الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله تعالى: " " كَانَ مِنَ الْجِنِّ "، نص قرآني في محل النزاع
(1)
، قال الجصاص عن إبليس:" فهو جنس غير جنس الملائكة، كما أن الإنس جنس غير جنس الجن "
(2)
، ولذا قال السيوطي:" قوله تعالى: {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ} [الكهف:50]، استدل به الجمهور على أنه لم يكن من الملائكة "
(3)
، ويقول:" قال الحليمي، والبيهقي، والقونوي: ومما يدل على تباين الجن والملائكة، قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [سبأ:40 - 41]، فثبت بهذا أن الملائكة غير الجن "
(4)
، وقال ابن العربي:" وقال شيخنا أبو الحسن في كتاب المختزن: إن إبليس كان من الملائكة، ولم يكن من الجن. ولست أرضاه"
(5)
.
المسألة الثانية: هل من الجن رسل
؟!
أشار السمعاني إلى وجود خلاف عند العلماء في هذه المسألة، وهو على قولين:
القول الأول: قال الضحاك: بلى من الثقلين رسل، كما نطق به الكتاب، قال تعالى:{يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [الأنعام:130]، وعلى هذا القول يكون معنى الآية: أن الرسل من الصنفين، إلا أنه عبر بالرسل عن النذر من الجن بطريق المعنى؛ لأن النذير في معنى الرسول.
وقال بعض أهل التفسير: إن الله تعالى أرسل إلى القبط نبياً من الجن يُسمى يوسف، قال السمعاني:" وهذا قول ضعيف، والصحيح الأول؛ لأنه أطلق ذكر يوسف، فهو يوسف المعروف "
(6)
.
(1)
الشنقيطي: أضواء البيان: 3/ 290
(2)
الجصاص: أحكام القرآن: 5/ 43
(3)
السيوطي: الإكليل: دار الكتب العلمية: بيروت، 1401 هـ، (171)
(4)
السيوطي: الحبائك في أخبار الملائك: 251
(5)
ابن العربي: أحكام القرآن: 4/ 314
(6)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 19
القول الثاني: قال مجاهد: الرسل من الإنس، وأما الجن فمنهم النذر، كما قال تعالى:{وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} [الأحقاف:29]، أي: محذرين، ويُقال: ولوا دعاة إلى التوحيد
(1)
. ويكون معنى الآية في قوله تعالى: " أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ "، مُنصرف إلى أحد الصنفين، هو الإنس. إلا أن السمعاني قال عن قول مجاهد:" هو قول مهجور "
(2)
.
وقال الحسن: لم يبعث الله نبياً من الجن
(3)
، وإنما جاءتهم رسل الإنس، وهذا أيضاً قول ابن جريج، والفراء
(4)
، والزجاج
(5)
. وحكى ابن عطية قول الضحاك وضعفه
(6)
، وحكاه أيضاً ابن كثير، وقال:" وفي الاستدلال بها على ذلك نظر؛ لأنها محتملة وليست بصريحة "
(7)
.
وذهب بعضهم: إلى أن الرسل من الجن، هم رسل الرسل إليهم؛ لقوله تعالى:{وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} [الأحقاف:29]، حكاه الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(8)
وذكر ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن، في باب مخالفة اللفظ معناه، قاعدة:" ومنه: أنه يجتمع شيئان، ولأحدهما فعل، فيجعل الفعل لهما "، كقوله سبحانه:{يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ} [الأنعام:130]، والرسل من الإنس دون الجن "
(9)
.
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 162
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 6/ 9
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 72
(4)
الماوردي: النكت والعيون: 2/ 170
(5)
الزجاج: معاني القرآن: 2/ 292
(6)
ابن عطية: المحرر الوجيز: 2/ 346
(7)
ابن كثير: تفسير القرآن العظيم: 3/ 340
(8)
الطبري: جامع البيان: 12/ 122
(9)
ابن قيبة: تأويل مشكل القرآن: 1/ 175