الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والعفريت من الجني هو الشديد القوي، وأما اسم ابليس، فقال بعضهم: هو مشتق من الإبلاس، وهو اليأس من الخير، وقيل: هو اسم أعجمي معرب، لا اشتقاق له، ولذلك لاينصرف
(1)
.
المطلب الثاني: أعمال الشياطين وأحوالهم وصفاتهم:
ذكر الله تعالى في كتابه العزيز جملة من أوصاف الشياطين وأعمالهم وقد تتبعها السمعاني وبينها وأشار إليها ونجملها في النحو التالي:
1 -
أن العرب تسمي كل قبيح مكروه شيطاناً؛ وذلك لما استقر في النفوس من قبحها، وقد شبه الله تعالى شجرة الزقوم برؤوس الشياطين، فقال:" إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ"[الصافات:64 - 65]، وإنما صح التشبيه مع أن رؤوس الشياطين لم يرها أحد؛ لأنه كان مستقرا في النفوس قبحها وأن جميعهم على أقبح صورة، فشبه بها على ما استقر في النفوس
(2)
.
2 -
أعمال الشياطين:
أ ـ أذية الإنسان: وقد أخبر الله تعالى عن ذلك فقال:" الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَاا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ "[البقرة:275]، قال السمعاني:"وقيل هو من تخبط الشيطان، وذلك أن يدخل الإنسان فيصرعه"
(3)
، وهذا فيه إثبات لدخول الجن في بدن الإنسان، خلافا لمن أنكره من المعتزلة، وقد نقل شيخ الإسلام الاتفاق على دخول الجن في بدن الإنسان
(4)
.
(1)
السمعاني: تفسير القرآن:4/ 98 - 1/ 67.
(2)
السمعاني: تفسير القرآن:4/ 401.
(3)
السمعاني: تفسير القرآن:1/ 279.
(4)
- ابن تيمية: مجموع الفتاوى: 24/ 276
ب ـ الوسوسة: وقد بين الله تعالى ذلك في كتابه العزيز، وأشار إلى أن الشيطان قد وسوس لآدم وحواء عليهما السلام فقال:" فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا"[الأعراف:20]، قال السمعاني:"والوسوسة حديث يلقيه الشيطان في قلب الإنسان، واختلفوا في كيف وسوس لهما وهما في الجنة وهو في الأرض؟ فقيل: وسوس لهما من الأرض؛ لأن الله تعالى أعطاه قوة بذلك حتى وسوس لهما بتلك القوة من الأرض إلى الجنة، وقيل: حين وسوس لهما كان في السماء، فالتقيا على باب الجنة هو وآدم فوسوس وقيل: إن الحية خبأته في أنيابها وأدخلته الجنة، فوسوس من بين أنيابها فمسخت الحية وأخرجت من الجنة"
(1)
، وقد سمى الله عزوجل الوسوسة من الشيطان نزغ فقال:" وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ
مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ " [الأعراف:200]، أي: وسوسة
(2)
.
وسماها الله تعالى رجزا، فقال سبحانه:" وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ" أي وسوسة الشيطان
(3)
،وسماها كذلك همزات، فقال سبحانه:" وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ" أي: وساوسهم، والهمز في اللغة مأخوذ من الدفع، ودفع الشيطان غيره إلى المعصية، يكون بوسوسته، فعرف أن الهمزات هي الوساوس، وقيل: همز الشيطان، إغراؤه على المعصية
(4)
.
وقد أمر الله تعالى بالاستعادة منه فقال:" قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ
النَّاسِ (3) مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ" [الناس:1 - 4]، والوسواس الخناس: الشيطان، والمعنى: من شر الشيطان ذي الوسواس، ويقال: سمي وسواسا؛ لأنه يجثم، فإن ذكر العبد ربه خنس، أي تأخر، وإن لم يذكر وسوس
(5)
.
ج ـ إفساد علاقات الود والمحبة بين المسلمين:
(1)
السمعاني: تفسير القرآن:2/ 170.
(2)
السمعاني: تفسير القرآن:2/ 243.
(3)
السمعاني: تفسير القرآن:2/ 252.
(4)
السمعاني: تفسير القرآن:3/ 489.
(5)
السمعاني: تفسير القرآن:6/ 308.
