الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول الإمام أبو بكر بن أبي عاصم
(1)
: " ومما اتفق أهل العلم على أن نسبوه إلى السنة
…
والقرآن كلام الله تبارك وتعالى، تكلم به، ليس بمخلوق "
(2)
.
ويقول ابن تيمية: "
…
بل نقول: إنه يتكلم بمشيئته وقدرته، كلاماً قائماً بذاته، كما دل على ذلك الكتاب، والسنة، وإجماع السلف والأئمة "
(3)
.
18 ـ الرؤية:
يقول السمعاني في إثبات رؤية الرب جل وعلا: " واعلم أن الرؤية حق على مذهب أهل السنة، وقد ورد به القرآن والسنة "
(4)
، ويقول:" وقوله تعالى: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:23]: هو النظر إلى الله تعالى بالأعين، وهو ثابت للمؤمنين في الجنة، بوعد الله تعالى، وبخبر الرسول صلى الله عليه وسلم "
(5)
.
واستدل السمعاني على إثبات الرؤية بأدلة القرآن والسنة، منها:
أ ـ قال تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:46]، قال:"وقيل: هو اللقاء الموعود، وهو رؤية الله تعالى ".
(6)
ب ـ وقال تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:103]، يقول السمعاني: " فالإدراك غير الرؤية؛ لأن الإدراك هو الوقوف على كنه الشيء وحقيقته، والرؤية، هي المعاينة
…
وإذا كان الإدراك غير الرؤية، فالله تعالى يجوز أن يُرى، ولكن لا يدرك كنهه، إذ لا كنه له حتى يدرك، وهذا كما أنه يعلم ويعرف ولا يُحاط به"
(7)
.
(1)
((أبو بكر أحمد بن عمرو (ت 287 هـ)، الحافظ الكبير، الإمام. انظر: الذهبي: سير أعلام النبلاء: 13/ 430
(2)
((ابن أبي عاصم: السنة: المكتب الإسلامي، بيروت، ط 1، 1400 هـ، (2/ 645).
(3)
((ابن تيمية: مجموع الفتاوى: 9/ 284
(4)
((السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 132
(5)
((السمعاني: تفسير القرآن: 6/ 106
(6)
((السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 75
(7)
((السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 132
ج ـ وقال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ} [الأعراف:143]، يقول السمعاني:" وفي هذا دليل على أنه يجوز أن يُرى؛ لأنه لم يُعلّق الرؤية بما يستحيل وجوده؛ لأن استقرار الجبل مع تجليه له غير مستحيل، بأن يجعل له قوة الاستقرار مع التجلي "
(1)
.
د ـ وقال تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]، يقول السمعاني:"واختلفوا في الحسنى وزيادة، فروي عن أبي بكر الصديق، وأبي موسى الأشعري، وابن عباس، وحذيفة، وقتادة، وجماعة من التابعين أنهم قالوا: الحسنى هي الجنة، والزيادة: هي النظر إلى الله عز وجل "
(2)
.
هـ ـ وقال تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17]، قال ابن سيرين: ما أخفي لهم من قرة أعين: هو النظر إلى الله تعالى.
(3)
و ـ وقال تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35]، يقول السمعاني: " فيه قولان:
…
والآخر: أنه النظر إلى الله تعالى "
(4)
.
ز ـ وقال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة:22 - 23]، يقول السمعاني:" (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ): هو النظر إلى الله تعالى بالأعين "
(5)
.
(1)
((السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 212
(2)
((السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 378
(3)
((السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 250
(4)
((السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 246
(5)
((السمعاني: تفسير القرآن: 6/ 106
ح ـ وقال تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطفِّفين:15]، يقول السمعاني:"في الآية دليل على أن المؤمنين يرون الله تعالى، وقد نقل هذا الدليل عن مالك والشافعي ـ رحمة الله عليهما ـ، قال مالك: لما حجب الله الفجار عن رؤيته، دَلَّ على أنه ليتجلى للمؤمنين حتى يروه، ومثل هذا رواه الربيع بن سليمان عن الشافعي، قال الربيع، قلت للشافعي: أيرى الله بهذا؟ فقال: لو لم أوقن أن الله يُرى في الجنة، لم أعبده في الدنيا. وفي الآية أبين دليل من حيث المعنى على ما قلنا؛ لأنه ذكر قوله: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}، في حق الكفار عقوبة لهم، فلو قلنا: إن المؤمنين يحجبون، لم يصح عقوبة الكفار به "
(1)
.
