الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7 ـ ومع العداوة الظاهرة التي أشار إليها القرآن الكريم، إلا أن الله تعالى ذكر لعباده المؤمنين، سُبل الوقاية والحماية من أساليب الشيطان وإغوائه، ومن تلك الأساليب:
أ ـ اتخاذه عدواً، قال تعالى:{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر:6]، أي: عادوه بطاعة الله تعالى.
(1)
ب ـ الاستعاذة بالله تعالى من شره، قال تعالى:{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فُصِّلَت:36]، " أي: اعتصم بالله، وقد روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول:" أعوذ بالله من الشيطان من همزه، ونفثه، ونفخه "
(2)
…
(3)
المطلب الثالث: أعمال الجن، وأحوالهم، وصفاتهم:
ذكر الله جل شأنه، أخبار الجن، وبعض أحوالهم، ولذا تتبع السمعاني أخبارهم، وبيَّن أحوالهم، ونُجمل ما ذكره السمعاني في الإيمان بالجن، وما يتعلق بهم في الأمور التالية:
1 ـ أن الجن يدخلون في قوله تعالى: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ} [الرحمن:10]، قال الحسن البصري في الأنام: أنه الجن و الإنس
(4)
، فهم من الأنام. وهل يصح تسميتهم رجالاً؟ قال تعالى:{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ} [الجن:6]، قال السمعاني:"الجن لا يسمون رجالاً، والجواب عما ورد في الآية، أنه على طريق المجاز، وقد ورد في أخبار العرب في حكاية: أن قوماً من الجن قالوا: نحن أناس من الجن، فإذا جاز أن يسموا أُناساً، جاز أن يسموا رجالاً "
(5)
.
(1)
السمعاني: تفسير القرآن:5/ 345
(2)
أخرجه أبو دواد في سننه، باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء، ح (764)، (775)
(3)
السمعاني: تفسير القرآن:5/ 53
(4)
السمعاني: تفسير القرآن:5/ 323
(5)
السمعاني: تفسير القرآن:6/ 66
2 ـ أن الجن مكلفون، قال السمعاني في تفسير قوله تعالى:{رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]،:" قال ابن عباس: هم الجن والإنس، وقال الحسن وقتادة، وأبو عبيدة: هم جميع المخلوقين، وقيل: الأولى أولى؛ لأن الخطاب مع المكلفين، الذين هم المقصودون بالخليفة، وهم الجن والإنس "
(1)
، وقد ذكر الله تعالى شمولية الرسالة المحمدية لعموم الثقلين، فقال تعالى:{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان:1]، أي: الجن والإنس
(2)
. وقال تعالى: {وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ} [الأحقاف:32]، يقول السمعاني:" في الآية دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مبعوثاً إلى الجن والأنس ".
(3)
3 ـ أن الجن فيهم مؤمنون وكفار، قال تعالى:{وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا} [الجن:7]، يقول السمعاني:" في الآية دليل على أنه كان في الجن قوم لا يؤمنون بالبعث كما في الإنس "
(4)
. قال الحسن البصري: في الجن قدرية، ومرجئة، وروافض، وخوارج، وغير ذلك من الفرق، وفيهم العاصي، والمطيع، والمصلح، وغير ذلك من المؤمن والكافر.
(5)
4 ـ أن الجن يموتون كالإنس، قال تعالى:{قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ} [الأعراف:38]، قال السمعاني:" وفيه دليل على أن الجن يموتون كالإنس، خلافاً لقول الحسن حيث قال: لا يموتون "
(6)
.
5 ـ أنهم محشورون يوم القيامة، قال تعالى:{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا} [الأنعام:128]، يقول السمعاني:" أما حشر الجن و الإنس، حق يجب الإيمان به "
(7)
.
