الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التمهيد: الإمام السمعاني: عصره، وحياته، وتفسيره:
المبحث الأول: عصره:
المطلب الأول: الحالة السياسية:
لكل زمان ظروفه الخاصة التي تنشأ فيه، فتؤثر على سيِره وسيرته، سلباً وإيجاباً. ففي القرن الخامس الهجري ساءت أحوال العالم الإسلامي، واضطربت أموره شرقاً وغرباً، فقامت دويلات وسقطت أخرى، وتمالأ أعداء الأمة عليها، وصوبوا سهامهم نحوها، فنتج عن ذلك: تفرق، وتشرذم، وسقوط، وانهيار. والناظر في تأريخ الأمم، يلحظ أن الضعف إنما ينشأ من صعود أرباب الغدر والخيانة، وتبوئهم مناصب كبيرة في الدولة، والتأريخ المسطور المشؤوم لابن العلقمي
(1)
،
(1)
ابن العلقمي: مشؤوم الطلعة، الوزير، المبير، مؤيد الدين - (بل مدمر الدين) - محمد بن محمد بن أبي طالب، البغدادي، الشيعي الرافضي، وزير المستعصم بالله. ولِي وزارة العراق أربع عشرة سنة. وكان ذا حقد على أهل السنة، بل مُلِئ قلبه غيظا وحنقا على الإسلام وأهله، فأخذ يُكاتب التتار على المجيء، وقرر معهم لنفسه أمورا انعكست عليه، وندم حين لا ينفع الندم.
انظر: الذهبي: العبر في خبر من غبر: دار الكتب العلمية، بيروت، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها، (3/ 284) - الذهبي: تأريخ الإسلام: دار الكتاب العربي، بيروت، ط 2 - 1413 هـ، (48/ 290) - العصامي: سمط النجوم العوالي: دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1 - 1419 هـ (3/ 516).
يقول ابن الوردي في تأريخه، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1 - 1417 هـ (2/ 190):" أراد ابن العلقمي نصرة الشيعة، فنصر عليهم، وحاول الدفع عنهم فدفع إليهم، وسعى ولكن في فسادهم، وعاضد ولكن على سبي حريمهم وأولادهم، وجاء بجيوش سلبت عنه النعمة، ونكبت الإمام والأمة، وسفكت دماء الشيعة والسنة، وخلدت عليه العار واللعنة ".
وكانت يده الخائنة التي امتدت لهولاكو يد الكفر والفجور، أبشع يد خائنة مُدت على تأريخ بغداد، يقول ابن كثير:"
…
دبر على الإسلام وأهله ما وقع من الأمر الفظيع، الذي لم يُؤرخ أبشع منه منذ بُنيت بغداد، وإلى هذه الأوقات " البداية والنهاية: دار إحياء التراث، ط 1 - 1418 هـ (13/ 234). قلتُ: وما أشبه اليوم بالبارحة. وقال الصفدي: " فحصل عنده من الضغن، ما أوجب له أنه سعى في دمار الإسلام، وخراب بغداد " الوافي بالوفيات: دار إحياء التراث، بيروت، 1420 هـ (1/ 151).
ولد سنة 591 هـ، وهلك في أوائل سنة 657 هـ، وعاش 66 سنة. انظر: الصفدي: الوافي بالوفيات: (1/ 151)، العودة: كيف دخل التتر بلاد المسلمين، دار طيبة، ط 3 - 1422 هـ (53).
الذي كان سببا في انهيار الدولة العباسية، أكبر دليل على ذلك.
ومن مظاهر الضعف في العالم الإسلامي:
1 -
ظهور الرفض وشيوعه، يقول الإمام الذهبي وهو يشير إلى أحداث سنة إحدى وخمسين وأربعمائة:" والرفض عالٍ في الشام، ومصر، وبعض المغرب، فلله الأمر "
(1)
. ويشير الإمام ابن كثير في تأريخه إلى حدوث الفتن المستمرة، والقتال المحتدم بين السنة والرافضة، فيقول حاكيا ما وقع من أحداث سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة: " وفيها كانت فتن عظيمة بين الروافض والسنة، ورفعوا المصاحف، وجرت حروب طويلة، وقُتل خلق كثير
…
"
(2)
.
