الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الخامس: مسائل في توحيد الإلهية:
الإمام السمعاني إمام محقق مدقق، شأنه شأن بقية العلماء، يصيب في اجتهاده ويُخطئ، لكن لدقة فهمه وقوة علمه، تبرز اجتهاداته في مُقدم الآراء، وتراه يُعطي بعض المسائل المُشكلة حقها من البحث والنظر والاستدلال، ودائما ما يخلص إلى رأي سديد يوافق فيه الجماعة، وربما خالف بحسب ما ظهر له من الأدلة، ومن المسائل المشكلة التي تتعلق بتوحيد الألوهية، التي يُظن فيها التعارض مع ما قرره القرآن الكريم في شأن هذا النوع من التوحيد، والتي تُشكل على بعض الناظرين لأول وهلة، كان لزاما على أمثال السمعاني ينبروا لإزاحة الإشكالات التي ترد، وتوجيه ما قد يعرض للذهن والفهم من خطأ وقصور، وبيان وجه الحق فيها، ومن تلك المسائل المشلكة التي تصدى لها السمعاني:
1 -
تحقيق قصة الغرانيق، وأثرها على لبلاغ والتوحيد.
2 -
توجيه قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين).
3 -
تحقيق القول في وقوع آدم عليه السلام في الشرك.
4 -
توجيه قوله تعالى عن إبراهيم الخليل: (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام).
المسألة الأولى: قصة الغرانيق العلا
قال تعالى: " وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ "(الحج 52)، يُقال: لما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة سورة النجم، فلما بلغ قوله:" أَفَرَءَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) "(النجم 19 ـ 20)، ألقى الشيطان على لسانه:" تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى "، ما مدى صحة هذه الرواية، وكيف يجوز هذا على النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان معصوماً من الغلط في أصل الدين؟!
تطرق الإمام السمعاني لهذه المسألة، وبحثها بحثاً مستفيضاً كعادته، وذكر فيها أقوال المفسرين، ورجح السمعاني صحة ما ورد من قصة الغرانيق، ونسبه لأكثر السلف، وذلك أن هذا شيء جرى على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم بإلقاء الشيطان، من غير أن يعتقد، وذلك محنة وفتنة من الله تعالى، والله يمتحن عباده بما شاء، ويفتنهم بما يريد، وليس عليه اعتراض لأحد، وقال: وقالوا: إن هذا وإن كان غلطاً عظيماً، فالغلط يجوز على الأنبياء، إلا أنهم لا يقرون عليه.
(1)
لكن شيخ الإسلام ابن تيمية، مع كونه (والله أعلم) يميل إلى هذا القول، ويجعله هو المشهور عند السلف والخلف
(2)
، يقول:" والمأثور عن السلف يوافق القرآن بذلك "
(3)
، إلا أنه بيَّن منزع الخلاف عند العلماء، فيما يتعلق بهما من جهة العصمة، فقال:" والعصمة فيما يبلغونه عن الله ثابتة، فلا يستقر في ذلك خطأ بإتفاق المسلمين. ولكن يصدر مايستدركه الله، فينسخ ما يُلقي الشيطان، ويحكم الله آياته؟ هذا فيه قولان "
(4)
. وقال: " ومن قامت البراهين والآيات، على صدقه فيما يُبلِّغه عن الله، كان صادقاً في كل ما يُخبر به عن الله، لا يجوز أن يكون في خبره عن الله شيء من الكذب، لا عمداً، ولا خطأً، وهذا مما اتفق عليه جميع الناس، من المسلمين، واليهود والنصارى، وغيرهم، لم يتنازعوا أنه لا يجوز أن يستقر خبره عن الله خطأ، وإنما تنازعوا هل يجوز أن يقع من الغلط، ما يستدركه ويُبيِّنه، فلا ينافي مقصود الرسالة، كما نُقل من ذكر: (تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى) "
(5)
.
وهذه المسألة، اختلف الناس فيها على قولين، قول يُجيز وقوعها على ما ورد عن السلف في بيان هذه القصة، وهؤلاء العلماء حين قرروا صحتها، ذهبوا يؤولون ويوجهون الأقوال، مع ما يتناسب مع القول بالعصمة، ولذا كثرت أقوالهم في المسألة.
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 449
(2)
ابن تيمية: منهاج السنة: 2/ 409
(3)
ابن تيمية: الفتاوى الكبرى: 5/ 257
(4)
ابن تيمية: الفتاوى الكبرى: 5/ 256
(5)
ابن تيمية: منهاج السنة: 2/ 34
وقول يمنع أصالة وقوع مثل هذه القصة، وطعنوا في الروايات الواردة عن السلف، وحكموا بعدم ثبوتها، مع مخالفتها من جهة أخرى للنصوص النقلية، الحجج العقلية، وهؤلاء سَلِموا من كل الأقوال الموجهة، لنفي التعارض بين صحة القصة، وقضية العصمة.
