الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحاصل: أن قول القائل: إن الاسم عين المسمى أو غير المسمى، إن صدر من إمام من أئمة السنة، فيُحمل قوله على المعنى الحق، وإن جرى على لسان إمام من أئمة أهل الكلام، فيُحمل على المعنى الباطل.
(1)
المطلب الثاني: منهج السلف
(2)
في باب الأسماء والصفات:
المراد بالسلف هم أصحاب القرون الفاضلة: الصحابة والتابعون وأتباعهم. والسلفيون هم أتباعهم على منهجهم وطريقتهم من جهة التقرير للعقائد والاستدلال لها، وبهذا لا يدخل في هذا المصطلح أرباب الطوائف كالمعتزلة والأشاعرة ونحوهم. وذكر الإمام السمعاني جملة من قواعد المنهج السلفي، في التعامل مع نصوص الأسماء والصفات، وقبل ذكر هذه القواعد، أُشير إلى ما حكاه الأئمة من الإجماع على قواعد ومسائل الصفات، وأقوالهم:
(1)
محمد الخميس: اعتقاد أهل السعة شرح أصحاب الحديث: وزارة الشؤون الإسلامية، السعودية، ط 1، 1419 هـ (111)
(2)
- المراد بالسلف هم أصحاب القرون الفاضلة: الصحابة والتابعون وأتباعهم، والسلفيون هم أتباعهم على منهجهم وطريقتهم من جهة التقرير للعقائد والاستدلال لها، وبهذا لا يدخل في هذا المصطلح أرباب الطوائف كالمعتزلة والأشاعرة ونحوهم.
يقول الإمام عبدالغني المقدسي
(1)
: " اعلم وفقنا الله وإياك
…
أن صالح السلف، وخيار الخلف، وسادة الأئمة، وعلماء الأمة، اتقفت أقوالهم، وتطابقت آراؤهم، على الإيمان بالله عز وجل، وأنه أحد، فرد، صمد، حي قيوم، سميع بصير، لا شريك له، ولا وزير، ولا شبيه له، ولا نظير، ولا عدل له، ولا مثل. وأنه عز وجل موصوف بصفاته القديمة التي نطق بها كتابه العزيز
…
وصح بها النقل من نبيه وخيرته من خلقه، محمد سيد البشر صلى الله عليه وسلم "
(2)
. ويقول ابن أبي يعلى
(3)
عن الصفات: " وإن أمرها كما جاءت، من غير تأويل، ولا تفسير، ولا تجسيم، ولا تشبيه، كما فعلت الصحابة والتابعون، فهو الواجب عليه "
(4)
.ويقول القصري: " الأسماء والصفات، فهي شعبة ثانية من الإيمان، لا بُدَّ من التصديق بها، ومن لم يصدق بالصفات، فقد كذب بالقرآن، والسنة وإجماع أهل السنة، وكذب العقل
…
وأهل السنة والحديث نقلوا إلينا أخبار الصفات، ونطقوا بالصفات، فلو كذبناهم فيما نقلوا من ذلك، ونطقوا به، وجب تكذبيهم في كل ما نقلوا من الشريعة، وكان ذلك هدماً للإسلام "
(5)
.
(1)
عبدالغني بن عبدالواحد المقدسي، (541 هـ ـ ت 600 هـ)،حافظ للحديث، من العلماء برجاله، امتحن مرات، وتوفي بمصر. من مؤلفاته: الكمال في أسماء الرجال، وعمدة الأحكام. الزركلي: الأعلام: 4/ 34
(2)
عبدالغني المقدسي: الاقتصاد في الاعتقاد: مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، ط 1، 1414 هـ (78)
(3)
ابن أبي يعلى: محمد بن محمد (451 هـ ـ ت 526 هـ)، مؤرخ، من فقهاء الحنابلة، ولد ببغداد، ومات فيها قتيلاً، اغتاله بعض من كان يخدمه طمعاً بماله. من كتبه: طبقات الحنابلة، والاعتقاد. الزركلي: الأعلام: 7/ 22
(4)
ابن أبي يعلى: الاعتقاد: دار أطلس الخضراء، ط 1، 1423 هـ (31)
(5)
القصري: شعب الإيمان: 275
ويقول الإمام ابن عبدالبر: " وأهل السنة مجموعون، على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة، ولا على المجاز، إلا أنهم لا يكيفون شيئاً من ذلك، ولا يحدون فيه صفة محصورة "
(1)
.
ونقل الإمام ابن تيمية عن الإمام ابن خفيف قوله: " فاتفقت أقوال المهاجرين والأنصار، في توحيد الله عز وجل، ومعرفة أسمائه وصفاته، وقضائه، قولاً واحداً، وشرعاً ظاهراً
…
فكانت كلمة الصحابة على اتفاق من غير اختلاف، وهم الذين أمرنا بالأخذ عنهم، إذا لم يختلفوا ـ بحمد الله تعالى ـ في أحكام التوحيد وأصول الدين، من الأسماء والصفات، كما اختلفوا في الفروع "
(2)
.