2 -
نشوء التفرق في المغرب، بسقوط الدولة الأموية، وتمزق الدولة العامرية في الأندلس
(3)
، ولا أدل على ذلك، من حصول الاضطراب داخل أروقة قصر الرئاسة في ذلك الزمن، إذ اختفت فيه مراسم الاحتفال بالبيعة الخاصة للخليفة، واستعيض عنها إما بالصفق على يد الخليفة داخل مقره، أو على سطح مقر رئاسته. وكانت هذه الاضطرابات مستمرة من عام 399 هـ إلى عام 422 هـ، فيما كان يُعرف حينها بعصر الفتنة
(4)
.
ومع هذا الضعف، فقد هيأ الله تعالى للمسلمين في ذلك الزمن، من يلم شعثهم، ويوحد صفهم، ويجمع كلمتهم:
(1)
الذهبي: تأريخ الإسلام: (30/ 197)
(2)
ابن كثير: البداية والنهاية: (16/ 113)
(3)
يقول الأستاذ عبد الشافي عبد اللطيف في كتابه: السيرة النبوية والتأريخ الإسلامي، دار السلام - القاهرة، ط 1 - 1428 هـ (1/ 347):"وبوفاة الحكم المستنصر سنة 336 هـ، يمكن القول: إن الدولة الأموية قد انتهت فعلا في الأندلس، فاستبد بالأمر المنصور بن أبي عامر، وأصبح الحاكم المطلق هو وأولاده من بعده لمدة ثلث قرن، وقد أطلق المؤرخون على الأندلس في تلك الفترة وصف الدولة العامرية نسبة إليهم ".
(4)
ينظر: سالم الخلف: نظم حكم الأمويين، الناشر: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، ط 1،1424 هـ (1/ 139).
- ففي الأندلس، قام العلماء بعد سقوط الدولة العامرية، وتفرقها إلى طوائف، بالدعوة إلى الوحدة؛ إدراكا منهم للخطر الذي يتهدد المسلمين من النصارى، فاستجاب لطلبهم المعتمد بن عباد، الذي كان يملك أكثر البلاد الإسلامية الأندلسية، واجتمع أمرهم بالاستنجاد بدولة المرابطين في المغرب، فكان ما كان من أمر الله جل وعلا، من انتصار المسلمين على النصارى في معركة الزلاقة الشهيرة
(1)
.
- وفي المشرق، نصر الله تعالى الإسلام وأهله، بالسلاجقة الذين دحروا زُمَر الكفر وأهله.
(1)
ينظر: جميل المصري: الزلاقة، الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، السنة 18، العددان: 69 - 70، محرم، جمادى الآخرة (1/ 178).
وأما إقليم المشرق
(1)
، الذي كان يُنسب إليه الإمام السمعاني، وخاصته مرو الشاهِجَان
(2)
من مدن خراسان
(3)
الكبرى. فقد تعاقب عليها وما جاورها في القرن الخامس الهجري ثلاث دول: البويهية، والغزنوية، والسلجوقية.
(1)
إقليم المشرق ينقسم إلى ثلاثة أقاليم: خراسان، وسجستان، وما وراء النهر. ينظر: البشاري: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، مكتبة مدبولي - القاهرة، ط 3 - 1991 م، (260).
(2)
مرو الشاهجان: هي مرو العظمى، أشهر مدن خراسان وقصبتها، ومعنى مرو: مرج، والشاه: الملك، والجان: الروح، وكأنه يُقال: مرج نفس الملك. وإنما قيل لها مرو؛ لتتميز عن مرو الروذ، ولأنه لم يكن بها بناء. ينظر: ابن الجوزي: المنتظم في تأريخ الأمم والملوك، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 - 1412 هـ (4/ 219)، ابن الفقيه: البلدان، عالم الكتب 0 بيروت، ط 1 - 1416 هـ (1/ 136).