ومُحصِّل ما ذكر العلماء في هذه المسألة ما يلي:
القول الأول: أن ما ورد من إلقاء الشيطان على لسان النبي صلى الله عليه وسلم صحيح، وارد عن ابن عباس وجماعة. وهذا ما رجحه الإمام السمعاني، والزجاج وغيرهم. قال الزجاج:" معنى (إذا تمنى) إذا تلا، ألقى الشيطان في تلاوته، فذلك محنة من الله عزوجل، وله أن يمتحن بما شاء، فألقى الشيطان على لسان النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً من صفة الأصنام، فافتتن بذلك أهل الشقاق والنفاق، ومن في قلبه مرض "
(1)
.
وفي دعم هذا القول، يقول الأنجري
(2)
: " فتحصل أنه عليه الصلاة والسلام لم ينطق بتلك الكلمات قط، لا سهواً ولا عمداً، وإنما ألقيت في مسامع الكفار؛ ليحصل ما تمناه عليه الصلاة والسلام من المقاربة. ويدل على هذا، أن من حضر من المسلمين، لم يسمعوا من ذلك شيئاً، فإذا تقرر هذا علمت أن ما حكاه السلف الصالح من المفسرين، وأهل السير، من أصل القصة في سبب نزول الآية صحيح، لكنه يحتاج إلى نظر دقيق، وتأويل قريب، فلا تحسن المبادرة بالإنكار والرد عليهم، وهم عدول، لا سيما حبر هذه الأمة، وإنما يحتاج اللبيب على التطبيق بين المنقول والمعقول، فإن لم يمكن قدم المنقول إن ثبتت صحته، وحكم على العقل بالعجز "
(3)
.
(1)
الزجاج: معاني القرآن: 3/ 434
(2)
الأنجري: أحمد بن محمد (1160 هـ ـ ت 1224 هـ)، مفسر، صوفي، من أهل المغرب، له كتب كثيرة منها: البحر المديد، وأزهار البساتين. الزركلي: الاعلام 1/ 245.
(3)
الأنجري: البحر المديد في تفسير القرآن المجيد: نشر د. حسن عباس، القاهرة، 1419 هـ، (3/ 545).
ولذا حكم الحافظ ابن حجر على مجموع هذه الروايات بأن لها أصلاً، مع أنه حكى بضعف كل هذه الروايات ما عدا طريق سعيد بن جبير، ثم حكم على ثلاثة أسانيد بأنها مرسلة وعلى على شرط الصحيح، وقال: وهي مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمرسل. ثم رد على الإمام ابن العربي والقاضي عياض في توهينهما لهذه القصة
(1)
. ثم ذكر مسالك العلماء في توجيه هذه القصة، مع ما يتوافق مع العصمة. وكذا صححها الشيخ سليمان بن عبدالوهاب.
(2)
ومن الأقوال التي قيلت في المسألة، بناء على صحة ما ورد:
1 ـ قيل: إن الرسول عليه الصلاة والسلام، لم يقرأ، ولكن الشيطان ذكر هذا بين قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع المشركون ذلك، وظنوا أن الرسول قرأ، وهذا اختيار الأزهري وغيره.
(3)
2 ـ وقيل: إن الرسول عليه الصلاة والسلام، أغفى إغفاءة ونعس، فجرى على لسانه هذا، ولم يكن به خبر بإلقاء الشيطان، وهذا قول قتادة.
(4)
3 ـ وقيل: إن هذا ألقاه بعض المنافقين في قراءته، وكان المنافق هو القارئ، فظن المشركون أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ، وسُمي ذلك المنافق شيطاناً؛ لأن كل كافر متمرد بمنزلة الشيطان. قال السمعاني:" وهذا جواب ضعيف "
(5)
.
4 ـ وقيل: إن شيطاناً يُقال له: الأبيض، عمل هذا العمل، وفي بعض الروايات: أنه تصور
بصورة جبريل، وأدخل في قراءته هذا.
(6)
5 ـ وقيل: ألقاه الشيطان على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأ ساهياً.
6 ـ وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم قالها على وجه التعيير والزجر، يعني: أنكم تعبدونها كأنها الغرانيق العلى، كما قال إبراهيم:" بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا "(الأنبياء 63).
(1)
ابن حجر: فتح الباري: 8/ 439
(2)
سليمان بن عبدالوهاب: تيسير العزيز الحميد: 235
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 449
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 449
(5)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 448
(6)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 449
7 ـ وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم تمنى أي تفكَّر، وحدث بنفسه تلك الغرانيق العلى، ولم يتكلم به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان حجة، فلا يجوز أن يكون يجري على لسانه كلمة الكفر.
