الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما كان دين الإسلام بهذه المثابة، وجب على المرء أن يتمسك به، ويثبت عليه، ويسأل الله الإعانة على ذلك، ثم يحمد ربه على أن جعله من أهل الإسلام، ولقد أثنى الله تعالى على المؤمنين، أنهم يحمدون الله على الإسلام، قال تعالى:{التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ} [التوبة:112]، يقول السمعاني في تفسير معنى الحامدين في الآية:" والقول الثاني: أنهم الذي يحمدون الله على الإسلام ".
(1)
المطلب الثالث: فضل أمة الإسلام:
شَرُفت هذه الأمة بشرف بنيها عليه الصلاة والسلام، " وإنما حازت قصب السبق إلى الخيرات، بنبيها محمد صلى الله عليه وسلم فإنه أشرف خلق الله، وأكرم الرسل على الله، وبعثه الله بشرع كامل عظيم، لم يعطه نبي قبله، ولا رسول من الرسل، فالعمل على منهاجه وسبيله يقوم القليل منه، ما لا يقوم الكثير من أعمال غيرهم مقامه ".
(2)
والدلائل على فضل هذه الأمة، وعلوها، وشرفها، كثيرة، " يقول الإمام فخر الدين: أن من كانت معجزاته أظهر، يكون ثواب أمته أقل. قال السُبكي: إلا هذه الأمة، فإن معجزات نبيها أظهر، وثوابها أكثر من سائر الأمم ".
(3)
وقد تتبع السمعاني فضائل هذه الأمة، وما لها من المكانة بين سائر الأمم، ومما ذكره في الفضائل:
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 351
(2)
ابن كثير: تفسير القرآن العظيم: 1/ 399
(3)
القسطلاني: المواهب اللدنية: المكتبة التوقيفية، القاهرة، (2/ 405)
1 ـ أن الله تعالى هدى هذه الأمة، حين اختلفت بقية الأمم، قال تعالى:{فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ} [البقرة:213]، قال زيد بن أسلم: اختلفوا في القبلة، فهدانا الله إلى الكعبة، واختلفوا في الأيام، فاختار اليهود السبت، والنصارى يوم الأحد، فهدانا الله للجمعة، واختلفوا في عيسى، فقال بعضهم: كذاب، وقال بعضهم: ابن الله، فهدانا الله لكونه نبياً عبداً، واختلفوا في إبراهيم، فادعاه كل فرقة، فهدانا الله لكونه حنيفاً مسلماً، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" نحن الآخرون السابقون، وأول الناس دخولاً الجنة، بيد أنهم أوتوا الكتاب قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، الناس لنا تبع، فاليوم لنا ـ يعني الجمعة ـ، وغداً لليهود، وبعد غد للنصارى "
(1)
. وقال مجاهد: كان الله تعالى أمرهم بالجمعة، فأبوا، وطلبوا السبت، فشدد عليهم فيه، وكذلك النصارى أمروا بالجمعة فأبوا، وطلبوا الأحد، وأعطى الله الجمعة لهذه الأمة، فقبلوا، وبورك لهم فيها.
(2)
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، باب فرض الجمعة، ح (876)
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 214 - 3/ 210
2 ـ أن الله تعالى جعل هذه الأمة وسطاً عدولاً، قال تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:143]، يقول السمعاني:" يعني: كما اخترنا الأنبياء، واخترنا بني إسرائيل من الخلق، فكذلك اخترناكم من الأمم، " أُمَّةً وَسَطًا " أي: عدلاً خياراً، وفي الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنكم توفون سبعين أمة، أنتم خيرها وأعدلها "
(1)
، وقد ورد في الخبر عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:" خير الدين النمط الأوسط "
(2)
، يعني: الذي ليس فيه غلو ولا تقصير، وذلك دين الإسلام؛ لأن النصارى قد غلوا في دينهم، واليهود قصروا، وأما المسلمون أخذوا بالنمط الأوسط ".
(3)
3 ـ فضيلة كلمة الاسترجاع لهذه الأمة، قال تعالى:{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:156]، قال سعيد بن جبير: كلمة الاسترجاع لم تعط لأحد من الأمم، سوى هذه الأمة. ألا ترى أن يعقوب ـ صلوات الله عليه ـ لما أُبتلي بفراق يوسف، قال:{يَاأَسَفَا عَلَى يُوسُفَ} [يوسف:84]، ولم يقل: إنا لله وإنا إليه راجعون؟ ومعناه: إنا لله ملكاً وعبودية، وإنا إليه راجعون في القيامة، وإنما قُيِّد بهذا؛ لأن الأمر في القيامة يخلص لله تعالى.
(4)
4 ـ فضيلة الاستغفار لهذه الأمة، يقول السمعاني:" واعلم أن الاستغفار تسهيل للأمر على هذه الأمة، فإن الذين من قبلنا، كان الواحد منهم إذا أذنب ذنباً، يظهر على بابه أن اقطع من نفسك عضو كذا، وكان لا بُدَّ له منه، وقد أخرج الله تعالى هذه الأمة عن الذنوب بالاستغفار؛ كرامة لهم، وتيسيراً عليهم ".
