الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- بيان التلازم بين أنواع التوحيد الثلاثة، وأنه لا يُغني أحدها عن الآخر؛ ويظهر هذا جليا من جهة تأصيله لمسألة الإقرار المعرفي للمشركين بربوبية الله تعالى، وأن هذه المعرفة المنفصلة عن التعبد والتأله لله وحده دون ما سواه، لا تنفع صاحبه، ولا تشفع له عند الله تعالى يوم القيامة، وقرر أن مقتضيات ربوبيته تعالى مستلزمة لألوهيته سبحانه.
- وتتبع بالنقض كل الأقوال الفاسدة المتعلقة بالرب جل وعلا، والتي حُكيت عن جهلة الأمم السابقة، وما عُرف من أقوال مشركي هذه الأمة، وهذا منه إثبات لانفراد الرب جل وعلا في ربوبيته.
وقد جرى السمعاني في تقرير هذه المسائل على طريقة السلف، بمنأى عن مناهج أهل الفلسفة والكلام، بل إنه أغلظ القول فيهم، وحذر من اتباع مناهجهم، والسير على طرائقهم؛ لأنها لا تُؤدي إلى حقيقة شرعية، بل هي طرائق مشوبة باللغط، مشوهة بالغلط، أُريد منها أن تكون خليطا بين طريقتين، ومزيجا بين فكرتين، فنشأ عنهما طريقا منحرفا، لا يقوى على رد قول المخالف، ولا على تقرير البين الواضح.
المطلب الأول: تعريف الربوبية في اللغة وفي الاصطلاح:
المسألة الأولى: تعريف الربوبية في اللغة:
ذكر علماء اللغة أن لفظ الرب يطلق على أمور: (المالك، والخالق، والصاحب، والسيد، والمدبر، والمربي، والمتمِّم، والقيِّم، والمنعم)
(1)
(1)
((الأزهري: محمد بن أحمد: تهذيب اللغة، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 1،2001 م (15/ 128) ابن فارس: أحمد بن فارس: معجم مقاييس اللغة: دار الفكر،1399 هـ (2/ 382)، ابن منظور: محمد بن مكرم: لسان العرب: دار صادر-بيروت، ط 3،1414 هـ (1/ 1399 هـ)
يقول ابن الأنباري
(1)
: الرب (في اللغة) ينقسم على ثلاثة أقسام: يكون الرب: المالك، ويكون الرب: السيد المطاع، ويكون الرب: المصلح
(2)
.
وقد أشار الإمام السمعاني في تفسيره إلى معاني الربوبية وما ذكره موافق لما ذهب إليه أئمة اللغة، واهتمام السمعاني بالمعاني اللغوية مهم من جهتين: الأولى: من جهة تفسير المفردة القرآنية باللغة التي نزلت بها، وثانيا: لما بين المعنى اللغوي والاصطلاحي من تمازج وتقارب، ينتج عنه المعنى الصحيح. لكن يُراعى أن الألفاظ التي لها حقائق شرعية، يُرجع في بيان معانيها إلى الشرع، وتكون هي المقدمة على غيرها من الحقائق.
وذكر السمعاني في تفسير الرب مايلي:
1 ـ أن الرب يأتي على معنيين:
أولا: بمعنى التربية والإصلاح، والثاني: بمعنى المالك،
فقال في تفسير قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الفاتحة 2): " وأما الرب يكون بمعنى التربية والاصلاح، ويكون بمعنى المالك، يُقال: رب الضيعة يُربيها، أي: أتمها وأصلحها، ويُقال: رب الدار لمالك الدار.
فالرب هاهنا يحمل كلا المعنيين؛ لأن الله تعالى مربي العالمين، ومالك العالمين
(3)
.
2 ـ وذكر أن الرباني مأخوذ من الرب؛ لأنهم على دين الرب وطريقته
(4)
.
فقال: "و الرباني من طريق المعنى: هو أن يكون على دين الرب، وعلى طريقة الرب "
(5)
وقال: " وقيل: هو منسوب إلى الرب، كالبحراني منسوب إلى البحرين، والنجراني منسوب إلى نجران"
(6)
(1)
((أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري النحوي، كان من أعلم الناس وأفضلهم في نحو الكوفيين، وأكثرهم حفظا للغة، كان زاهدا متواضعا، أخذ عن أبي العباس ثعلب، كان صدوقا ثقة، من أهل السنة، حسن الطريقة، ألف كثيراً من الكتب في علوم القرآن والحديث واللغة والنحو: الوقف والابتداء والزاهر، والكافي في النحو. الأنباري: عبدالرحمن بن محمد: نزهة الألباء في طبقات الأدباء: مكتبة المنار، الأردن، ط 3،1405 هـ (197)
(2)
((الأزهري: تهذيب اللغة:15/ 128
(3)
((السمعاني: تفسير القرآن:1/ 36.
(4)
((السمعاني: تفسير القرآن:1/ 364
(5)
((السمعاني: تفسير القرآن:1/ 335
(6)
((السمعاني: تفسير القرآن:2/ 50
3 ـ وذكر في تفسيره أن البعل يأتي بمعنى الرب، فقال في تفسيره لقوله تعالى:{أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} (الصافات 125)، وعن ابن عباس أنه قال:" (أتدعون بعلا) أي رباً، والبعل هو الرب، ومعناه: أتدعون هذا الصنم رباً"
(1)
.
4 ـ وذكر السمعاني عند قوله تعالى: {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا} (المائدة 24) أن العرب تسمي الكبير ربا، وفسر به الآية بأحد أقوالها فقال:" وفيه قول آخر أن معنى قوله:" فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ " أي: وكبيرك، وأراد أخاه الأكبر هارون، والعرب تسمي الكبير ربا، قال تعالى في قصة يوسف: {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} (يوسف 23) أي كبيري وأراد به عزيز مصر".
(2)
وهذا الكلام الصادر عن بني إسرائيل هل هو كفر أو فسق؟ حكى السمعاني في تفسيره قولين، وخرَّج لمن قال بالفسق ببعض المخارج، ولذا قال الرازي
(3)
في تفسيره: ولقد فسقوا بهذا الكلام بدليل قوله تعالى في هذه القصة: {فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} .
في حين ذهب الإمام الطبري
(4)
إلى أن هذه المخارج إنما تُطلب " لو كان الخبر عن قوم مؤمنين، فأما قوم أهل خلاف على الله عز ذكره ورسوله، فلا وجه لطلب المخرج لكلامهم فيما قالوه في الله عز وجل وافتروا عليه إلا بما يشبه كفرهم وضلالتهم"
(5)
.
(1)
((السمعاني: تفسير القرآن:4/ 411
(2)
((السمعاني: تفسير القرآن:2/ 27
(3)
((الفخر الرازي محمد بن عمر بن الحسن (544 هـ-ت 606 هـ)، الإمام المفسر، أوحد زمانه في المعقول والمنقول وعلوم الأوائل. وهو قرشي النسب، ومولده في الري وإليها نسبته، وكان يحسن الفارسية، من تصانيفه: مفاتيح الغيب، ومعالم أصول الدين، الزركلي: الأعلام:6/ 313
(4)
((الطبري: محمد بن جرير بن يزيد (224 هـ- ت 310 هـ)، المؤرخ، المفسر، الإمام، ولد في آمل طبرستان، واستوطن بغداد وتوفي بها، من مصنفاته: جامع البيان، وتاريخه، الزركلي: الأعلام:6/ 69
(5)
((الطبري: جامع البيان:10/ 85