الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
رجح أن التكفير بالصدقات الوارد في قوله تعالى: (إن تبدو الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم) البقرة 271، أن (من) صلة، والتقدير: يكفر عنكم سيئاتكم، فيكون التكفير شاملا للصغائر والكبائر، وحكى قولا آخر: أن (من) على التحقيق، وأن التكفير بالصدقات لا يكون إلا لصغائر، وأما الكبائر فإنما تكفرها التوبة، ثم قال: والأول أقرب إلى أهل السنة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(صدقة السر تطفئ غضب الرب)
(1)
.
المطلب الثاني: حكم مرتكب الكبيرة:
" أجمع الجميع من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من الخالفين الدارجين من المسلمين، أن المؤمن مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته، غير كافر بها "
(2)
. بل إن السمعاني يرحمه الله، نقل إجماع أهل الإسلام على خروج الموحدين المذنبين من النار، فقال:" أجمع أهل الإسلام، متقدموهم ومتأخروهم، على رواية الأحاديث في صفات الله، وفي مسائل القدر، وإخراج الموحدين المذنبين من النار "
(3)
، وقال الإمام أبو الحسن الأشعري:" وأجمعوا على أن الله تعالى، يُخرج من النار، من في قلبه شيء من الإيمان ".
(4)
وقد ساهم السمعاني رحمه الله في تقرير هذه المسألة على منهج أهل الحق، مدللاً عليه، وراداً على المخالفين فيه. وبيان رأيه من وجوه:
1 ـ أن أهل الكبائر تحت المشيئة الإلهية، وقد حكى البغوي اتفاق أهل السنة على ذلك، فقال:" اتفق أهل السنة، على أن المؤمن لا يخرج عن الإيمان بارتكاب شيء من الكبائر، إذا لم يعتقد إباحتها، وإذا عمل شيئاً منها، فمات قبل التوبة لا يُخلد في النار، كما جاء به الحديث، بل هو إلى الله تعالى، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه بقدر ذنوبه، ثم أدخله الجنة برحمته ".
(5)
واستدل السمعاني على هذه المسألة بعدة أدلة منها:
(1)
- السمعاني: مرجع سابق: 1/ 275
(2)
ابن القطان: الإقناع: 1/ 35
(3)
الأصفهاني: الحجة في بيان المحجة: 2/ 230
(4)
الأشعري: رسالة إلى أهل الثغر: 286
(5)
البغوي: شرح السنة: المكتب الإسلامي، دمشق، ط 2، 1403 هـ، (1/ 103)
ـ قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء:31]، يقول السمعاني:" قوله تعالى " نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ " إن شئت، فالمشيئة مضمرة فيه
…
ومذهب أهل السنة: أن تكفير الصغائر معلقة بالمشيئة، فيجوز أن يعفو الله عن الكبائر، ويأخذ بالصغائر، ويجوز أن يجتنب الرجل الكبائر، فيؤخذ بالصغائر ".
(1)
ـ وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]، قال ابن عمر: كنا نطلق القول فيمن ارتكب الكبائر، بالخلود في النار، حتى نزلت هذه الآية فتوقفنا. والمراد: يغفر الذنوب جميعاً سوى الشرك
(2)
. يقول الإمام الطبري: " وقد أبانت هذه الآية، أن كل صاحب كبيرة ففي مشيئة الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه عليه، ما لم تكن كبيرة شركاً بالله ".
(3)
ـ وقوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ} [المائدة:40]، " قال ابن عباس: يعذب من يشاء على الصغيرة، ويغفر لمن يشاء الكبيرة، وقال غيره: يعذب من يشاء، من مات مصراً، ويغفر لمن يشاء، من مات تائباً ".
(4)
2 ـ أن صاحب الكبيرة لا يكفر، وقد سقنا الإجماع على هذه المسألة، وقد استدل لها السمعاني بأدلة من نصوص الوحيين، منها:
ـ قوله تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَأَىهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [فاطر:8]، يقول السمعاني: " الأولى أن يُقال: إن الآية نزلت في الكفار؛ لأن عليه أكثر أهل التفسير.
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 421
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 234
(3)
الطبري: جامع البيان: 8/ 450
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 37
وعن قتادة أنه قال: منهم الخوارج الذين يستحلون الدماء والأموال، قال: وأما أهل الكبائر فليس منهم؛ لأنهم لا يستحلون الكبائر. وكذلك العمال الظلمة؛ لأنهم يظلمون، ويعلمون أنها ليست بحلال لهم ".
