الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن الأشياء التي قدر الله كونها، هي في علم الله كالكائنة القائمة، فاستقام قوله " إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ ". وقيل: إن هذا على طريق المجاز، ومعناه: إنما يكون شيئاً إذا أردنا تكوينه "
(1)
، وقد أشار السمعاني في القواطع إلى أن المعدوم ليس بشيء عند أهل السنة
(2)
وهذه المسألة أثارت مسألة أخرى كانت مثار نزاع بين المعتزلة والأشاعرة، وهي: ما يتعلق بخطاب المعدوم، هل يصح أن يخاطب به المعدوم بشرط وجوده، أم لا يصح أن يخاطب به إلا بعد وجوده؟، ويعود منشأ هذا الخلاف أصالة، إلى مسألة الكلام النفسي عند الأشاعرة، ومعارضة المعتزلة لهم، في سجالات طويلة
(3)
، كان أهل السنة المتبعون في غِنى عنها، حين تبعوا المأثور، وساروا على منهج السلف المسطور.
المطلب السابع: المحو والإثبات:
مدار هذه المسألة قوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:39]، فهل المحو والإثبات شامل للسعادة والشقاوة، والحياة والموت أم لا؟!
ذكر السمعاني خلاف السلف في هذه المسألة:
ـ فالمحكي عن ابن عباس رضي الله عنهما برواية سعيد بن جبير أنه قال: " يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ " إلا السعادة والشقاوة، والحياة والموت، قال السمعاني: وقد ورد خبر يُؤيد قول ابن عباس في أنه لا يُمحى الشقاوة والسعادة، والأجل والرزق، روى حذيفة بن أسيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إذا وضعت النطفة في الرحم، ومضى عليها خمس وأربعون ليلة، قال الملك: يا رب، أذكر أم أنثى، فيقضي الله، ويكتب الملك، فيقول: يا رب، أشقي أم سعيد؟ فيقضي الله تعالى، ويكتب الملك، فيقول: يا رب ما الأجل، وما الزرق؟ فيقضي الله تعالى، ويكتب الملك، ثم لا يُزاد فيه، ولا يُنقص ".
(4)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 173
(2)
- السمعاني: قواطع الأدلة: 1/ 23
(3)
العروسي: المسائل المشتركة: 149
(4)
اخرجه مسلم في صحيحه، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه، ح (2645)
ـ والمحكي عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما أنهما قالا: يمحو الشقاوة والسعادة أيضاً، ويمحو الأجل والرزق، ويُثبت ما يشاء، وكان عمر يقول: اللهم إن كنت كتبتني شقياً فامحه، واكتبني ما تشاء سعيداً، فإنك قلت:" يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ".
ـ وحَكى السمعاني عن الحسن قوله: " يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ "، أي: يمحو من حضر أجله، ويُثبت ما يشاء من لم يحضر أجله.
ـ وقيل: إن المراد منه: أن الحفظة يكتبون جميع أعمال بني آدم، فيمحو الله منها ما يشاء، وهو ما لا ثواب عليه ولا عقاب، ويُبثت ما يشاء، وهو الذي يستحق عليه الثواب والعقاب.