8 ـ وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، وجلس عنده جماعة من المشركين، فتمنى في نفسه أن لا يأتيه من الله شيء ينفرون منه، فابتلاه الله تعالى، بما ألقى الشيطان في أمنيته.
(1)
9 ـ وقيل: أراد بالغرانيق العلى الملائكة، يعني: أن الشفاعة ترتجى منهم، لا من الأصنام، قال الثعلبي:" وهذا القول ليس بالقوي، ولا بالمرضي "
(2)
.
القول الثاني: عدم صحة هذه القصة أساساً، وردها، وعدم الاحتجاج بها، وهذا قول كثير من محققي أهل العلم، ولذا شنع الرازي على أصحاب القول الأول، واعتبر أن القول بثبوت هذه القصة طعن في القرآن، فقال:" وعند هذا يُعلم أن من قال: إن الشيطان ألقى قوله: تلك الغرانيق العلى، في أثناء الوحي، فقد قال قولاً عظيماً، وطرق الطعن والتهمة إلى القرآن "
(3)
، وقد رد على الآثار الواردة في هذا الباب، فقال بعد أن نقل الرواية الواردة في ثبوت القصة:" هذا رواية عامة المفسرين الظاهريين، أما أهل التحقيق، فقد قالوا: هذه الرواية باطلة، موضوعة، واحتجوا عليه بالقرآن، والسنة، والمعقول "
(4)
، ثم شرع في سرد الدلائل التي تدل على خلاف هذا القول، ورد على الأقوال الأخرى.
وممن أطال النفس في هذه المسألة، ورد على الأقوال المثبتة للقصة، الإمام ابن العربي، والقاضي عياض، وفقد تتبعوا ما قيل، وردوا عليه.
ومن هنا قال القرطبي في تفسيره: " الأحاديث المروية في نزول هذه الآية، وليس منها شيء يصح "
(5)
.
(1)
السمرقندي: بحر العلوم: 2/ 465 - 466
(2)
الثعلبي: الكشف والبيان: 7/ 30
(3)
الرازي: مفاتيح الغيب: 7/ 110
(4)
الرازي: مفاتيح الغيب: 23/ 237
(5)
القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: 12/ 80
وقال البيضاوي
(1)
: " وهو مردود عند المحققين، وإن صح فابتلاء يتميز به الثابت على الإيمان عن المتزلزل فيه "
(2)
.
وقال ابن كثير عن طرق رواية حديث الغرانيق: " ولكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح "
(3)
، وقال الشوكاني:" ولم يصح شيء من هذا، ولا يثبت بوجه من الوجوه "
(4)
، وقال الخطيب الشربيني بعد أن ذكر كلام الرازي في وضع قصة الغرانيق:" هذا هو الذي يطمئن إليه القلب، وإن أطنب ابن حجر العسقلاني في صحتها "
(5)
، ويقول الشنقيطي:" اعلم أن مسألة الغرانيق، مع استحالتها شرعاً، ودلالة القرآن على بطلانها، لم تثبت من طريق صالح للاحتجاج، كما صرَّح بعدم ثبوتها خلق كثير من علماء الحديث كما هو الصواب "
(6)
.
والنقل عن العلماء يطول جداً، في بيان عدم ثبوت هذه القصة، ولذا قال الإمام ابن حزم:"وأما الحديث الذي فيه: وإنهن الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى، فكذب بحت موضوع؛ لأنه لم يصح قط من طريق النقل، ولا معنى للاشتغال به؛ إذ وضع الكذب لا يعجز عنه أحد "
(7)
.
وقال أبو حيان:" وهي قصة سُئل عنها الإمام محمد بن إسحاق، جامع السيرة النبوية، فقال: هذا من وضع الزنادقة، وصنف في ذلك كتاباً. وقال الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل "
(8)
.
(1)
البيضاوي: عبدالله بن عمر، قاضي، مفسر، علامة، ولد في مدينة البيضاء بفارس قرب شيراز، وولي قضاء شيراز مدة، وصرف عن القضاء فرحل إلى تبريز وتوفي بها سنة 685 هـ، من مصنفاته: أنوار التنزيل في التفسير. الزركلي: الأعلام: 4/ 110
(2)
البيضاوي: أنوار التنزيل، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 1، 1418 هـ (4/ 75)
(3)
ابن كثير: تفسير القرآن العظيم: 5/ 441
(4)
الشوكاني: فتح القدير: 3/ 546
(5)
الشربيني: السراج المنير: مطبعة بولاق، القاهرة، 1285 هـ، (2/ 560)
(6)
الشنقيطي: أضواء البيان: 5/ 286
(7)
ابن حزم: الفِصل في الملل والأهواء والنِّحل: 4/ 18
(8)
أبو حيان: البحر المحيط: 7/ 526
وقال النحاس: " وهذا يجب أن يوقف على معناه من جهة الدين؛ لطعن من طعن فيه من الملحدين. فأول ذلك: أن الحديث ليس بمتصل الإسناد، ولو اتصل إسناده وصح لكان المعنى فيه صحيحاً "
(1)
، ونقل الألوسي عن أبي منصور الماتريدي قوله:" تلك الغرانيق العلى، من جملة إيحاء الشيطان إلى أوليائه من الزنادقة؛ حتى يلقوا بين الضعفاء وأرقاء الدين؛ ليرتابوا في صحة الدين، وحضرة الرسالة بريئة من مثل هذه الرواية "
(2)
. ثم ذكر الألوسي أوجهاً باطلة، تلزم على القول بأن الناطق بذلك النبي صلى الله عليه وسلم بسبب إلقاء الشيطان الملبس.
