الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن هنا ورد الثناء العاطر لأهل التوحيد، قال تعالى:" التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ"(التوبة 112)، يقول السمعاني:"التائبون: هم الذين تابوا من الشرك، وقيل: هم الذين تابوا من جميع المعاصي، والعابدون: هم الذين عبدوا الله بالتوحيد، وقيل: بسائر الطاعات "
(1)
، ولذا كانت خاتمة مطاف الموحدين:" الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ"(النحل 32)، يعني: طاهرين زاكيين من الشرك، وقيل إن وفاتهم تقع طيبة سهلة
(2)
.
ثانيا: ومن نواقض هذا النوع من التوحيد إتباع الهوى
المفضي إلى التعدي على الخصائص الإلهية، من استحقاق التفرد في العبودية، قال تعالى:" أَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا"(الفرقان 43)، " قال أهل التفسير: كان من اتخاذهم أهواءهم آلهتهم، أن الواحد منهم كان يعبد الحجر، فإذا رأى حجرا أحسن منه طرح الأول وأخذ الثاني وعبده، وفي بعض الأثار: مامن معبود في السماء والأرض أعظم من الهوى، وعن بعضهم قال: هو الطاغوت الأكبر "
(3)
.
وقال تعالى:" أَفَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ
وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ" (الجاثية 23)، قال قتادة في معنى الآية: لايهوى شيئا إلا ركبه فهو يعبد هواه، وقيل:" اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ" أي: أطاع هواه وأنقاد له كما ينقاد العبد لمعبوده
(4)
.
والهوى: كل ماتدعو إليه شهوة النفس لا الحجة
(5)
، لذا نهى الله أهل الكتاب عنه فقال:" قُلْ
يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا
…
" (المائدة 77).
(1)
السمعاني: تفسير القرآن:2/ 351.
(2)
السمعاني: تفسير القرآن:3/ 170.
(3)
السمعاني: تفسير القرآن:4/ 21.
(4)
السمعاني: تفسير القرآن:5/ 141.
(5)
السمعاني: تفسير القرآن:2/ 56.
وقد بين الله جل وعلا أن من أسباب عدم الاستجابة لدعوة الأنبياء، اتباع الهوى، قال تعالى:"فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ "(القصص 50)، يقول السمعاني:"واتفق أهل المعرفة أن الهوى مرد مهلك"
(1)
، ولذا كان أفضل الجهاد مخالفة الهوى
(2)
.
والخلاصة: أن الهوى مهلك، وكما قيل: هو أعظم معبود، ولذا كان من نواقض توحيد العبادة، ونعى الله عزوجل على المنافقين اتباعهم للهوى، قال تعالى:" وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ"(محمد 16)، يقول السمعاني:" والمراد من الآية وفائدتها، هو منع المسلمين أن يكونوا مثل هؤلاء وبيان حالهم للمؤمنين"
(3)
.
وكانت نتيجة كبح الهوى جنة المأوى، قال تعالى:" وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى"(النازعات 40 - 41)، يقول السمعاني:"نهى النفس عن الهوى، أي: عما هواه ويشتهيه على خلاف الشرع،" فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى"أي: منزله ومأواه الجنة"
(4)
.
ونتيجة من ركب هواه واتبع شهوته،" فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا"(الإنشقاق 11 - 13)، يقول السمعاني:" أي لم يحزن للتقصير في أوامر المسلمين، ولم يتعب ولم ينصب في العمل بطاعة الله، ويقال:" كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا"أي: راكبا هواه متبعا شهوته"
(5)
.
(1)
السمعاني: تفسير القرآن:4/ 145.
(2)
السمعاني: تفسير القرآن:4/ 194.
(3)
السمعاني: تفسير القرآن:5/ 176.
(4)
السمعاني: تفسير القرآن:6/ 152.
(5)
السمعاني: تفسير القرآن:6/ 190.
والهوى: بهذا الاعتبار مختص بالأراء والاعتقادات؛ لأن هناك فرقا بين الهوى والشهوة، فالهوى ماذكرنا، والشهوة مختصة بنيل المستلذات، فصارت الشهوة من نتائج الهوى، والهوى أصل وهو أعم
(1)
. والهوى يعمي صاحبه ويصمه، ويسقطه في عواقب المهلكات، ولذلك العاقل من يتفكر في عواقب الهوى، فينظر كم فضيلة فوتها، وكم رذيلة واقعها، والعاقل من يتفكر في ضدها، من اكتساب الجميل في الدنيا، وسلامة النفس والعرض، والأجر في الآخرة
(2)
.
فالهوى مذموم، قال ابن عباس: ماذكر الله تعالى الهوى في موضع إلا ذمه
(3)
، وورد ذكر الإله على الهوى المتبع
(4)
، كما قال تعالى:" أَفَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ"(الجاثية 23)، والإنسان بحاجة لمجاهدة هواه، وهو لايخلو عن أحوال ثلاثة:
1/أن يغلبه الهوى، فيملكه ولا يستطيع له خِلافاً، وهو حال أكثر الخلق.
2/أن يكون الحرب بينهم سجالاً تارة لها اليد، وتارة عليها اليد، فهذا الرجل من المجاهدين.
3/أن يغلب هواه فيصير مستوليا عليه لايقهره بحال من الأحوال، وهذا هو الملك الكبير، والنعيم الحاضر، والحرية التامة، والخلاص من الرق
(5)
.
والخلاصة: أن الهوى مخرج عن هذا النوع من التوحيد، فكل من اتبع هواه فقد اتخذه معبودا، وإذا تأملت عرفت أن عابد الصنم لا يعبده إنما عبد هواه، وهو ميل نفسه إلى دين آبائه فيتبع ذلك الميل
(6)
، ولذا كان أضل الضلال: اتباع الظن والهوى
(7)
.
(1)
الماوردي: أدب الدنيا والدين، دار مكتبة الحياة 1986 م (38).
(2)
ابن الجوزي: ذم الهوى:14 - 15.
(3)
ابن الجوزي: ذم الهوى:12.
(4)
ابن رجب: كلمة الإخلاص: المكتب الإسلامي-بيروت، ط 4، 1397 هـ (25)
(5)
الغزالي: ميزان العمل: دار المعارف-مصر، ط 1، 1964 هـ (241).
(6)
المقريزي: تجريد التوحيد المفيد:7.
(7)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى:3/ 384.