وحَكى الأئمة الإجماع على إثبات هذه الصفة لله تعالى:
قال الإمام أحمد: " والأحاديث في أيدي أهل العلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن أهل الجنة يرون ربهم، لا يختلف فيها أهل العلم "
(2)
.
وقال الإمام ابن تيمية: " أجمع سلف الأمة وأئمتها، على أن المؤمنين يرون الله بأبصارهم في الآخرة. واتفقوا على أن المؤمنين يرون الله يوم القيامة عياناً، كما يرون الشمس والقمر "
(3)
.
وقد ناقش السمعاني المخالفين للرؤية، النافين لها، وهم المعتزلة، فقال:
(1)
((السمعاني: تفسير القرآن: 6/ 181
(2)
((أحمد بن حنبل: الرد على الجهمية، دار الثبات للنشر، ط 1، (132)
(3)
((ابن تيمية: مجموع الفتاوى: 6/ 512
1 ـ قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام:103]، " استدل بهذه الآية من يعتقد نفي الرؤية، قالوا: لما تمدَّح بأنه لا تدركه الأبصار؛ فمدحه يكون على الأبد في الدنيا والآخرة "
(1)
. ورد عليه السمعاني بقوله: " فأما قوله تعالى: " لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ " فالإدراك غير الرؤية؛ لأن الإدراك: هو الوقوف على كنه الشيء وحقيقته، والرؤية: هي المعاينة، وقد تكون الرؤية بلا إدراك، قال تعالى في قصة موسى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا} [الشعراء:61]، فنفى الإدراك مع إثبات الرؤية، وإذا كان الإدراك غير الرؤية، فالله تعالى يجوز أن يُرى، ولكن لا يدرك كنهه، إذ لا كنه له حتى يُدرك، وهذا كما أنه يُعلم ويُعرف ولا يُحاط به، كما قال: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه:110] فنفى الإحاطة مع ثبوت العلم "
(2)
.
والوجه الثاني في الرد: أن يكون معنى قوله {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} يعني: في الدنيا، هو يرى الخلق، ولا يراه الخلق في الدنيا، بدليل قوله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} فكما أثبتت الرؤية بتلك الآية في الآخرة، دَلَّ على أن المراد بهذه الآية: الإدراك في الدنيا؛ ليكون جمعاً بين الآيتين "
(3)
.
(1)
((السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 132
(2)
((السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 132
(3)
((السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 133
2 ـ قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} [الأعراف:143]، يقول السمعاني:" قَالَ لَنْ تَرَانِي " يستدل من ينفي الرؤية بهذه الكلمة، وليس لهم فيها مُستدل، وذلك لأنه لم يقل: إني لا أُرى، حتى يكون حجة لهم، ولأنه لم ينسبه إلى الجهل في سؤال الرؤية، كما نسب إليه قومه بقولهم:{اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} ، لما لم يجز ذلك. وأما معنى قوله " لَنْ تَرَانِي "، يعني: في الحال، أو في الدنيا "
(1)
.
وفي ختام هذا المطلب، أًشير إلى مسألتين، أثارهما الإمام السمعاني:
المسألة الأولى: هل الدهر من أسماء الله وصفاته؟!
أورد السمعاني الأثر الوارد في السنة، وهو قوله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي:(يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر، أدبر الأمر، أقلب الليل والنهار)
(2)
.
وصنيع السمعاني في ذكر تأويل الخبر، يدل على أنه ليس من أسماء الله ولاصفاته، إلا على تأويل الدهر بالخالق فيعود لصفة الخلق، أي يكون معنى الخبر: فإن الله هو الدهر: أي خالق الدهر. وهذا هو الوجه الأول الذي فسَّر به السمعاني هذا الخبر.
والوجه الثاني: لا تسبوا الدهر فإني فاعل الأشياء. وكانوا يضيفون الفعل إلى الدهر، ويسبونه، فإن الله هو الدهر، يعني: أن الله فاعل الأشياء، لا الدهر. قال السمعاني:"وهذا قول معتمد ".