وممن أطال نقد هذه القصة، القاسمي في تفسيره، و د. محمد أبو شهبة في كتابه:"الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير ".
الترجيح: سبق أن ذكرنا رأي الإمام السمعاني في هذه المسألة، وهو إثبات أصل هذه القصة، ولكن حملها على ما يوافق العصمة، وإنما كان ذلك ابتلاء واختباراً من الله تعالى.
وهذا هو الذي سار عليه كثير من العلماء ممن أثبت هذه القصة، فإنهم حملوها على ما يوافق العصمة، يقول ابن الجوزي: "
…
فلما سمعوا هذه السورة، قال بعض الشياطين: هذه الكلمات على وزنها، فظنوا أن رسول الله قد قالها، وإنما قيلت في ضمن تلاوته. فأما أن يكون جرى على لسان الرسول المعصوم صلى الله عليه وسلم مثل هذا فمحال، فلا تغتر بما تسمعه في التفاسير، من أنه جرى على لسانه، فإنه لو صح هذا لاختلط الحق بالباطل، وجاز أن يشك في الصحيح "
(3)
.
وهذا فيه رد لقول السمعاني، في أن هذا شيء جرى على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم، لكنه قال: وليس عليه اعتراض لأحد، وقالوا: إن هذا وإن كان غلطاً عظيماً، فالغلط يجوز على الأنبياء، إلا أنهم لا يقرون عليه.
(4)
وهذا التوجيه وغيره مما ذكر، يستقيم عند من صحح الآثار واعتبرها.
(1)
النحاس: إعراب القرآن، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1421 هـ (3/ 73)
(2)
الألوسي: روح البيان: 9/ 169
(3)
ابن الجوزي: كشف المشكل: 1/ 274
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 449
وتصحيح الحافظ ابن حجر لها، تعقبه فيها العيني، فبعد أن نقل قوله، قال:" قلت: الذي ذكراه هو اللائق بجلالة قدر النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه قد قامت الحجة، واجتمعت الأمة على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم، ونزاهته عن مثل هذه الرذيلة، وحاشاه أن يجري على قلبه أو لسانه شيء من ذلك، لا عمداً ولا سهواً، أو يكون للشيطان عليه سبيل، أو أن يتقول على الله عز وجل، لا عمداً ولا سهواً. والنظر والعرف أيضاً يحيلان ذلك، ولو وقع لارتد كثير ممن أسلم، ولم يُنقل ذلك، ولا كان يخفى على من كان بحضرته من المسلمين "
(1)
، وقال:" وما قيل: كان ذلك بسبب ما القى الشيطان في أثناء قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك الغرانيق العلى، منها الشفاعة ترتجى، فلا حجة له نقلاُ وعقلاً "
(2)
ولذا فإن الراجح ـ والله أعلم ـ هو قول من ذهب إلى أن القصة غير صحيحة، وقد نُقل عن الإمام ابن خزيمة أنه قال عنها: هي من وضع الزنادقة.
(3)
وقال الشنقيطي مبيناً جهة بطلانها من نفس السورة، فقال:" وهذا القول الذي زعمه كثير من المفسرين .... الذي لا شك في بطلانه، في نفس سياق آيات النجم، التي تخللها إلقاء الشيطان المزعوم، قرينة واضحة على بطلان هذا القول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بعد موضع الإلقاء المزعوم بقليل قوله تعالى في اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى: " إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ " (النجم 23)، وليس من المعقول، أن النبي صلى الله عليه وسلم يسب آلهتهم هذا السب العظيم في سورة النجم متأخراً عن ذكره لها بخيرٍ المزعوم، وإلا غضبوا، ولم يسجدوا؛ لأن العبرة بالكلام الأخير "
(4)
.
(1)
العيني: عمدة القاري: 19/ 66
(2)
العيني: عمدة القاري: 19/ 203
(3)
الرازي: مفاتيح الغيب: 23/ 237
(4)
الشنقيطي: أضواء البيان: 5/ 286