(1)
السمعاني: تفسير القرآن:1/ 36
(2)
السمعاني: تفسير القرآن:4/ 5
(3)
السمعاني: تفسير القرآن:5/ 164
(4)
السمعاني: تفسير القرآن:6/ 66
(5)
السمعاني: تفسير القرآن:6/ 68
(6)
السمعاني: تفسير القرآن:2/ 180
(7)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 144
6 ـ أنهم لا يعلمون الغيب، قال تعالى:{فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [سبأ:14]، أي: تبينت الجن للإنس، أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين، أي: التعب والشقاء الطويل.
(1)
7 ـ أن بين الجن والإنس استمتاع، كما قال تعالى:{وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ} [الأنعام:128]، يعني: استمتع الجن بالإنس، والإنس بالجن، قيل: استمتاع الجن بالإنس: تزيينهم لهم، وتسهيلهم طريق الغواية عليهم، وأما استمتاع الإنس بالجن، طاعتهم. والجملة: أن استمتاع الجن بالأمر، واستمتاع الإنس بالقبول.
(2)
8 ـ أنهم يأكلون ويشربون، ويولد لهم، فهم بمنزلة الآدميين، ومنهم من هم بمنزلة الريح، لا يتوالدون، ولا يأكلون، ولا يشربون، نقله السمعاني عن وهب بن منبه.
(3)
لكن نقل ابن القطان الإجماع، على أن الجن يأكلون، ويشربون، ويجامعون، ويولد لهم.
(4)
9 ـ أن الجن زينوا للناس عبادة الملائكة، والمقصود بهم: الشياطين العاتون المتمردون، ويُقال: إنهم صوروا صور الجن، وقالوا: هؤلاء الملائكة، فاعبدوهم، وهذا هو تفسير قوله تعالى:{بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [سبأ:41]، مع أنهم عبدوا الملائكة.
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 324
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 144
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 137
(4)
ابن القطان: الإقناع: 1/ 48
10 ـ أن بعض الإنس كانوا يستعيذون بالجن، إذا نزلوا بواد قفر، فإذا أمسوا قالوا: نعود بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه، كما قال تعالى:{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن:6]، ومعنى " فَزَادُوهُمْ رَهَقًا " فيه قولان: أحدهما: أي عظمة في أنفسهم، كأن الإنس لما استعاذوا بالجن، ازداد الجن في أنفسهم عظمة. والثاني: هو أن الإنس ازدادوا رهقاً، بالاستعاذة من الجن، ومعناه: طغياناً وإثماً، كأن الإنس لما استعاذوا من الجن، وأمنوا على أنفسهم، ازدادوا كفراً، وظنوا أن أمنهم كان من الجن.
(1)
11 -
أن الجن لا يُرون، وقد أشار السمعاني إليه في تفسير قوله تعالى:(إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) الأعراف 27، فقال: يعني أن الشياطين وجنوده يرونكم، وأنتم لا ترونهم
(2)
، وتأيد قوله بقول الإمام الشافعي: من زعم من أهل العدالة أنه يرى الجن، أبطلت شهادته؛ لأن الله تعالى يقول:(إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم)، إلا أن يكون نبيا
(3)
، وقال الحافظ ابن حجر: وهو الذي فهمه أكثر أهل العلم
(4)
، وقال:(إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) مخصوص بما إذا كان على صورته الني خُلق عليها
(5)
.
في حين ذهب الإمام ابن تيمية إلى تفسير الآية بمعنى آخر، فقال: الذي في القرآن: أنهم يرون الإنس من حيث لا يراهم الإنس، وهذا يقتضي أنهم يرون الإنس في حال لا يراهم الإنس فيها، وليس فيه أنهم لا يراهم أحد من الإنس بحال، بل قد يراهم الصالحون وغير الصالحين أيضا، لكن لا يرونهم في كل حال
(6)
.
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 6/ 66
(2)
- السمعاني: مرجع سابق: 2/ 176
(3)
- الشبلي: آكام المرجان: 43
(4)
- ابن حجر: فتح الباري: 6/ 459
(5)
- ابن حجر: مرجع سابق: 4/ 489
(6)
- ابن تيمية: مجموع الفتاوى: 15/ 26