الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: المعجزات:
دعوات الأنبياء عليهم السلام واجهت خصوماً، كانوا أعداء لدعوة الرسل، يبثون الأراجيف، ويشيعون الشبهات، ويلصقون التُهم. ولذلك حكى الله تعالى تعنت المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم، حين دعاهم إلى توحيد الله تعالى، فقالوا:{مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} [الفرقان:7]، فهم قالوا ما قالوا على طريق الإنكار، وزعموا أنه إذا كان مثلهم يأكل الطعام، ويمشيى في الأسواق، فلا يجوز أن يمتاز عنهم بالنبوة، فكانوا يقولون: أنت لست بمَلَكٍ ولا مَلِكٍ، فلست بِمَلَك؛ لأنك تأكل الطعام، ولست بمَلِكٍ؛ لأنك تتسوق وتتبذل، والملوك لا يتسوقون ولا يتبذلون. يقول السمعاني:" وهذا الذي قالوه كله فاسد؛ وذلك لأن أكله الطعام لا ينافي النبوة، ولا مشيه في الأسواق، فإن أكله الطعام، يدل على أنه آدمي محتاج، ومشيه في الأسواق يدل على أنه متواضع غير متكبر، وأما اختصاصه بفضيلة النبوة من بين الناس فجائز؛ لأن الله تعالى لم يسوِ بين الناس، بل فاضل بينهم "
(1)
، وكذلك تحكموا في قولهم حين قالوا:" لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ "؛ لأنهم زعموا أن الرسول إن يكن مَلَكاً، فينبغي أن يكون له شريك من الملائكة، يقول السمعاني:" وهذا أيضاً فاسد؛ لأنه مجرد تحكم، ويجوز أن يتفرد الآدمي بالنبوة، ولا يكون معه ملك، ولَأَن يكون النبي آدمياً، أولى من أن يكون ملكاً؛ ليفهموا عنه، ويستأنسوا به "
(2)
، والأعجب من ذلك أنهم تمالؤوا في تشويش الدعوة، وبث الأكاذيب والترهات، فقالوا بعد ذلك:" أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا "، يعني: ينزل عليه كنز من السماء، أو يظهر له في الأرض، فقالوا: هلا جعل الله لك بستاناً تعيش به، أو كنز يدفعه إليك؛ فتستغني به عن التعيش، والتكسب، والتبذل في الأمور، يقول السمعاني:" وهذا أيضاً فاسد؛ لأن كسبه، وتعيشه لم يكن منافياً نبوته".
(3)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 7
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 7
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 8
لو قال قائل في هذا المقام، مع كثرة الآيات المقترحة من الكفار، لِمَ لا يجوز أن يجيبهم إلى الآية المقترحة، لعلها تكون سبباً لإيمانهم؟ قيل: إن الآية المقترحة لا نهاية لها، وإن وجب في المصلحة أن يجيب واحداً، وجب أن يجيب آخر، إلى مالا يتناهى
(1)
، وجواب آخر: وهو أن الأولين اقترحوا الآيات، فلما أعطوا كذبوها فأهلكوا، فلو أعطى الله تعالى كفار مكة الآيات المقترحة وكذبوا بها، عاجلناهم بالعذاب، وقد حكمنا بإمهالهم
(2)
، وثالثاً: أنهم لو رأوا جميع الآيات لم يؤمنوا بها.
(3)
ومع هذا التعنت، يُرسل الله تعالى آيات، وبراهين، وحججا، ساطعة، يُعلِم بها العباد أنه أرسل رسولاً، مؤيداً بهذا الآيات العظيمة، التي تكون خارقة لجميع الثقلين، فما يجريه الله تعالى على يد نبيه، على وجه الطلب أو الابتداء، ويكون خارقاً لقوانين الطبيعة، وخواص المادة، ومجرداً عن الأسباب والمسببات المعتادة على وجه يفوق طاقات العباد، ويَعْجَزُ الجميع عن معارضتها، فهي المعجزة.
(4)
وقد أَيَّد الله تعالى أنبياءه ورسله بالآيات والبراهين، الدالة على صدق ما يدعون إليه، إلا أن القرآن الكريم لم يستغرق كل الآيات، بمعنى أنه القرآن أشار إلى بعض آيات الأنبياء، ولم يُشر إلى بعضها الآخر، فليست كل الآيات مذكورة في القرآن.
(5)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 91
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 253
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 95
(4)
عبدالرحمن الحميضي: خوارق العادات: مكتبات عكاظ، جدة، ط 1، 1402 هـ (36)
(5)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 197
فمثلاً شعيب عليه السلام قال لقومه: {قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [الأعراف:85]، ولم تذكر ماهية الآية في القرآن، يقول السمعاني:" فإن قال قائل: " وما معنى قوله " قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ "، ولم تكن لهم آية؟ قيل: بل كانت لهم آية، إلا أنها لم تذكر في القرآن، وليست كل الآيات مذكورة في القرآن ".
(1)
وكان نبينا محمداً عليه الصلاة والسلام من أعظم الأنبياء وأفضلهم، ولذلك ما أوتي نبي آية، إلا أوتي نبينا مثل تلك الآية، وقد أًوتي انشقاق القمر، وحنين الجذع، وكلام الشجر، ونبع الماء بين الأصابع، والقرآن العظيم، وبعث إلى الأحمر والأسود، وغيره من الأنبياء بُعث إلى قوم مخصوصين
(2)
، ولذا يقول السمعاني:" واعلم أن الله تعالى قد أعطى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم المعجزات الكثيرة، ولكنه لم يعطه على وفق ما اقترحوا "
(3)
، وأعظم آياته التي أيده الله تعالى بها القرآن، ولذا تحدى به الجن والإنس، وقال تعالى:{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} [البقرة:24]، يعني: فإن لم تفعلوا ذلك، ولن تفعلوه أبداً على طريق الإعجاز، ولم للماضي، ولن للمستقبل، يقول السمعاني:" وإنما قال هذا؛ لبيان المعجزة؛ لأن القرآن كان معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم، حيث عجز الكل عن الإتيان بمثله "
(4)
. ويُقرر السمعاني أن دلائل صدق النبوة كثيرة، فهي لا تُحصر في المعجزة كما يقول المتكلمون، بل إن محمداً عليه الصلاة والسلام، النبي الأكرم، لو لم تأته معجزة، لدلت أحواله على صدقه، وعلى نبوته
(5)
. وهذا الذي يسميه الإمام ابن تيمية بالمسلك الشخصي.
(6)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 197
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 256
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 186
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 59
(5)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 533
(6)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 886