(1)
ـ وقوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:178]، يقول السمعاني:" وظاهره يقتضي أن أخوة الدين لا تنقطع بين القاتل والمقتول، حيث قال: من أخيه، وهو الذي نقول به ".
(2)
ـ واستدل بقوله عليه الصلاة والسلام: " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي "
(3)
، ثم قال السمعاني:" والأخبار في الشفاعة كثيرة، وأول من أنكرها عمرو بن عبيد، وهو ضال مبتدع بإجماع أهل السنة "
(4)
، ولو كان أهل الكبائر كفاراً، لما حلت لهم الشفاعة.
3 ـ أن السمعاني رد شبه الطوائف المنحرفة في هذه المسألة، وهي حكم مرتكب الكبيرة؟!
بعد أن قَرَّر السمعاني منهج أهل السنة في حكم مرتكب الكبيرة، وأنه مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته، وأنه إن مات عليها فهو تحت المشيئة الإلهية، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه، شرع يرد على المخالفين، وهم: الخوارج، والمعتزلة، والمرجئة.
أولاً نبيِّن آراءهم في هذه المسألة:
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 347
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 174
(3)
أخرجه الترمذي في جامعه، كتاب صفة القيامة، ح (2435)
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 270
أ ـ مذهب غلاة المرجئة: أن منهم من يقول: من " قال لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وحرَّم ما حرم الله، وأحل ما أحل الله، دخل الجنة إذا مات، وإن زنى وإن سرق، وقتل، وشرب الخمر، وقذف المحصنات، وترك الصلاة، والزكاة، والصيام، إذا كان مقراً بها، يسوف التوبة، لم يضر وقوعه على الكبائر، وتركه الفرائض، وركوبه الفواحش "
(1)
، فهم يرون أن مرتكب الكبيرة، مؤمن كامل الإيمان، ولا يفرقون بين مرتكب الكبيرة، وبين المؤمن الكامل الذي أدى الطاعات، وتجنب المحرمات.
ب ـ مذهب الخوارج: " يزعمون أن كل من أذنب ذنباً من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فهو كافر، ويكون في النار مخلداً ".
(2)
ج ـ مذهب المعتزلة: أن مرتكب الكبيرة حكمه في الدنيا: أنه في منزلة بين منزلتين، وله اسم بين الاسمين، فلا يكون اسمه اسم كافر، ولا اسم مؤمن، وإنما يُسمى فاسقاً، وكذا لا يكون حكمه حكم الكافر، ولا حكم المؤمن. وقالوا: إن خرج من الدنيا قبل أن يتوب، يكون خالداً مخلداً في النار، مع جملة الكفار.
(3)
ثانياً: بيان جهد السمعاني في رد آرائهم ومعتقداتهم الفاسدة:
1 ـ تعلق المعتزلة ببعض الآيات لتأكيد معتقدهم الفاسد، منها:
(1)
الملطي: التنبيه والرد: 43، العمراني: الانتصار: 3/ 667، ابن أبي العز: الطحاوية: 297
(2)
الاسفرائيني: التبصير في الدين: 45، العمراني: الانتصار: 3/ 668، ابن أبي العز: شرح الطحاوية: 302
(3)
الإيجي: المواقف: 3/ 548، الاسفرائيني: التبصير في الدين: 65
أ ـ قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء:93]، يقول السمعاني:" واعلم أن لا متعلق في هذه الآية، لمن يقول بالتخليد في النار لأهل الكبائر من المسلمين؛ لأنا إن نظرنا إلى سبب نزول الآية، فالآية نزلت في قاتل كافر كما بينا، وقيل: إنه فيمن يقتل مستحلاً، والأولى أن نقول فيه، ما قاله أبو صالح: إن معنى قوله " فجزاؤه جهنم خالداً فيها " إن جازى، وبه نقول: إن الله تعالى إن جازاه ذلك خالداً، فهو جزاؤه، ولكنه ربما لا يجازى، وقد وعد ألا يجازي، ويغفر لمن يشاء، وهو لا يخلف الميعاد. وحكى عن قريش بن أنس رحمه الله أنه قال: كنت في مجلس عمرو بن عبيد، فقال: لو قال الله لي يوم القيامة: لم قلت بتخليد القاتل المتعمد في النار؟ فأقول له: أنت الذي قلت: " فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا "، قال قريش: وكنت أصغر القوم، فقلت له: أرأيت لو قال الله لك: ألست قلت " وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ " فمن أين علمت أني لم أشأ مغفرة القاتل؟ فسكت ولم يستطع الجواب، وحكى أن عمرو بن عبيد جاء إلى عمرو بن العلاء رحمه الله وقال له: هل يخلف الله وعده؟ فقال: لا، فقال: أليس الله تعالى قد قال: " وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا "، فأنا على هذا؛ لأنه لا يخلف وعده، فقال أبو عمرو: ومن العجمة أُتيت يا أبا عثمان؛ إن العرب لا تعد الإخلاف في الوعيد خلفاً وذماً، وإنما ذلك في الخلف في الوعد
…
فالله يجوز أن يخلف في الوعيد، وإنما لا يخلف الميعاد ".