قال تعالى:" إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ"
…
[المائدة:91]، "أما وقوع العداوة في الخمر: أن شاربيه إذا سكروا عربدوا وتشاجروا وتشاحجوا، وأما العداوة في الميسر: قال قتادة: هو أنهم كانوا يغارون على الأهل والمال، ثم إذا لم يبق له شيء يجلس زينا، مسلوبا، مغتاظا على قرنائه
(1)
، ولذا سماها الله تعالى رجساً من عمل الشيطان، والرجس هو عمل الشيطان
(2)
.
وبين الله هذا العمل القبيح من الشيطان، فقال:" وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ "[الإسراء:53]، أي: يفسد بإيقاع العداوة
(3)
.
د ـ إنساء ذكر الله تعالى والصلاة: كما قال تعالى:" وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ "[المائدة:91]، يعني: الشيطان يمنعكم بالخمر والميسر، عن ذكر الله وعن الصلاة،" فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ " أي: انتهوا
(4)
.
وقال تعالى:" اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ "[المجادلة:19]، أي: غلب عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله تعالى
(5)
.
هـ ـ التسويل والإملاء: كما قال تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ"[محمد:25]، فزين لهم، وأمهلهم بالمد لهم في العمر
(6)
.
(1)
السمعاني: تفسير القرآن:2/ 62
(2)
السمعاني: تفسير القرآن:4/ 282.
(3)
السمعاني: تفسير القرآن:3/ 249.
(4)
السمعاني: تفسير القرآن:2/ 63.
(5)
السمعاني: تفسير القرآن:5/ 392.
(6)
السمعاني: تفسير القرآن:5/ 182.
و ـ الصد عن سبيل الله تعالى: كما قال تعالى:" وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ"[النمل:24]،" فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ" أي: عن سبيل الإسلام "فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ" أي: الطريق الحق
(1)
، وقال تعالى:" وَعَادًا وَثَمُودَا وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم
مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ" [العنكبوت:38]، " فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ"أي: صدهم عن سبيل الحق، "وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ" أي: ارتكبوا ما ارتكبوا وقد علموا أن عاقبة أمرهم بوار.
(2)
ز ـ تزيين الباطل: كما قال تعالى: {تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} [النحل:63]، يعني: كفرهم وجحودهم، ثم قال تعالى:" فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ " سماه ولياً لهم؛ لطاعتهم إياه
(3)
. وقال تعالى: {وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [الإسراء:64]، والغرور: تزيين الباطل بما يُظَنُّ أنه حق.
(4)
وقال تعالى: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120)} [النساء:120]: وذلك بإيهام الوصول إلى النفع، من موضع الضر.
(5)
وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام:112]، وزخرف القول: هو قول مزين لا معنى تحته، والغرور: القول الباطل، والأمر بالشر بإلهام الشيطان.
(6)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن:3/ 183
(2)
السمعاني: تفسير القرآن:4/ 180.
(3)
السمعاني: تفسير القرآن:4/ 90.
(4)
السمعاني: تفسير القرآن:3/ 259
(5)
السمعاني: تفسير القرآن:1/ 481
(6)
السمعاني: تفسير القرآن:2/ 137 - 4/ 257
والله تعالى:" سمى الشيطان غروراً، قال تعالى:{إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:33]، يعني: الشيطان، وتغريره للإنسان: هو تزيينه للمعاصي، وتمنيه المغفرة من الله، وعَبَّر عنه؛ بتزيينه له المعاصي، وتمنيه المغفرة
(1)
. وقال تعالى: {وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [الحديد:14]، أي: الشيطان، وإنما سُمي الشيطان غروراً؛ لأن الناس تغر الناس بتمنية الأباطيل.
(2)
ح ـ بث الحزن في القلوب: قال تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [المجادلة:10]، فالنجوى من الشيطان؛ ليحزن الذين آمنوا، بما يسمعون من الإرجاف بالسَّرِيَّة، وذلك أن المنافقين كان بعضهم يقول إذا بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية: قد أصاب السرية، وكذا قد أسروا وقتلوا، وما يشبه ذلك؛ إرجافاً للمسلمين، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
(3)
3 ـ أن الله تعالى أوجب الكفر بالشيطان؛ لأنه كافر بالله تعالى، عَصِيٌّ لأمره، قال تعالى:{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ} [البقرة:265]، والطاغوت الشيطان
(4)
، وقد سماه الله طاغوتاً، فقال:{وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا} [الزُّمَر:17]، أي: الشيطان.
