الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، ملء السموات، وملء الأرض، وملء ما شاء من شيء بعد. أهل الثناء والمجد، لا نحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه المقدسة. له الحمد سبحانه، أنزل كتابه المبارك، " فيه الخير الكثير، والعلم الغزير، والأسرار البديعة، والمطالب الرفيعة. فكل بركة وسعادة تنال في الدنيا والآخرة، فسببها الاهتداء به واتباعه "
(1)
والصلاة والسلام على من أنزل عليه ربه الفرقان، وعلمه الحكمة والقرآن، فأنذر به عشيرته الأقربين، وحذر به الناس أجمعين، وبلغ رسالة رب العالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا مزيدًا إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فإن القرآن الكريم، منهج الأمة ودستورها، ومصدر عزها وشموخها، ومنبع عقائدها وتشريعاتها. فهو المحيط الثر، والبحر الزخار، الذي تنهل منه كل الأنهار، ويُستقى من معينه الصافي كل الأفكار.
إن القرآن الكريم هو مصدر الهداية، ومنبع الرسالة، وإشعاع النور. فهو الروح الذي يسري في جسد الأمة، فيحييها بعد موتها، ويوقظها من رقدتها.
وهو مصدر الحياة الحقيقية، إذ يحرك الشعور والوجدان نحو الأمل، ويُحيي فيها حب العمل. ولما كان القرآن الكريم هو مصدر الهداية والرشاد، وجب اتباعه، والتماس هديه؛ لأن أوجه هذه الهداية لا تقف عند حد، ولا يحصرها عد.
وقد جاءت هذه الأوجه في القرآن الكريم، مطلقة غير مقيدة " فيمن يهديهم، وفيما يهديهم، فيشمل الهدى أقواما وأجيالا، بلا حدود من زمان أو مكان. ويشمل ما يهديهم إليه، كل منهج، وكل طريق، وكل خير يهتدي إليه البشر في كل زمان ومكان "
(2)
.
(1)
السعدي: تيسير الكريم الرحمن، مؤسسة الرسالة - بيروت، ط 2 - 1417 هـ، ص (9).
(2)
سيد قطب: في ظلال القرآن، دار الشروق -بيروت، القاهرة، ط 17 - 1412 هـ
ومن أعلى أوجه الهداية القرآنية، هدايته " للطريقة التي هي أقوم الطرق وأعدلها، وهي توحيده جل وعلا في ربوبيته، وفي عبادته، وفي أسمائه وصفاته "
(1)
، وتوغله في دواخل النفس البشرية، وعوالم الضمير والشعور، "بالعقيدة الواضحة البسيطة التي لا تعقيد فيها ولا غموض، والتي تطلق الروح من أثقال الوهم والخرافة، وتطلق الطاقات البشرية الصالحة للعمل والبناء، وتربط بين نواميس الكون الطبيعية، ونواميس الفطرة البشرية في تناسق واتساق"
(2)
.
فالقرآن الكريم مصدر إشعاع ونور وهداية، يُغذي النفس البشرية، ويُشبع كل رغباتها، في جميع احتياجاتها.
فيعرفها بالإله الحق المبين، فيفتح أمامها المجال؛ لتستنطق الفطرة، وليسرح العقل في هذا الكون العجيب، متفكراً في آيات الله تعالى، ومتأملاً في آلائه عليه؛ ليقف على بصيرة من شواهد الربوبية، ودلائل الوحدانية، الموجبة استحقاق الرب للعبودية وحده دون من سواه ويجول بالنفس في نواحي الجمال والجلال والكمال، لما انطوت عليه الذات الإلهية العلية الشريفة المقدسة، من الأسماء الحسنى، والصفات العليا.
ويفتح أمامها صفحة الماضي بكل تفاصيلها، لتشاهد أخبار الأمم السابقة، كأنها عيان أمام عينيها؛ لتتعظ وتعتبر.
ولما كانت النفس متعلقة لمعرفة ما وراء الماديات، متلهفة للكشف عن الغيبيات، جاء القرآن الكريم فهذبها، ورسم أمامها معالم الطريق الصحيح، وبين أن طريقة المؤمنين، وأول صفات المتقين، الإيمان بالغيب، وأن الغيب من خصائص علم الله تعالى، وأن مدار هذه العوالم الغيبية التي لا تدركها الحواس، ومبناها على التسليم والتصديق، والإذعان والقبول.
ولما كان القرآن الكريم بهذه المثابة العظيمة، والمنزلة الكريمة، والمكانة الجليلة، تعالت همم العلماء وتسابقت نحو هذا الكتاب العزيز؛ للوقوف على مقاصده، وبيان معانيه، واستنباط أحكامه، واستخراج مراميه.
(1)
الشنقيطي: أضواء البيان، دار الفكر للطباعة -بيروت، 1415 هـ (568)
(2)
سيد قطب: في ظلال القرآن: 4/ 2215