الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَقَالَ ابْنَا رَبِيعَةَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَمَّا غُلَامُكَ فَقَدْ أَفْسَدَهُ عَلَيْكَ، فَلَمَّا جَاءَهُمَا عَدَّاسٌ، قَالَا لَهُ: وَيْلَكَ يَا عَدَّاسُ! مَالَكَ تُقَبِّلُ رَأْسَ هَذَا الرَّجُلِ وَيَدَيْهِ وَقَدَمَيْهِ؟
قَالَ: يَا سَيِّدِي! مَا فِي الأَرْضِ خَيْرٌ مِنْ هَذَا، لَقَدْ أَخْبَرَنِي بِأَمْرٍ مَا يَعْلَمُهُ إِلَّا نَبِيٌّ، قَالَا لَهُ: وَيْحَكَ يَا عَدَّاسُ! لَا يَصْرِفَنَّكَ عَنْ دِينِكَ، فَإِنَّ دِينَكَ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ (1).
*
رُجُوعُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَكَّةَ:
ثُمَّ عَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الطَّائِفِ، وهُوَ مَهْمُومٌ ومَحْزُونٌ، فَلَمْ يَسْتَفِقْ صلى الله عليه وسلم إِلَّا وَهُوَ بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ.
رَوَى الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: هَلَ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قال: "لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ (2) مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ العَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بنِ عَبْدِ كِلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى
(1) انظر سيرة ابن هشام (2/ 34) - البداية والنهاية (3/ 147) - شرح المواهب (2/ 50) - طبقات ابن سعد (1/ 102) - زاد المعاد (3/ 28).
(2)
قال الحافظ في الفتح: المرادُ بقومِ عائشةَ رضي الله عنها في قوله صلى الله عليه وسلم: "لقد لَقِيتُ من قَوْمِكِ": قريشٌ، لا أهلَ الطائف الذين هُم ثَقِيف، لأنهم -أي قريش- كانوا السبب الحَامِلَ على ذهابه صلى الله عليه وسلم لثَقِيفٍ، ولأن ثَقِيفًا ليسُوا قوم عائشة رضي الله عنها.
وَجْهِي (1) ، فَلَمْ أسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ (2)، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أظَلَّتْنِي، فنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ: ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ" (3)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "بَلْ أَرْجُو (4) أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أصْلابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا" (5).
قُلْتُ: وَقَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى دَعْوَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هَؤُلَاءِ الكُفَّارِ، فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِ أَبِي طَالِبٍ، عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، وَجَعْفَرَ بنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه،
(1) قال الحافظ في الفتح (6/ 462): أي على الجِهَةِ المُوَاجِهَةِ لي.
(2)
قال الحافظ في الفتح (6/ 462): قَرْنُ الثعَالِبِ: هو مِيقَاتُ أهلِ نَجْدٍ، ويقال له: قرنُ المَنَازِلِ أيضًا.
قلتُ: وقرنُ المنازل يبعُدُ اليوم عن مكة (80) كيلو متر تقريبًا.
(3)
الأخْشَبَانِ: الجَبَلَانِ المُطِيفَانِ بمكةَ، وهما أبو قُبَيْسٍ والأحمر، وهو جبل مُشرِفٌ وجهه على جبل قُعَيْقِعَان، والأخشبُ كل جبلٍ خَشِن غَلِيظ الحجارة. انظر النهاية (2/ 31).
(4)
قال الحافظ في الفتح (6/ 462): وفي هذا الحديث بيان شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على قومه، ومزيدُ صبرِه وحلمِهِ، وهو موافقٌ لقوله تَعَالَى في سورة آل عمران آية (159):{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} ، وقوله تَعَالَى في سورة الأنبياء آية (107):{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} .
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب بدء الخلق - باب إذا قال أحدكم آمين - رقم الحديث (3231) - ومسلم في صحيحه - كتاب الجهاد - باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين - رقم الحديث (1795) - وابن حبان في صحيحه - كتاب التاريخ - باب صبر المصطفى صلى الله عليه وسلم على أذى المشركين - رقم الحديث (6561).