الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية: معنى الشرك، وخطورته، وصوره:
1/ تعريف الشرك في اللغة:
يقول السمعاني: "الإشراك: هو الجمع بين الشيئين في المعنى"
(1)
، يُقال:"الشِّرك والشِّركة بكسرهما وضم الثاني بمعنى واحد، وهو مخالطة الشريكين وقد اشتركا وتشاركا، وشارك أحدهما الآخر، والاشتراك هنا بمعنى التشارك. ويجمع الشريك على شركاء، والشرك يكون بمعنى الشريك وبمعنى النصيب"
(2)
، وفي المصباح المنير:"والشرك: اسم من أشرك بالله، إذا كفربه"
(3)
، وفي النهاية لابن الأثير:" يقال شركته في الأمر أشركه شركة، والاسم: الشرك، وشاركته إذا صرت شريكة، وقد أشرك بالله فهو مشرك إذ جعل لله شريكا"
(4)
، ويقول الراغب في مفرداته:"الشركة والمشاركة خلط الملكين، وقيل: هو أن يوجد شيء لاثنين فصاعداً، عينا كان ذلك الشيء أو معنى"
(5)
.
إذن: فالشرك في اللغة: مصدر شركته في الأمر أشركه
(6)
، فمدلول كلمة الشرك لها أكثر من معنى، فتطلق على التسوية والنصب، والخالطة والمصاحبة، وغيرها فهو من الألفاظ المشتركة.
2/ تعريف الشرك في الاصطلاح:
يقول السمعاني في تعريف الشرك وبيان حقيقته:
"هو أن يجمع مع الله غير الله فيما لايجوز إلا لله"
(7)
، ويقول ابن قتيبة
(8)
في تعريف الشرك: "الشرك بالله هو أن يجعل له شريك"
(9)
، ويقول ابن تيمية:"الإشراك: أن يُجعل لله ند فيما يختص به من العبادة أو التوكل"
(10)
.
(1)
السمعاني: تفسير القرآن:2/ 121.
(2)
الزبيدي: تاج العروس: دار الهداية (27/ 225).
(3)
الفيومي: المصباح المنير: المكتبة العلمية، بيروت، (1/ 311).
(4)
ابن الأثير: النهاية:2/ 466.
(5)
الراغب الأصفهاني: المفردات في غريب القرآن:451.
(6)
ابن قتيبة: غريب القرآن:29.
(7)
السمعاني: تفسير القرآن:2/ 121.
(8)
ابن قتيبة: عبدالله بن مسلم (213 هـ-ت 271 هـ) من أئمة الأدب، ومن المكثرين في التصنيف، ولد ببغداد ومات بها، من كتبه: تأويل مختلف الحديث، وأدب الكاتب، الزركلي: الأعلام 4/ 127.
(9)
ابن قتيبة: غريب القرآن:29.
(10)
ابن تيمية: جامع المسائل:4/ 298.
ويقول الراغب في مفرداته: "وشرك الإنسان في الدين ضربان: أحدهما: الشرك العظيم: وهو إثبات شريك لله تعالى: يقال: أشرك فلان، وذلك أعظم الكفر. والثاني: الشرك الصغير: وهو مراعاة غير الله معه في بعض الأمور، وهو الرياء والنفاق"
(1)
.
ولفظ الشرك يأتي في القرآن على معان
(2)
:
1 ـ بمعنى الإشراك بالله تعالى، ومنه:" إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ "(النساء 48)
2 ـ بمعنى الشرك في الطاعة، ومنه:" وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا "(الكهف 110)
3 ـ بمعنى الشرك مع أحد في أمر، ومنه:" أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ "(الأحقاف 4)
4 ـ بمعنى الشريك المعروف، ومنه:" فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ "(الزمر 29)
5 ـ بمعنى الشريك إبليس، ومنه:" جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا"(الأعراف 190)
6 ـ بمعنى الأوثان والأصنام، ومنه:" فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ "(القلم 41).
وهنا يلاحظ أن تعريف الشرك شامل لأنواع التوحيد الثلاثة؛ لأن بعضهم عرفه فقال: والشرك الكفر، فالشرك يسري إلى الربوبية والألوهية والأسماء والصفات.
وهذا فيه رد على من حصر الشرك في الربوبية دون الألوهية، فبعضهم حصر تعريف الشرك بقيود مخالفة لدعوة الرسل أصالة؛ لأن الأنبياء إنما جاؤوا لدعوة الناس إلى التوحيد الخالص، الذي كان مشوباً عند المشركين بشائبة الشرك والمساواة، والذي يدل عليه ماحكاه الله جل وعلا عن قوم إبراهيم أنهم يقولون:" قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي
ضَلَالٍ مُّبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ" (الشعراء 96 - 98)، يقول السمعاني: "هذا قولهم للأصنام، ومعناه: نعدلكم برب العالمين"
(3)
.