ـ ويقول الإمام ابن تيمية: " وجماع القول في إثبات الصفات، هو القول بما كان عليه سلف الأمة وأئمتها، وهو أن يوصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله، ويُصان ذلك عن التحريف، والتمثيل، والتكييف، والتعطيل؛ فإن الله ليس كمثله شيء، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله "
(3)
.
ـ ويقول الشيخ الشنقيطي: " اعلموا أن مبحث آيات الصفات، دَلَّ عليه القرآن العظيم، أنه يتركز على ثلاثة أسس، ما جاء بها كلها فقد وافق الصواب، وكان على الاعتقاد الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، والسلف الصالح، ومن أخلَّ بواحد من تلك الأسس الثلاثة، فقد ضل، ولك هذه الأسس الثلاثة يدل عليها القرآن العظيم:
1 ـ أحد هذه الأسس الثلاثة هو: تنزيه الله جل وعلا، عن أن يشبه شيء من صفاته، شيئاً من صفات المخلوقين، وهذا الأصل يدل عليه قوله تعالى:" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ"(الشورى 11).
2 ـ الثاني من هذه الأسس: هو الإيمان بما وصف الله به نفسه؛ لأنه لا يصف الله، أعلم بالله من الله " ءَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ"، والإيمان بما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يوصف الله بعد الله، أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1)
ابن عبدالبر: التمهيد: 7/ 145
(2)
ابن تيمية: الفتوى الحموية الكبرى: 403
(3)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى: 6/ 515
3 ـ قطع الطمع عن إدراك حقيقة الكيفية؛ لأن إدراك حقيقة الكيفية مستحيل "
(1)
.
ـ ويقول ابن تيمية: " روى أبو بكر البيهقي في (الأسماء والصفات)، بإسناد صحيح عن الأوزاعي قال: كنا والتابعون متوافرون؛ نقول: إن الله ـ تعالى ذكره ـ فوق عرشه، ونؤمن بما وردت فيه السنة من صفاته
…
وروى أبو بكر الخلال في كتاب السنة عن الأوزاعي قال: سُئل مكحول والزهري عن تفسير الأحاديث، فقالا: أمروها كما جاءت، وروى أيضاً عن الوليد بن مسلم قال: سألت مالك بن أنس، وسفيان الثوري، والليث بن سعد، والأوزاعي، عن الأخبار التي جاءت في الصفات، فقالوا: أمروها كما جاءت، وفي رواية: فقالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف. فقولهم ـ ضي الله عنهم ـ " أمروها كما جاءت "، رد على المعطلة، وقولهم " بلا كيف، رد على الممثلة "
(2)
.
وهذه أقوال الأكابر من أهل العلم، في بيان المنهج الحق فيه هذا الباب:
1 ـ الإمام أبو حنيفة: يقول:
ـ " لا يوصف الله تعالى بصفات المخلوقين، وغضبه ورضاه، صفتان من صفاته بلا كيف، وهو قول أهل أهل السنة والجماعة، وهو يغضب ويرضى، ولا يُقال: غضبه عقوبته، ورضاه ثوابه، ونصفه كما وصف نفسه، أحد، صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، حي، قادر، سميع، بصير، عالم، يد الله فوق أيديهم، ليست كأيدي خلقه، ووجهه ليس كوجوه خلقه "
(3)
.
(1)
الشنقيطي: الأسماء والصفات نقلاً وعقلاً: مجلة الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، عدد 4، ربيع الثاني 1393 هـ (8 - 27). وقد ذكر الإمام ابن القيم جملة من القواعد المتعلقة بهذا الباب في كتابه بدائع الفوائد: 1/ 161 وما بعده.
(2)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى: 5/ 39
(3)
أبو حنيفة: الفقه الأكبر: مكتبة الفرقان: الإمارات العربية، ط 1، 1419 هـ، (159)، مطبوع مع الشرح الميسر على الفقهين الأبسط والأكبر، المنسوبين لأبي حنيفة، تأليف: محمد الخميس.
ـ " وله يد، ووجه، ونفس، كما ذكره الله تعالى في القرآن، فما ذكره الله تعالى في القرآن، من ذكر الوجه، واليد، و النفس، فهو له صفات بلا كيف، ولا يُقال: إن يده قدرته، أو نعمته؛ لأن فيه إبطال الصفة، وهو قول أهل القدر والاعتزال "
(1)
.
ـ " ولا يشبه شيئاً من الأشياء من خلقه، ولا يشبهه شيء من خلقه، لم يزل ولا يزال بأسمائه وصفاته "
(2)
.
ـ " وصفاته الذاتية والفعلية، أما الذاتية فالحياة، والقدرة، والعلم، والكلام، والسمع، والبصر، والإرادة، وأما الفعلية، التخليق، والترزيق، والإنشاء، والإبداع، والصنع، وغير ذلك من صفات الفعل، لم يزل ولا يزال بأسمائه وصفاته "
(3)
.
