الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَعْظَمِ، وَأَهَمِّ الِاتِّفَاقِيَّاتِ فِي تَارِيخِ الإِسْلَامِ، وَأَنْ يَتِمَّ هَذَا الِاجْتِمَاعُ فِيِ سِرِيَّةٍ تَامَّةٍ فِي ظَلَامِ اللَّيْلِ (1).
*
سِيَاقُ بَيْعَةِ العَقَبَةِ الثَّانِيَةِ:
وَلْنَتْرُكْ أَحَدَ قَادَةِ الأنْصَارِ يَصِفُ لَنَا هَذَا الِاجْتِمَاعَ التَّارِيْخِيَّ، الذِي حَوَّلَ مَجْرَى الأيَّامِ فِي صِرَاعِ الوَثَنِيَّةِ وَالإِسْلَامِ، قَالَ كَعْبُ بنُ مَالِكٍ رضي الله عنه: خَرَجْنَا إِلَى الحَجِّ مَعَ حُجَّاجِ قَوْمِنَا مِنْ المُشْرِكِينَ، وَقَدْ صَلَّيْنَا وَفَقِهْنَا، وَمَعَنَا البَرَاءُ بنُ مَعْرُورٍ كَبِيرُنَا وَسَيِّدُنَا، فَلَمَّا تَوَجَّهْنَا لِسَفَرِنَا، وَخَرَجْنَا مِنَ المَدِينَةِ. . . قَالَ: فَخَرَجْنَا نَسْأَلُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ، وَكُنَّا لَا نَعْرِفُهُ، لَمْ نَرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَقِيَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفَانِهِ؟ قُلْنَا: لَا وَاللَّهِ، قَالَ: فَهَلْ تَعرِفَانِ العَبَّاسَ بنَ عَبْدَ المُطَّلِبِ، عَمَّهُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَكُنَّا نَعْرِفُ العَبَّاسَ، كَانَ لَا يَزَالُ يَقْدُمُ عَلَيْنَا تَاجِرًا. قَالَ: فَإِذَا دَخَلْتُمَا المَسْجِدَ، فَهُوَ الرَّجُلُ الجَالِسُ مَعَ العَبَّاسِ، تَرَكْتُهُ مَعَهُ الآنَ جَالِسًا. قَالَ كَعْبُ بنُ مَالِكٍ رضي الله عنه: فَدَخَلْنَا المَسْجِدَ، فَإِذَا العَبَّاسُ جَالِسٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَهُ جَالِسٌ، فَسَلَّمنَا عَلَيْهِمَا، ثُمَّ جَلَسْنَا إِلَيْهِمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْعَبَّاسِ:"هَلْ تَعرِفُ هذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ يا عَبَّاسُ؟ ".
قَالَ: نَعَمْ، هذَانِ الرَّجُلَانِ مِنَ الخَزْرَجِ -وَكَانَتِ الأنْصَارُ إِنَّمَا تُدْعَى فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَوْسَهَا وَخْزَرَجَها- هَذَا البَرَاءُ بنُ مَعْرُورٍ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ رِجَالِ
(1) انظر سيرة ابن هشام (2/ 52) - الرحيق المختوم ص 147 - طبقات ابن سعد (1/ 106).
قَوْمِهِ، وَهذَا كَعْبُ بنُ مَالِكٍ.
قَالَ كَعْبٌ: فَوَاللَّهِ مَا أَنْسَى قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الشَّاعِرُ؟ "(1).
قَالَ كَعْبٌ: نَعَمْ.
قَالَ كَعْبٌ: . . . وَخَرَجْنَا إِلِى الحَجِّ، فَوَاعَدَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم العَقَبَةَ مِنْ أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَلَمَّا فَرعْنَا مِنَ الحَجِّ، وَكَانَت اللَّيْلَةُ التِي وَعَدَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَنَا عَبْدُ اللَّهِ بنُ عَمرِو بنِ حَرَامٍ، أَبُو جَابِرٍ سَيِّدٌ مِنْ سَادَاتِنَا، وَكُنَّا نَكْتُمُ مَنْ مَعَنَا مِنْ قَوْمِنَا مِنَ المُشْرِكِينَ أَمْرَنَا، فَكَلَّمْنَاهُ، وَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا جَابِرٍ، إِنَّكَ سَيِّدٌ مِنْ سَادَتِنَا، وَشَرِيفٌ مِنْ أَشْرَافِنَا، وَإِنَّا نَرْغَبُ بِكَ عَمَّا أَنْتَ فِيهِ أَنْ تَكُونَ حَطَبًا لِلنَّارِ غَدًا، ثُمَّ دَعَوْتُهُ إِلَى الإِسْلَامِ، وَأَخْبَرتُهُ بِمِيعَادِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَسْلَمَ، وَشَهِدَ مَعَنَا العَقَبَةَ، وَكَانَ نَقِيبًا.
قَالَ كَعْبٌ: فَنِمنَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ مَعَ قَوْمِنَا فِي رِحَالِنَا (2)، حَتَّى إِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ، وَهدَأَت الرِّجْلُ (3)، خَرَجْنَا مِنْ رِحَالِنَا لِمِيعَادِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَتَسَلَّلُ (4) مُسْتَخْفِينَ تَسَلُّلَ القَطَا (5)، حَتَّى اجْتَمَعنَا فِي الشِّعْبِ عِنْدَ العَقَبَةِ، وَنَحْنُ ثَلَاثَةٌ
(1) قلتُ: سبَبُ فَرَحِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بكعبِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه كونه شاعِرًا؛ لأنَّ الشِّعْرَ يُعْتَبَرُ من أهمِّ وسائِلِ الإعلام المَوْجُودَةِ في ذلكَ الوَقْتِ، فكأنَّهُ سَيَنْشُرُ الدعوةَ بشِعرِهِ كما لا يَنْشُرُهَا أحدٌ غيرُهُ لا يملِكُ هذه المَوْهِبَةَ.
(2)
الرِّحَالُ: يعنِي الدُّورُ والمَسَاكِنُ والمنازل. انظر لسان العرب (5/ 169).
(3)
أي قَلّ المَشْيُ، وقلَّتْ حركَةُ النَّاس.
(4)
تَسَلَّلَ: انطلَقَ في استِخْفَاءٍ. انظر لسان العرب (6/ 338).
(5)
القَطَا: طائِرٌ مَعْرُوف، سُمي بذلك لثِقَلِ مَشْيِهِ. انظر لسان العرب (11/ 233).