الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولازالت الأحداث والنكبات تتوالى على هذه الأمم إلى أن استبد بهم: غلاءٌ، وخوفٌ، ونهبٌ، وجوعٌ، ومرضٌ، وموتٌ، وفسادٌ، عم البلدان، يقول الإمام ابن الجوزي عن أحداث سنة 448 هـ:" وعم هذا الوباء والغلاء، مكة، والحجاز، وديار بكر، والموصل، وبلاد الروم، وخراسان، والجبال، والدنيا كلها "
(1)
.
ونتج عن هذا الفساد والعبث، واختلاف السلاطين فيما بينهم: خوف منع الناس من القدوم إلى حج بيت الله الحرام. ونظرة واحدة لكتب التأريخ تُبيِّن مدى المعاناة، وحجم المأساة، التي كانوا يعيشونها، بسبب فقدان الأمن، وكثرة الفساد.
ومع أن الحال الاجتماعي كانت مزرية، إلا أنه كان يختلف سوءً من بلد لآخر، ومن زمن لآخر. ومع هذا القحط المعيشي، والجفاف الاجتماعي، نجد أن سلاطين الدولة السلجوقية، الذين عاصرهم الإمام السمعاني، كانوا على جانب من الصلاح ومراعاة أحوال الناس.
فقد أرسل الملك طغرلبك كتابا إلى جلال الدولة، يأمره بالإحسان إلى الرعايا، والوصاة بهم
(2)
.وكان خَلَفَه ألب أرسلان، شفوقا على رعيته، رفيقا بالفقراء، يُغدق عليهم، ويتفقد أحوالهم
(3)
. وهذا بدوره يعكس نوع اطمئنان عند الرعية.
المطلب الثالث: الحالة الدينية والعلمية:
أولا: الحالة الدينية:
في القرن الخامس الهجري، تمثلت ظاهرة الفوضى الدينية عاليا، كما كانت هي الفوضى السياسية. فقد كان التشيع يضرب أطنابه متعاليا، تدعمه القوى السياسية، وتُدعم قواعده. فالدولة الفاطمية والدولة البويهية، ساهمتا في نشر الفكر الرافضي، وتثبيت أسسه، في حين جرت مزاوجة فكرية، ومقاربة عقائدية، بين المذهب الرافضي والمعتزلي، فقوي الاعتزال في ذاك الزمان؛ إذ كان يُشايعه ويُناظر له الأمراء والوجهاء والعلماء.
(1)
ابن الجوزي: المنتظم: (15/ 246).
(2)
ابن كثير: البداية والنهاية: (12/ 64).
(3)
المرجع السابق: (12/ 130).
ولكن ما أن مكَّن الله تعالى للخليفة القادر بالله الأمر، حتى سعى جاهدا، لتقويض أسس المعتزلة والرافضة وأهل البدع، بقوله وفعله. فألف كتابا ذكر فيه فضائل الصحابة على ترتيب مذهب أهل الحديث، وأورد فضائل عمر بن عبدالعزيز، وذكر أفكار المعتزلة، والقائلين بخلق القرآن، وكان الكتاب يُقرأ في كل جمعة في حلقة أصحاب الحديث بجامع المهدي، ويحضر الناس سماعه
(1)
.
وفي سنة 408 هـ، استتاب القادر بالله المعتزلة والشيعة وغيرهما، من أرباب المقالات المخالفة لما يعتقده من مذاهبهم، ونهى عن المناظرة في شيء منها، ومن فعل ذلك نُكِّلَ به وعوقب
(2)
، فامتثل أمره محمود بن سبكتكين، وكانوا حربا على البدع وأهلها
(3)
.
وفي سنة 420 هـ، ملك محمود بن سبكتكين الري، فنفى المعتزلة إلى خراسان، وأحرق كتب الفلسفة، ومذاهب الاعتزال والنجوم
(4)
.
واكتمل العقد، وظهر أمر السنة وانتشر، وضعف أمر البدعة وانحسر، بتمكن السلاجقة من مشرق العالم الإسلامي ودخولهم بغداد.
إن صفحات الصراع بين السنة والرافضة طويلة مستمرة، تعلو تارة، وتخبو أخرى، وكان بداخل كل واحدٍ منهما صراعات مذهبية أخرى.
وقامت في هذا القرن فتن، واشتعلت حروب فكرية، كلٌ ينتزع الحق من الآخر، وينتصر لمذهبه، وهذه كلها دلائل وإشارات لوجود فوضى فكرية، وصراعات عقائدية، خيمت على أرجاء العالم الإسلامي، كان الحق الغالب فيها، غالبا لأهل الحق أهل السنة والجماعة.
(1)
ابن الجوزي: المنتظم: (14/ 354).
(2)
ابن الأثير: الكامل في التأريخ: (7/ 649)، ابن الجوزي: المنتظم: (15/ 125).
(3)
الذهبي: العبر في خبر من غبر: (7/ 711).
(4)
ابن الجوزي: المنتظم: (15/ 194).