(5)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن:4/ 240
(2)
السمعاني: تفسير القرآن:5/ 371
(3)
السمعاني: تفسير القرآن:5/ 386 - 387
(4)
السمعاني: تفسير القرآن:1/ 260
(5)
السمعاني: تفسير القرآن:4/ 463.
وإنما أوجب الله تعالى الكفر بالشيطان؛ لأنه كافر بربه، قال تعالى:{وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الإسراء:27]، أي: بربه كافراً
(1)
. ولأنه كان عصياً للرحمن، قال تعالى إبراهيم:{يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ} [مريم:44]، أي: لا تطع الشيطان فيما يزين لك من الكفر والشرك؛ {إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا} ، أي: عاصياً.
(2)
وكل من اتبع الشيطان، صار ولياً له، قال تعالى عن إبراهيم:{يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)} [مريم:45]، يعني: يلزمك ولاية، أي: موالاة الشيطان وتكون مثله. وقيل: فتوكل إلى الشيطان، ويخذلك الله.
(3)
وقال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ} [الحج:4]، أي كُتب على الشيطان، أن يضل من تولاه، {يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [الحج:4] أي: إلى عذاب جهنم.
(4)
وقال تعالى: {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29)} [الفرقان:29]، أي تاركاً: ويقول الشيطان يوم القيامة لأتباعه: {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم:22]، وفي معنى كلامه، قولان:
أحدهما: إني كفرت بجعلكم إياي شريكاً في عبادة الله وطاعته، والثاني: إني كفرت قبل أن أشركتموني في عبادته، يعني: كفرت قبل كفركم
(5)
، وهذا كقوله تعالى:{قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} [ق:27]، والقرين هنا هو الشيطان باتفاق المفسرين، فالشيطان يقول:" ما أطغيته " أي: ما أضللته، " ولكن كان في ضلال بعيد "، أي: وجدته وقد اختار الضلالة لنفسه.
(6)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن:3/ 235.
(2)
السمعاني: تفسير القرآن:3/ 295.
(3)
السمعاني: تفسير القرآن:3/ 295.
(4)
السمعاني: تفسير القرآن:3/ 418
(5)
السمعاني: تفسير القرآن:3/ 112
(6)
السمعاني: تفسير القرآن:5/ 243
4 ـ استراق السمع: كما أخبر الله تعالى عنهم فقال: {إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ} [الحِجر:18]، يقول السمعاني: " في الأخبار: أن الشياطين يركب بعضهم بعضاً، إلى السماء الدنيا، ويسترقون السمع من الملائكة، فترجمهم الكواكب، فتقتل البعض، وتخبل البعض. واختلف القول في أنهم متى يسترقون السمع؟
فأحد القولين: أنهم يسترقون السمع من الملائكة في السماء، والقول الآخر: أنهم يسترقون السمع من الملائكة في الهواء "
(1)
، فاستراق السمع من الشياطين ثابت ـ لكنه لم يكن ظاهراً في زمن الأنبياء قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما رُوي هذا في ابتداء أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك أساساً لنبوته
(2)
، وهل كان رمي الشُهب معلوماً في الجاهلية؟. رجح السمعاني: أن الرمي بالشهب قد كان من قبل، ولكن لما كان في زمان الرسول عليه الصلاة والسلام، كثير وقوي، قال معمر: قلت للزهري: أكان الرمي بالشهب قبل الرسول صلى الله عليه وسلم في الجاهلية؟ قال: نعم، ولكنه لما كان زمان الرسول صلى الله عليه وسلم كثر واشتد.
(3)
5 ـ ومع ما ذُكر من أعمال الشياطين، إلا أن الله جل وعلا، هوَّن من شأنهم، وقلل من أمرهم، ونهى عن اتباع خطواتهم، وهذا يظهر في عدة أمور:
أ ـ أن الله تعالى جعل كيد الشيطان ضعيفاً، فقال سبحانه:{إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء:76]، يقول السمعاني:" قيل: كان ضعيفاً بمعنى: أنه لا يرد أحداً عن الإسلام والهداية، وقيل: أراد به أن كيده كان ضعيفاً يوم بدر، حين رأى الملائكة، فخاف أن يأخذوه فهرب "
(4)
.