والوجه الثالث: وهو أنهم كانوا يعتقدون بقاء الدهر، وأنه لا يبقى شيء مع بقاء الدهر، فقال: لا تسبوا الدهر، يعني: لا تسبوا الذين يعتقدون أنه الباقي، فإن الله هو الدهر، يعني: فإن الله هو الباقي، بقاء الأبد على ما يعتقدون في الدهر.
(3)
(1)
((السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 212
(2)
((أخرجه البخاري في صحيحه، باب " وما يهلكنا إلا الدهر "، ح (4826)
(3)
((السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 143
وقد ذهب ابن حزم ومن معه، إلى أن الدهر من أسماء الله تعالى؛ استناداً على هذا الحديث، وقد غلطه العلماء في ذلك، يقول ابن كثير:" وقد غلط ابن حزم ومن نحا نحوه من الظاهرية، في عدهم الدهر، من الأسماء الحسنى، أخذاً من هذا الحديث "
(1)
.
المسألة الثانية: هل يجوز السؤال عن الله بالمائية؟!
قال السمعاني في قصة موسى مع فرعون، وسؤال فرعون لموسى {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24)} [الشعراء:23 - 24]: "واعلم أن سؤال المائية، لا يجوز على الله، وإنما هذا من أوصاف المخلوقين، والدليل عليه: أن موسى لم يجب سؤال المائية، فلم يقل: ربي لونه كذا، وهو من كذا، وريحه كذا، ولكن أجاب بذكر أفعاله الدالة عليه، فقال: " رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ". واعلم أن سؤال المائية، سؤال عن جنس الشيء، والله تعالى منزه على الجنسية، ويُقال: إن جواب موسى عن معنى السؤال، لا عن عين السؤال، كأن معنى السؤال: ومن رب العالمين؟ قال: " رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ "
(2)
.
(1)
((ابن كثير: تفسير القرآن العظيم: 7/ 248
(2)
((السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 42
وذكر الإمام ابن حزم مسألة المائية وفصَّل فيها، فقال:" ذهب طوائف من المعتزلة إلى أن الله تعالى لا مائية له، وذهب أهل السنة، وضرار بن عمرو إلى أن الله تعالى مائية "
(1)
. وقال التفتازاني: " وهذا البحث عند المتكلمين يُعرف بمسألة المائية، ويُنسب القول بها إلى ضرار، حيث قال: إن لله تعالى مائية لا يعلمها إلا هو، ولو رؤي لرؤي عليها، وفي قدرة الله تعالى أن يخلق في الخلق حاسة سادسة، بها يُدركون تلك المائية والخاصية، وحين رُوي ذلك عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنكر أصحابه هذه الرواية أشد إنكار؛ وذلك لأن المائية عبارة عن المجانسة، حيث يُقال: ماهو، بمعنى: أي جنس هو من أجناس الأشياء، والله تعالى منزه عن الجنس؛ لأن كل ذي جنس مماثل لجنسه، ولما تحته من الأنواع والأفراد، فالقول به تشبيه "
(2)
.
وذهب الإمام ابن تيمية إلى أن القول بأن المائية تقتضي الجنس، بمعنى أن يكون له ما يجانسه، أي يماثله في حقيقته، إلى أن الأمر ليس كذلك، يقول:" فإن من أثبت له مائية، وهي الحقيقة التي تخصه، ويمتاز لها عن غيره، لم يلزمه أن تكون تلك المائية من جنس المائيات، كما أن الذين يطلقون عليه اسم الذات، لا يلزمهم أن تكون ذاته من جنس سائر الذوات، وإن فُسِّر ذلك بثبوت قدر ما يتفقان فيه، فهذا لا بد منه على كل تقدير. ولفظ الجنس فيه عدة اصطلاحات، فإن فُسِّر بما يوجب مثلاً لله، فهو منتف عنه، وإن فُسِّر بالحد اللغوي الذي هو مدلول الأسماء المتواطئة والمشككة، كما في اسم الحي، والعليم، والقدير، ونحو ذلك من الأسماء، فهذا لا بُدَّ منه باتفاق أهل الإثبات "
(3)
.
(1)
((ابن حزم: الفِصل في الملل والأهواء والنحل: 2/ 132
(2)
((التفتازاني: شرح المقاصد في علم الكلام: 2/ 124
(3)
((ابن تيمية: بيان تلبيس الجهمية: 2/ 387