(3)
خراسان: كلمة فارسية معناها: بلاد الشمس المشرقة، والعرب إذا ذكرت المشرق كله قالوا: فارس، فخراسان من فارس. وهي بلاد واسعة، أول حدودها لما يلي العراق، وآخر حدودها لما يلي الهند. وتشتمل على أمهات من البلاد منها: نيسابور، وهراة، ومرو، وبلخ. وهي من أحسن أرض الله، وأعمرها، وأكثرها خيرا، وأهلها أحسن الناس صورة، وأكملهم عقلا، وأقومهم طبعا، وأكثرهم رغبة في الدين والعلم. ينظر: القزويني: آثار البلاد وأخبار العباد، دار صادر - بيروت، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها، (361)، البكري: معجم ما استعجم من البلاد والمواضع، عالم الكتب - بيروت، ط 3 - 1403 هـ (2/ 490)، الحموي: معجم البلدان، دار صادر - بيروت، ط 2 - 1995 م، (2/ 350).
1 -
أما دولة بني بويه التي امتدت من عام 334 هـ، إلى عام 447 هـ، ودخلت بلاد المسلمين في بغداد، فأفسدت البلاد والعباد، وشرعت نظام الإقطاع، وأظهرت ألوانا من النزاع العنصري بين الأجناد من الديلم والترك، ونشرت المذهب الرافضي، ودخلت في حروب، ولم يزل الأمر مستمرا على ذلك، إلى أن ظهر أمر السلطان ركن الدولة والدين طغرلبك محمد بن ميكال بن سلجوق، وقويت شوكة الترك، وانخفضت الدولة البويهية، واضمحلت وانقرضت
(1)
.
وقد نمت الرافضة في أكناف هذه الدولة وترعرت؛ لأن " المشهور عن بني بويه التشيع والرفض"
(2)
، وقد مشى البويهيون على خُطى الفاطميين، يقول الإمام ابن كثير:" وقد أسرف الرافضة في دولة بني بويه في حدود الأربعمائة وما حولها "
(3)
، ويشير إلى أحداث سبع وأربعين وثلثمائة فيقول:" وقد رجع معز الدولة إلى بغداد بعد انعقاد الصلح، وقد امتلأت البلاد رفضا وسبا للصحابة من بني بويه وبني حمدان والفاطميين، وكل ملوك البلاد، مصرا، وشاما، وعراقا، وخراسان، وغير ذلك من البلاد كانوا رفضا، وكذلك الحجاز وغيره، وغالب بلاد المغرب، فكثر السب والتكفير منهم للصحابة "
(4)
.
وهنا قيّض الله تعالى طغرلبك، فأزال ملك بني بويه، يقول ابن تغري بردي:"وانقرضت دولة بني بويه من بغداد، بسلطنة طغرلبك السلجوقي"
(5)
.
(1)
ينظر: ابن القلانسي: تأريخ دمشق، دار حسان للطباعة - دمشق، ط 1 - 1403 هـ (442).
(2)
ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دار الكتب - مصر (3/ 308)، وينظر: الموسوعة الميسرة في التأريخ الإسلامي، إعداد فريق البحوث والدراسات الإسلامية، فِدا، مكتبة خوارزم - القاهرة، (1/ 273).
(3)
ابن كثير: البداية والنهاية: (8/ 220)
(4)
ابن كثير: البداية والنهاية: (11/ 264).
(5)
ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة: (5/ 67 - 73)، وابن تغري بردي: هو يوسف الحنفي، مؤرخ، بحاثة، من مصنفاته: المنهل الصافي المستوفي بعد الوافي. الزركلي: الأعلام: (8/ 222).
وفي العام الذي يلي سقوط دولة بني بويه، " اُلزم الروافض بترك الأذان بحي على خير العمل، واُمر أن يُنادي مؤذنهم في أذان الصبح وبعد حي على الفلاح: الصلاة خير من النوم مرتين، وأُزيل ما كان على أبواب المساجد ومساجدهم من كتابة: محمد وعلي خير البشر، ودخل المنشدون من باب البصرة إلى باب الكرخ، ينشدون بالقصائد التي فيها مدح الصحابة، وذلك أن نوء الرافضة اضمحل؛ لأن بني بويه كانوا حكاما، وكانوا يقوونهم وينصرونهم، فزالوا وبادوا، وذهبت دولتهم، وجاء بعدهم قوم آخرون من الأتراك السلجوقية، الذين يحبون أهل السنة ويوالونهم، ويرفعون قدرهم، والله المحمود أبدا، على طول المدى "
(1)
.