(1)
السمعاني: تفسير القرآن:3/ 133
(2)
السمعاني: تفسير القرآن:3/ 133
(3)
السمعاني: تفسير القرآن:6/ 67
(4)
السمعاني: تفسير القرآن:1/ 448
ب ـ أنه ليس له سلطان على المؤمنين، قال تعالى:{إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل:99]، أي: ليس له ولاية على الذين آمنوا، يُقال: معناه: أنه لا يقدر على إيقاعهم في ذنب، ليس لهم منه توبة، وقيل: إنه لايقدر على إدخالهم في الشرك وإغوائهم
(1)
، ولكنه إنما تسلط عليهم بالوسوسة والإغواء والإغراء، قال تعالى:{قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء:62]، ومعناه: لأسوقنهم إلى المعاصي سوقاً، ولأميلنهم إليها ميلاً، وقيل: لأستولين عليهم بالإغواء، وقيل: لأضلنهم.
فإن قيل: كيف عرف إبليس أن أكثر ذرية آدم يتبعونه؟ قلنا: الجواب من وجهين:
الأول: أنه لما رأى انقياد آدم لوسوسته، طمع في ذريته، والثاني: أنه رأى ذلك في اللوح مكتوباً، وعرف كما عرفت الملائكة حين قالوا:{أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة:30].
(2)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن:3/ 201
(2)
السمعاني: تفسير القرآن:3/ 258
ج ـ أخبر الله تعالى أن الباطل، وهو الشيطان كان زهوقاً، أي: ذاهباً، قال تعالى:{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء:81]، قال قتادة: الحق القرآن، والباطل الشيطان
(1)
. وقال تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:18]، والباطل هو الشيطان، فالله تعالى يُلقي بالقرآن الكريم وهو الحق، على الباطل هو الشيطان الرجيم، فيدمغه ويزيله، فإذا هو زاهق ذاهب، وهذا من حيث بيان الدليل والحجة، لا من حيث إزالة الكفر أصلاً؛ فإن الكفر والباطل في العالم كثير
(2)
. وقال تعالى: {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ} [سبأ:49]، أي: القرآن، أو الرسول، " وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ " قال قتادة: هو الشيطان، " وَمَا يُعِيدُ " أي: ما يُبدئ الشيطان شيئاً وما يعيد.
(3)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن:3/ 271
(2)
السمعاني: تفسير القرآن:3/ 372
(3)
السمعاني: تفسير القرآن:4/ 341
6 ـ ولما كانت عداوة الشيطان للإنسان مستفحلة من قديم الزمان، حذر الله تعالى من طاعته، والسير على نهجه، بل وعن اتباع خطواته، قال تعالى مبيناً هذه العداوة القديمة الظاهرة، والمستمرة على مدى الأزمان:{إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يوسف:5]، يقول السمعاني:" ومعناه: إن الشيطان يزين لهم ذلك، ويحملهم عليه لعداوته القديمة "
(1)
، وقال تعالى:{إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} [الإسراء:53]، أي: عدواً ظاهر العداوة
(2)
. وقال تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يس:60]، أي: عدو بيِّن العداوة.
(3)
وقال تعالى: {وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الزُّخرُف:62]، قال ابن عباس: من عداوته، أنه أخرج أباكم من الجنة، ونزع عنهم لباس النور.
(4)
وبعد أن بيَّن الله تعالى عداوة الشيطان لبني آدم عليه السلام، حذر من اتباع خطواته، فقال:{وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة:168]، وذكر السمعاني في معنى خطوات الشيطان ثلاثة أقوال:
أحدها: هي خطايا الشيطان، وهو قول مجاهد، والثاني: هي النذور في المعاصي، والثالث: هي أعمال الشيطان
(5)
. وقال في مقام آخر: " قوله تعالى: {كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الأنعام:142]، أي: آثار الشيطان، وخطاياه، وهو تخطيه من الحلال إلى الحرام "
(6)
، ومن الطاعة إلى المعصية
(7)
.
(1)
السمعاني: تفسير القرآن:3/ 8
(2)
السمعاني: تفسير القرآن:3/ 249
(3)
السمعاني: تفسير القرآن:4/ 384
(4)
السمعاني: تفسير القرآن:5/ 113
(5)
السمعاني: تفسير القرآن:1/ 167
(6)
السمعاني: تفسير القرآن:2/ 151
(7)
السمعاني: تفسير القرآن:3/ 513