الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية: خصائصه عليه الصلاة والسلام:
أما خصائصه عليه الصلاة والسلام، فهي كثيرة جداً، حتى ألف فيها العلماء، وصنف فيها الحكماء، وترنم بها الأدباء، ونظمها الشعراء. فالنبي صلى الله عليه وسلم، مكمن الأخلاق، ومنتهى الآداب، زكاه ربه، فقال:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم:4]، أي: على الخلق الذي أدبك الله به، مما نزل به القرآن، من الإحسان إلى الناس، والعفو، والتجاوز، وصلة الأرحام، وإعطاء النصفة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وما أشبه ذلك. وهو صاحب طبع كريم، عليه الصلاة والسلام.
(1)
ومما اختصه الله تعالى به:
1 ـ غفران ذنوبه: قال تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3)} [الفتح:1 - 3]، أي: يغفر لك ما تقدم من ذنبك قبل زمان النبوة، وما تأخر عن زمان النبوة، قال الثوري: ما كان وما يكون ما لم تفعله، وأنت فاعله، فكأنه غفر له قبل الفعل.
(2)
2 ـ عموم بعثته: قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان:1]، يقول السمعاني:" أي: الجن والإنس، قال أهل العلم: ولم يبعث نبي إلى جميع العالمين، غير نوح ومحمد عليهما السلام ".
(3)
3 ـ إكرام الرب تعالى له، بإعطائه اسمين من أسمائه: قال تعالى: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128]، يقول السمعاني:" وقد أعطاه الله تعالى في هذه الآية، اسمين من أسمائه، وهو في نهاية الكرامة ".
(4)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 6/ 18
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 190
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 5
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 363
4 ـ إعطاؤه المقام المحمود: قال تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء:79]، يقول السمعاني:" أجمع المفسرون أن هذا مقام الشفاعة، وقد ثبت هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ".
(1)
5 ـ القسم به: قال تعالى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحِجر:72]، قال ابن عباس: وعيشك، وقيل: وحياتك. وعن ابن عباس قال: ما خلق الله خلقاً أكرم عليه من محمد، فإن الله تعالى لم يقسم بحياة أحد إلا بحياة محمد صلى الله عليه وسلم.
(2)
6 ـ تثبيت قلبه: قال تعالى: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} [هود:120]، يقول السمعاني:: " معناه: وكل الذي تحتاج إليه من أنباء الرسل، نقصها عليك؛ لنثبت بها فؤادك. فإن قيل: قد كان فؤاده ثابتاً، فإيش معنى قوله: " لنثبت به فؤادك "؟ قلنا: معناه: لتزداد ثباتاً ".
(3)
7 ـ تعليمه مالا يعلم: قال تعالى: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء:113]، " يعني: من أحكام القرآن، وقيل: من علم الغيب، وقيل: علمك قدرك، ولم تكن تعلمه ".
(4)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 269
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 146
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 469
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 477
8 ـ الأمر بتعظيمه: قال تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح:9]، والتعزير ها هنا العظيم، والتوقير التبجيل والتفخيم
(1)
. ولذلك نهي الله تعالى عن رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم، أو الجهر له، أو مناداته باسمه، فأنزل الله تعالى ما يوجب عليهم تعظيمه، بأن يكلموه بالكلام المبجل المعظم له، الدال على توفية حقه في الخطاب
(2)
، فأمر أن يُنادى يا أيها الرسول، يا أيها النبي، يا رسول الله، قال تعالى:{لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور:63]، والمقصود دعاؤه على التفخيم والتعظيم.
