الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والراجح ـ والله أعلم ـ هو القول الأول، المستند إلى السنة النبوية المطهرة، وهو أن ما في سابق علم الله تعالى مما هو في اللوح المحفوظ، لا يقع فيه التبديل، وإنما يقع المحو والإثبات مما في أيدي الملائكة، ففي كتب الملائكة يزيد العمر وينقص، وكذلك الرزق بحسب الأسباب، فإن الملائكة يكتبون له رزقاً وأجلاً، فإذا وصل رحمه زيد له في الرزق والأجل، وإلا فإنه ينقص منهما
(1)
. ولذا فسَّر السمعاني قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} [هود:105]، فقال: ومعنى الآية ها هنا عند أهل السنة: فمنهم شقي سبقت له الشقاوة، ومنهم سعيد سبقت له السعادة "
(2)
، ونقل عن مجاهد في تفسير قوله تعالى:{فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان:4]: يقضي كل أمر محكم، إلا السعادة والشقاوة، فإنهما لا يبدلان ولا يُغيران، وعن بعضهم: إلا الموت والحياة أيضاً
(3)
. وحمل قوله تعالى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} [فاطر:11]، أما قبل حضور الأجل فيجوز الزيادة والنقص، وأما على تقدير أجلين، فيكتب أن عمر فلان مائة سنة إن إطاعني، وخمسون أو ستون إن عصاني، قال السمعاني: وهذا جائز.
(4)
المطلب الثامن: هل المقتول ميت بأجله أم لا
؟!
الذي عليه أهل السنة، أن المقتول ميت بأجله، حكاه السمعاني في تفسيره، قال تعالى:{قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران:154]، أي: خرج الذين كتب عليهم القتال إلى مصارعهم للموت، وفي هذا دليل على أن الأجل في القتل والموت واحد، كما قال أهل السنة ".
(5)
(1)
انظر: ابن تيمية: مجموع الفتاوى: 8/ 540 - ابن حجر: فتح الباري: 11/ 488
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 458
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 122
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 351
(5)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 369
يقول ابن أبي العز: " فالمقتول ميت بأجله، فعَلِم الله تعالى وقدَّر وقضى، أن هذا يموت بسبب المرض، وهذا بسبب القتل، وهذا بسبب الهدم، وهذا بسبب الحرق، وهذا بالغرق، إلى غير ذلك من الأسباب، والله سبحانه وتعالى خلق الموت والحياة، وخلق سبب الموت والحياة "
(1)
، ويقول السفاريني:" والحق عند أهل الحق، أن المقتول ميت في الوقت الذي قدره الله تعالى له، وعلم أنه يموت فيه "
(2)
، ويقول ابن المنير:" وأما أهل السنة فمعتقدهم أن كل ميت بأجله يموت "
(3)
، لأنه إذا علم الله أنه يموت غداً بأجله، يستحيل أن يقتل اليوم لا بأجله؛ لأنه يؤدي إلى تعجيز الله تعالى عن إحياء عبده إلى الغد، وأنه محال ".
(4)
إذن: فالذي عليه أهل السنة ومن تبعهم، أن المقتول ميت بأجله، وموته بفعل الله تعالى، خلافاً للمعتزلة، الذين يقولون: بل تولد موته من فعل القاتل، وأنه لو لم يُقتل، لعاش إلى أمد وهو أجله، فالقاتل عندهم غَيَّر بالتقديم الأجل الذي قَدَّره الله تعالى له
(5)
، ولهم أقوال أخرى في المسألة
(6)
. ويرد عليهم بقوله تعالى: {مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (43)} [المؤمنون:43]، يقول الرازي:" قال أصحابنا: هذه الآية تدل على أن المقتول ميت بأجله؛ إذ لو قُتل قبل أجله، لكان قد تقدم الأجل أو تأخر، وذلك ينافيه هذا النص ".
(7)
(1)
ابن أبي العز: شرح الطحاوية: 100
(2)
السفاريني: لوامع الأنوار: 1/ 348
(3)
ابن المنير: الانتصاف: 1/ 438
(4)
الغزنوي: أصول الدين: دار البشائر، بيروت، ط 1، 1419 هـ (175)
(5)
الإيجي: المواقف: 3/ 242
(6)
- انظر: الأشعري: مقالات الإسلاميين:1/ 321، القاضي عبدالجبار: الأصول الخمسة:782، الإيجي: شرح المواقف:320
(7)
الرازي: مفاتيح الغيب: 23/ 277