بنُ عَمْرٍو نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ.
فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ: هَذَا أَمْرٌ قُضِيَ بِلَيْلٍ، تُشُووِرَ فِيهِ فِي غَيْرِ هَذَا المَكَانِ.
(1) اتَّعَدُوا: أي تَوَاعَدُوا. انظر لسان (15/ 342).
(2)
الحَجُونِ: هوَ الجَبَل المُشْرف ممَّا يلي شِعْبَ الجَزَّارِينَ بمكةَ. انظر النهاية (1/ 335).
(3)
النَّادِي: مُجْتَمَعُ القَوْمِ وأهْلُ المَجْلِسِ. انظر النهاية (5/ 31).