(5)
(1)
أخرجه الترمذي في جامعه، باب: ومن سورة آل عمران: ح (3001)
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه عن علي (7/ 100)، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد، عن علي (8/ 1480)، ولم يوجد مرفوعاً كما قال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: 1/ 72
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 149
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 157
(5)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 359
5 ـ أنها أمة مرحومة، قال تعالى في دعوة موسى ربه جل وعز:{وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ} [الأعراف:156 - 157]، يقول السمعاني:" وهذه فضيلة عظيمة لهذه الأمة، وذلك أن موسى ـ صلوات الله عليه ـ سأل أن يكتب الرحمة له ولأمته، فكتبها لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ".
(1)
6 ـ أن الله تعالى أحل لهذه الأمة الغنائم، وسمَّاها الله تعالى أنفالاً، فقال:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال:1]، والنفل في اللغة: الزيادة، ومنه صلاة النافلة؛ لأنها زيادة على الفريضة، فسميت الغنائم أنفالاً؛ لأنها زيادة كرامة من الله تعالى لهذه الأمة على الخصوص".
(2)
7 ـ أن الله تعالى اختص هذه الأمة بالسبع المثاني، وهي سورة الفاتحة، يقول مجاهد: إنما سميت مثاني؛ لأن الله تعالى استثناها لهذه الأمة، كأنه أوحى بها إليهم، ولم يُعطها أحداً من الأمم.
(3)
8 ـ أن الله تعالى نادى أمة محمد عليه الصلاة والسلام، فقال:" يا أمة محمد، أعطيتكم قبل أن تسألوني، وأجبتكم قبل أن تدعوني، وغفرت لكم قبل أن تستغفروني "، فهذا هو معنى قوله تعالى:{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا} [القصص:46]، وهو مروي عن أبي هريرة رضي الله عنه، يقول السمعاني:" وفي القصة: أن موسى لما سمع هذا من الله تعالى قال: يارب، إنما جئت لوفادة أمة محمد صلى الله عليه وسلم ".
(4)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 221
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 246
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 31
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 144
9 ـ أن هذه الأمة مصطفاة من الله تعالى، قال تعالى:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر:32]، يقول السمعاني:" الأكثرون على أن المراد من قوله: " الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا " هذه الأمة ".
(1)
10 ـ أنه هذه الأمة نصيبها في الآخرة، أنهم نصف أهل الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، بل ثلث أهل الجنة، بل نصف أهل الجنة، وتقاسمونهم في النصف الثاني "
(2)
، وفي بعض الأخبار:" أن أهل الجنة مائة وعشرون صنفاً، ثمانون من هذه الأمة "
(3)
(4)
11 ـ أنه هذه الأمة تزكي شهود الأنبياء بالتبليغ، قال تعالى:{وَيُزَكِّيهِمْ} [البقرة:129]، يقول السمعاني:" وفيه قول آخر: أنه بمعنى التزكية، يشهد الرسل بالنبوة من سائر الأمم، وذلك أن مؤمني سائر الأمم شهدوا للرسل بالنبوة، وتبليغ الرسالة، فهذه الأمة تزكي أولئك الشهود "
(5)
، وكذلك هذه الأمة تشهد للرسل بالبلاغ، قال تعالى:{لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة:143]، يقول السمعاني:" وذلك يوم القيامة، حين يسألة الأمم عن إبلاغ الرسل، فينكرون تبليغهم الرسالة، فيسأل الرسل، فيقولون: بلغنا، فيقال لهم: ومن يشهد لكم؟! فيأتون بهذه الأمة، فيشهدون لهم بالبلاغ ".
(6)
12 ـ أن الله تعالى خفف عن هذه الأمة، في أحكامها وتشريعاتها، ومن ذلك قوله تعالى في حكم القصاص:{ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة:178]، يقول السمعاني في بيان وجه التخفيف:" ومعناه: أن الدية كانت في شرع النصارى حتماً، والقصاص في شرع اليهود حتماً، وخيرت هذه الأمة بين القصاص والدية، فذلك التخفيف ".
(7)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 358
(2)
أخرجه أحمد في المسند، ح (9080)
(3)
أخرجه الترمذي في جامعه، باب ما جاء في صفة أهل الجنة، ح (2546)
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 345
(5)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 141
(6)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 149 - 323 - 2:58
(7)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 174
13 ـ أنهم خير أمة في اللوح المحفوظ، قال تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110]، قال السمعاني:" أراد به: كنتم خير أمة في اللوح المحفوظ، وقيل: أراد به: صرتم خير أمة إذا آمنتم ".
(1)
14 ـ ونقل السمعاني عن كعب الأحبار في فضيلة هذه الأمة قوله: " أُعطيت هذه الأمة ثلاثاً، لم يُعط أحد من الأمم: قال الله تعالى لكل نبي من الأنبياء السالفة، أنت شاهد على أمتك، وقال لهذه الأمة: أنتم الشهداء على الأمم، وقال تعالى لكل نبي: ما عليك في الدين من حرج، وقال لهذه الأمة: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]، وقال لكل نبي: ادع استجب لك، وقال لهذه الأمة: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] ".
(2)
إذن: فهذه الأمة المحمدية، خصائصها، ومزاياها، كثيرة جداً، امتن الله تعالى بها عليها، ورفع من شأنها، وأعلى مقامها، وأعطاها ما لم يُعط من الأمم غيرها؛ تكرمة لبنيها عليه الصلاة والسلام، وزيادة في شرفه، قال القسطلاني:" وتفصيل فضلها وخصائصها، يستدعي سفراً، بل أسفاراً، وذلك فضل الله يؤتيه الله من يشاء، والله ذو الفضل العظيم".
(3)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 348
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 28
(3)
القسطلاني: المواهب اللدنية: 2/ 425