(1)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 464
ب ـ وقوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال:16]، يقول السمعاني:"واستدلت المعتزلة بإطلاق قوله " وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ " في وعيد الأبد، ولا حجة لهم فيه؛ لأن معنى الآية " وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ " إلا أن تدركه الرحمة، بدليل سائر الآي المقيدة ".
(1)
ج ـ وقوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} [السجدة:18]، يقول السمعاني:" واستدل أهل الاعتزال بهذه الآية، في القول بالمنزلة بين المنزلتين، وأن الفاسق لا يكون مؤمناً، والدليل عليهم ظاهر، وأما الفاسق ها هنا بمعنى الكافر. وقال بعضهم: سماه فاسقاً على موافقة قول علي رضي الله عنه، وقيل: إن الآية على العموم ".
(2)
د ـ وقوله تعالى: {بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} [الحُجُرات:11]، يقول السمعاني:"استدل بهذا من قال: إن الفاسق لا يكون مؤمناً، قال: لأنه لو كان الفاسق مؤمناً، لم يستقم قوله " بَعْدَ الْإِيمَانِ " والجواب: أن المراد منه، النهي عن قوله: يا فاسق، يا منافق، وكأنه قال: بئس الوصف بالفسوق بعد الإيمان بالله، وقال: إن " بَعْدَ " ها هنا بمعنى مع، ومعناه: بئس اسم الفسوق مع الإيمان ".
(3)
2 ـ وتعلق الخوارج ببعض الآيات الكريمة، لترويج مذهبهم، والاستدلال عليه، ومنها:
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 253
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 251
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 223
أ ـ قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44]، يقول السمعاني:" واعلم أن الخوارج يستدلون بهذه الآية، ويقولون: من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر، وأهل السنة قالوا: لا يكفر بترك الحكم، وللآية تأويلان: أحدهما معناه: ومن لم يحكم بما أنزل الله رداً وجحداً، فأولئك هم الكافرون، والثاني معناه: ومن لم يحكم بكل ما أنزل الله، فأولئك هم الكافرون، والكافر هو الذي يترك الحكم بكل ما أنزل الله، دون المسلم ".
(1)
ب ـ وقوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:10]، يقول السمعاني:" استدل من منع القياس في الحوادث بهذه الآية، قال: الحكم إلى الله، لا إلى رأي الرجال، وكذلك كان الخوارج يقولون: لا حكم إلا لله، وأنكروا الحكمين، وهذا الاستدلال فاسد؛ لأن عندنا من قال بالقياس والاجتهاد، فهو رجوع إلى الله في حكمه، فإن أصول القياسات هي الكتاب والسنة ".
(2)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 42
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 65
ب ـ وقد رد السمعاني على المرجئة والخوارج، وألزمهم بالحق، وبيَّن فساد مذهبهم، بقوله تعالى:{لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16)} [الليل:15 - 16]، يقول:" وفي الآية سؤال للمرجئة والخوارج، فإن الله تعالى قال: " لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى " أي: لا يقاسي حرها، ولا يدخلها إلا الأشقى، الذي كذب وتولى، فدلَّ أن المؤمن وإن ارتكب الكبائر لا يدخل النار، هذا للمرجئة، وأما الخوراج قالوا: قد وافقتمونا أن صحاب الكبيرة يدخل النار، فدل أنه كفر بارتكاب الكبيرة، والتحق لمن كذب وتولى، والجواب من وجوه: أحدها: أن معناه: لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى، فالأشقى هم أصحاب الكبائر، والذي كذب وتولى هم الكفار. والوجه الثاني: ان للكفار دركات، والمراد من الآية دركة بعينها لا يدخلها إلا الكفار، قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء:145] دلت الآية أنه مخصوص للمنافقين، وهذا جواب معروف، والوجه الثالث: أن المعنى: لا يصلاها، لا يدخلها خالداً فيها إلا الأشقى الذي كذب وتولى، وصاحب الكبيرة وإن دخلها لا يخلد فيها ".
(1)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 6/ 239