(3)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 193
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 214
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 554
9 ـ أن الله تعالى جعله أمياً: قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} [الجمعة:2]، " والحكمة في كون الرسول صلى الله عليه وسلم أمياً؛ انتفاء التهمة عنه في تعلم أخبار الأولين، ودراستها من كتبهم: ويُقال: ليكون موافقاً لصفته في كتب الأولين "
(1)
، ولذا قال المشركون كما حكى الله عنهم:{وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفرقان:5]، فقوله:" اكْتَتَبَهَا " أي: طلب أن تكتب له؛ لأنه كان لا يكتب " فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ " أي: تقرأ عليه
(2)
. وقال تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:48]، أي: لم تكن تقرأ ولا تكتب، " إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ " أي: إذا لشك الكافرون لو قرأت وكتبت، أما أهل الشرك فكانوا يزعمون أنه قرأ من كتب الأولين، وانتسخ منها، وأما أهل الكتاب فقد كان نعته في كتبهم، أنه أمي لا يقرأ ولا يكتب، فلو قرأ وكتب، وقع لهم الشك. وعن الشعبي قال: لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم من الدنيا حتى كتب وقرأ، وهذا قول ضعيف لا يعتمد عليه، وأظن أنه لا يصح عن الشعبي هذا؛ لأنه كان عالماً كبيراً ".
(3)
10 ـ الصلاة عليه: قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56]، يقول السمعاني:" الصلاة من الله تعالى، بمعنى الرحمة والمغفرة، والملائكة والمؤمنين بمعنى الدعاء ".
(4)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 431
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 7
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 185
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 304
11 ـ ختم النبوة به: قال تعالى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:40]، يقول السمعاني:" وقُرِئ " خاتَم " بنصب التاء، فأما قوله: " وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ " بالفتح، أي: آخر النبيين، وأما بالكسر، أي: ختم به النبيين ".
(1)
12 ـ إكرامه برحلة الإسراء والمعراج: قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء:1]، وكان بالروح والجسد، يقول السمعاني:" وقد تواترت الأخبار الصحيحة على ما يوافق هذا القول ".
(2)
13 ـ أن الله عصمة من عبية الجاهلية: يقول السمعاني في جواب سؤال أورده: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم، على دين قومه قبل النبوة أم لا؟!. فأجاب بقوله:" قد ورد في التفسير: أنه كان على دين قومه قبل ذلك، ومعنى ذلك: أنه كان يشهد مشاهدهم، ويوافقهم في بعض أمورهم، من غير أن يعبد صنماً، أو يعظم وثناً، وقد كان الله عصمه عن ذلك "
(3)
.ونقل النقاش؛ أنه كان متعبداً قبل النبوة بشريعة إبراهيم، في النكاح، والطلاق، والعبادات، والمعاملات، وغير ذلك.
(4)
وفي ذلك يقول ابن إسحاق: " فشب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يكلؤه الله، ويحفظه، ويحوطه من أقذار الجاهلية ومعايبها؛ لما يريد به من كرامته ورسالته، وهو على دين قومه، حتى بلغ أن كان رجلاً، أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقاً، وأكرمهم مخالطة، وأحسنهم جواراً، وأعظمهم خلقاً، وأصدقهم حديثاً، وأعظمهم أمانة، وأبعدهم من الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال؛ تنزهاً وتكرماً، حتى ما أسماه قومه إلا الأمين؛ لما جمع الله عز وجل فيه من الأمور الصالحة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر لي ـ يُحدث عما كان يحفظه الله عز وجل به في صغره، وأمر جاهليته ".
(5)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 290
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 214
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 6/ 249
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 190
(5)
ابن إسحاق: السير والغزوات: دار الفكر، بيروت، ط 1، 1398 هـ، (78)
وترجم لهذا الأئمة في مصنفاتهم، قال البيهقي:" باب ما جاء في حفظ الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم في شبيبته عن أقذار الجاهلية ومعايبها؛ لما يريد من كرامته برسالته، حتى بعثه رسولاً ".
(1)
وكان الإمام أحمد يُشدِّد في هذه المسألة، فكان يقول: من قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على دين قومه، فهو قول سوء، أليس كان لا يأكل مما ذُبِح على النُّصُب.
(2)
والمعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متديناً قبل بعثه، فهل كان متعبداً بشريعة من قبله؟. قولان: 1 ـ كان متعبداً بما صح من شرائع من قبله بطريق الوحي إليه، لا من جهتهم ولا بتعلم، ولا من كتبهم المبدله.