(1)
الراغب: المفردات:452
(2)
الفيروز أبادي: بصائر ذوي التمييز 3/ 315
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 56
وقد عرفه بعض المتأخرين:" بأنه عبارة عن أن يجعل العبد مع الله أحدا شريكا في الربوبية، والخلق والتدبير والإيجاد والإحياء والإماتة، واعتقاد الاستغلال فيه بالنفع والضر بنفسه وبذاته، ونفوذ المشيئة له لامحالة، وتأثيره في الكائنات من تلقاء نفسه بدون حاجة إلى الله تعالى"
(1)
، وهذا بحد ذاته يسقط وقوع الشرك في العبادة؛ لأن العبادة على هذا التعريف مالم تكن مقرونة بهذه القيود فليست عبادة، ولا يقع فيها الشرك، ولو كان في صورة عبادة كالسجود، والاستغاثة ونحوها.
وهذا لاشك أنه تعريف فاسد باطل؛ لمضادته لدعوة الرسل، وهو ذريعة ووسيلة لفتح باب الشرك في الأمة.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "الشرك نوعان: شرك في الربوبية: بأن يجعل لغيره معه تدبيرا ما، وشرك في الألوهية: بأن يدعى غيره دعاء عبادة أو دعاء مسألة"
(2)
.
وقد أشار إلى هذا المعنى الإمام ابن تيمية كثيراً في كتبه ورسائله وردوده على المخالفين، ونقل عن بعضهم بأن التوحيد الذي يعتقدونه هو توحيد الإقرار والخالقية التي لايشاركه فيه أحد، وظنوا أن هذا هو غاية التوحيد، وظنوا أن شرك العرب إنما هو في الربوبية، أي: أن الآلهة شاركت الله تعالى في الخلق، وبسبب ذا كثر الشرك في بني آدم
(3)
.
ويقول في مقام آخر: "فأما الشرك في الإلهية فهو: أن يجعل لله ندا، أي: مثلاً في عبادته، أو محبته، أو خوفه، أو رجائه، أو إنابته، فهذا هو الشرك الذي لايغفره الله إلا بالتوبة منه، وهو الذي قاتل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم مشركي العرب"
(4)
، وهذا المعنى قرره السمعاني، وهو أن الشرك كما يكون في الربوبية والأسماء والصفات، يكون في الألوهية، وهو ما سيتبين في المسائل القادمة التي تحدثت عن خطورة الشرك، وبيان بعض صوره.
(1)
شمس الدين الأفغاني: جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية، دار الصميعي، ط 1، 1416 هـ، (1/ 359).
(2)
ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم:2/ 226.
(3)
انظر: ابن تيمية: قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان، وعبادات أهل الشرك والنفاق، دار العاصمة، الرياض، ط 2، 1418 هـ، (138).
(4)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى:1/ 91.
وللعلماء تقسيمات متعددة للشرك:
1/ ينقسم باعتباره شركا أكبر وأصغر وخفيا: إلى ثلاثة أقسام: [أكبر-أصغر-خفي].
2/ وينقسم من جهة أخرى إلى أنواع:
1 ـ وشرك الاستقلال: وهو إثبات إلهية مستقلين كشرك المجوس.
2 ـ وشرك التبعيض: وهو تركيب الإله من آلهة كشرك النصارى.
3 ـ وشرك التقريب: وهو عبادة غير الله ليقرب إلى الله زلفى كشرك متقدمي الجاهلية.
4 ـ وشرك التقليد: وهو عبادة غير الله تبعا للغير كشرك متأخري الجاهلية.
5 ـ شرك الأسباب: وهو إسناد التأثير للأسباب العادية، كشرك الفلاسفة والطبائعيين.
6 ـ وشرك الأغراض: وهو العمل لغير الله.
" فحكم الأربعة الأولى: الكفر بإجماع، وحكم السادس: المعصية من غير كفر بإجماع
(1)
،
(1)
العمل لغير الله تعالى مختلف في صوره وأحكامه، ومن صوره:
1 ـ أن يكون الباعث على العبادة مجرد مراءاة الناس من الأصل فهذا شرك، والعبادة باطلة، وهو الذي تؤيده النصوص، عن أبي هريرة مرفوعا: قال تعالى: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) رواه مسلم، كتاب الزهد، باب من أشرك في عمله غير الله ح (2289)، وإن كان ابن نجيم قد نقل عن إبراهيم بن يوسف: لو صلى رياءاً فلا أجر له وعليه الوزر، وقال بعضهم: يكفر، وقال بعضهم: لا أجر له، ولا وزر عليه، وهو كأنه لم يصلِّ. الأشباه والنظائر: دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1419 هـ (33) إلا أن النصوص تدل على أنه شرك، يقول ابن رجب:" واعلم أن العمل لغير الله أقسام: فتارة يكون رياءا محضا، فلا يراد به سوى مراءاة المخلوقين لغرض دنيوي كحال المنافقين في صلاتهم
…
وهذا الرياء المحض لا يكاد يصدر من مؤمن في فرض الصلاة والصيام، وقد يصدر في الصدقة الواجبة أو الحج وغيرهما من الأعمال الظاهرة أو التي يتعدى نفعها، فإن الإخلاص عزيز، وهذا العمل لايشك مسلم أنه حابط، وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة. انظر سليمان بن عبدالوهاب: تيسير العزيز الحميد:455.