2 -
وأما الدولة الغزنوية
(2)
: فكانت في عهد محمود بن سبكتكين في ولاء تام للخلافة، وكانت على مذهب أهل السنة والجماعة، وكانت موئلا للعلماء
(3)
.
" ومع أوائل القرن الخامس الهجري بدأ الغزنويون فتح كابل وبلاد الأفغان، والامتداد إلى شبه القارة الهندية. ويذكر المؤرخون أنه هو الفاتح الحقيقي الشامل لشبه القارة الهندية، وأنه كان من أعاظم سلاطين المسلمين، وقد امتدت سلطنته من بهار في شرق الهند، إلى فارس، وفي أواخر القرن السادس الهجري سقطت دولة الغزنويين"
(4)
.
(1)
ابن كثير: البداية والنهاية: (12/ 86).
(2)
الدولة الغزنوية: غزنة مدينة عظيمة، وولاية واسعة في طرف خراسان، وهي مدينة عامرة، تُعرف بأفغانستان الحالية، وكانت منزل محمود بن سبكتكين إلى أن انقرضوا. وهي بلاد مخصوصة بصحة الهواء، وعذوبة الماء، وصحة التربة. ينظر: الحموي: معجم البلدان: (4/ 201)، عمران الوردي: خريدة العجائب وفريدة الغرائب، مكتبة الثقافة الإسلامية - القاهرة، ط 1 - 1428 هـ (376)، القزويني: آثار البلاد: (1/ 428).
(3)
ينظر: الموسوعة الميسرة في التأريخ الإسلامي: (1/ 326).
(4)
عبدالرحمن حبنكة: الحضارة الإسلامية: دار القلم - دمشق، ط 1 - 1418 هـ (616 - 617).
وقد جرت مناوشات في هذا القرن بين عساكر غزنة، وبين السلطان ملكشاه السلجوقي، فخرج إلى عساكر غزنة إلياس بن ألب أرسلان أخو ملكشاه، فقاتلهم، وكفى ملكشاه أمر الغزنوية
(1)
.
3 -
وأما الدولة السلجوقية
(2)
: فقد ابتدأ ملكها من عام 429 هـ، وفيها استولى طغرلبك على نيسابور، وجلس على سرير ملكها، وبعث أخاه داود إلى بلاد خراسان فملكها، وانتزعها من نُواب الملك مسعود بن محمود بن سبكتكين
(3)
.وعلا شأنهم، وارتفع ملكهم بحلول عام 432 هـ
(4)
. وبدأ السلطان طغرلبك بالفتوحات، ففي سنة 442 هـ، فتح السلطان أصبهان بعد حصار دام سنة، وجعلها دار إقامته
(5)
. وفي سنة 446 هـ، غزا بلاد الروم بعد أخذه بلاد أذربيجان، فغنم من بلاد الروم وسبى، وعمل أشياء حسنة
(6)
. ثم دخلت سنة 447 هـ، وفيها ملك طغرلبك بغداد والعراق
(7)
. وجرت أحداث وفتن كبيرة، انتهت بمقتل رأس الفتنة البساسيري ومن معه.
وكان الملك طغرلبك خيِّرا، مصليا، محافظا على الصلاة في أول وقتها، ويُديم صيام الإثنين والخميس، حليما عمن أساء إليه، كتوما للأسرار، سعيدا في حركاته
(8)
.
(1)
ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة: (5/ 95).
(2)
ينظر في كيفية وصول السلاجقة إلى السلطة، وابتداء أمرهم: تأريخ ابن الوردي: (1/ 335)، تأريخ ابن خلدون، دار الفكر - بيروت، ط 2 - 1408 هـ (3/ 559)، الموسوعة الميسرة في التأريخ الإسلامي:(1/ 278).
(3)
ابن كثير: البداية والنهاية: (12/ 54).
(4)
ابن كثير: البداية والنهاية: (12/ 60).
(5)
المرجع السابق: (12/ 77).
(6)
المرجع السابق: (12/ 82).
(7)
المرجع السابق: (12/ 83).
(8)
المرجع السابق: (12/ 111).