2 ـ وقيل: لم يكن متعبداً بشيء من الشرائع، إلا ما أوحى إليه في شريعته.
واختلف القائلون بأنه كان متعبداً بشرع من قبله، بأي شريعة كان يتعبد؟ فقال بعضهم: بشريعة إبراهيم خاصة، وقال عنه السمعاني: هو قول شاذ، وذهب آخرون إلى أنه كان متعبداً بشريعة موسى، وظاهر كلام أحمد: أنه كان متعبداً بكل ما صح أنه شريعة لنبي قبله، ما لم يثبت نسخه، يدل عليه قوله تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90].
(3)
وقد نازع السمعاني في هذه المسألة في كتابه القواطع، وذهب إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن متعبداً بشرع من قبله قبل الوحي، وإنما كان ما كان منه على طريق الموافقة، حين وجد قومه على أدب إبراهيم عليه السلام
(4)
، ورجح القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن متعبدا باتباعها، بل كان منهيا عنها
(5)
.
(1)
البيهقي: دلائل النبوة: دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1405 هـ، (2/ 30)
(2)
المقريزي: إمتاع الأسماع: 2/ 357
(3)
المقريزي: إمتاع الأسماع: 2/ 358،أبو يعلى: العدة في أصول الفقه: ط 2، 1420 هـ (3/ 765)
(4)
السمعاني: قواطع الأدلة: 1/ 321
(5)
- السمعاني: مرجع سابق: 1/ 316
14 ـ أن الله تعالى عصم نبيه صلى الله عليه وسلم: فقال: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67]، ولكن هذه العصمة ـ كما بينا ـ فيما يتعلق بتبليغ الرسالة، والعصمة من الكفر والشرك، والكبائر، أما العوارض البشرية فهذه تقع عليه، وعلى غيره من الأنبياء، يقول الإمام ابن تيمية:" والأنبياء يجوز عليهم المرض، والجوع، والنسيان، ونحو ذلك بالإجماع".
(1)
ومن هذه العوارض التي جرت للنبي صلى الله عليه وسلم وقوع السحر عليه، يقول السمعاني في تفسير سورة الفلق:" واعلم أن المفسرين قالوا: إن هذه السورة والتي تليها نزلتا حين سُحر النبي صلى الله عليه وسلم، سحره لبيد بن أعصم اليهودي. وكان لبيد قد سحر النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل ذلك في بئر ذي أروان، فاعتل النبي صلى الله عليه وسلم، واشتدت علته، وكان يُخيَّل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله، ثم إن جبريل عليه السلام أنزل المعوذتين "
(2)
. وحاول بعض الناس إنكار السحر، بحجة منافاته لمقام النبوة، وهؤلاء تصدى لهم العلماء، وبينوا عوار قولهم، وفساد رأيهم، وفيهم يقول ابن قتيبة: " إن الذي يذهب إلى هذا، مخالف للمسلمين، واليهود، والنصارى، وجميع أهل الكتب، ومخالف للأمم كلها، الهند، وهي أشدها إيماناً بالرقى، والروم، والعرب في الجاهلية، وفي الإسلام، ومخالف للقرآن معاند له بغير تأويل؛ لأن الله عز وجل قال لرسوله صلى الله عليه وسلم:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)} [الفَلَق:1 - 4]، فأعلمنا أن السواحر، ينفثن في عُقدٍ يعقدنها، كما يتفل الراقي والمُعوِّذ
…
".
(3)
(1)
ابن تيمية: الاستغاثة في الرد على البكري: دار الوطن، الرياض، ط 1، 1417 هـ، (1/ 306)
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 6/ 307 - 1/ 116
(3)
ابن قتيبة: تأويل مختلف الحديث: المكتب الإسلامي، ط 1، 1419 هـ، (261)، وانظر رد المازري عليهم في فتح الباري: 10/ 226