ـ " والله تعالى يدعى من أعلى لا من أسفل؛ لأن الأسفل ليس من وصف الربوبية والألوهية في شيء "
(4)
.
2 ـ الإمام مالك بن أنس: يقول:
ـ " جاءه رجل فقال: يا أبا عبدالله، الرحمن على العرش استوى، كيف استوى؟ فما وجد مالك من شيء ما وجد من مسألته، فنظر إلى الأرض، وجعل ينكت بعود في يده، حتى علاه الرحضاء، ثم رفع رأسه، ورمى العود وقال: الكيف منه غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأظنك صاحب بدعة، وأمر به فأخرج "
(5)
.
ـ " الله في السماء، وعلمه في كل مكان، لا يخلو منه مكان "
(6)
.
3 ـ الإمام الشافعي: يقول:
ـ " القول في السنة التي أنا عليها، ورأيت أصحابنا عليها أهل الحديث، الذين رأيتهم، وأخذت عنهم، مثل: سفيان، ومالك، وغيرهما، الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله، وأن الله تعالى على عرشه في سمائه، يقرب من خلقه كيف شاء، وأن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا كيف شاء "
(7)
.
(1)
أبو حنيفة: الفقه الأكبر:27
(2)
أبو حنيفة: الفقه الأكبر: 14
(3)
أبو حنيفة: الفقه الأكبر: 14
(4)
أبو حنيفة: الفقه الأبسط: 135
(5)
ابن عبدالبر: التمهيد: 7/ 138 - 151
(6)
ابن عبدالبر: التمهيد: 7/ 138
(7)
ابن القيم: اجتماع الجيوش الإسلامية: 2/ 165، وانظر: ابن تيمية: مجموع الفتاوى: 4/ 181 - 183
ـ " إذا سمعت الرجل يقول: الاسم غير المسمى، أو الشيء غير الشيء، فاشهد عليه بالزندقة "
(1)
.
ـ " الحمد لله
…
الذي هو كما وصف به نفسه، وفوق ما يصفه به خلقه "
(2)
.
ـ " نثبت هذه الصفات التي جاء بها القرآن، ووردت بها السنة، وننفي التشبيه عنه، كما نفى عن نفسه فقا ل: " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ" (الشورى 11) "
(3)
.
4 ـ الإمام أحمد بن حنبل: يقول:
ـ " لم يزل الله عز وجل متكلماً، والقرآن كلام الله عز وجل غير مخلوق، وعلى كل جهة، ولا يوصف الله بشيء أكثر مما وصف به نفسه عز وجل "
(4)
.
ـ " وسُئل عن الأحاديث التي تردها الجهمية في الصفات، والرؤية، والإسراء، وقصة العرش، فصححها، وقال: تلقتها الأمة بالقبول، تمر الأخبار كما جاءت "
(5)
.
ـ " نحن نؤمن بأن الله على العرش كيف شاء، وكما شاء، بلا حد، ولا صفة يبلغها واصف، أو يحده أحد، فصفات الله منه وله، وهو كما وصف نفسه، لا تدركه الأبصار "
(6)
.
هذه نقول لأعلام الأمة، في هذا النوع من التوحيد، وكان هذا معلوماً عند أهل العلم من الطوائف، " أن مذهب السلف: إمرار آيات الصفات، وأحاديثها كما جاءت، من غير تأويل، ولا تحريف، ولا تشبيه، ولا تكييف، فإن الكلام في الصفات، فرع على الكلام في الذات المقدسة، وقد عَلِم المسلمون، أن ذات الباري موجودة حقيقة، لا مثل لها، وكذلك صفاته تعالى موجودة، لا مثل لها "
(7)
.
(1)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى: 6/ 187
(2)
الشافعي: الرسالة: مكتبة الحلبي، مصر، ط 1، 1358 هـ (8)
(3)
الذهبي: سير أعلام النبلاء: 8/ 270 - 15/ 123
(4)
حنبل بن إسحاق: المحنة: 68
(5)
ابن أبي يعلى: طبقات الحنابلة: دار المعرفة، بيروت، (1/ 56)
(6)
ابن تيمية: درء تعارض العقل والنقل: 2/ 30
(7)
الذهبي: سير أعلام النبلاء: 7/ 380
ولذا يقول نعيم بن حماد: " من شبه الله بخلقه كفر، ومن أنكر ما وصف به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه "، يقول الذهبي معلقاً عليه: " قلت: هذا الكلام حق، نعوذ بالله من التشبيه، ومن إنكار أحاديث الصفات، فما ينكر الثابت منها من فَقُهَ، وإنما بعد الإيمان بها هنا مقامان مذمومان:
المقام الأول: تأويلها وصرفها عن موضوع الخطاب، فما أولها السلف، ولا حرفوا ألفاظها عن موضعها، بل آمنوا بها، وأمروها كما جاءت.
المقام الثاني: المبالغة في إثباتها، وتصورها من جنس صفات البشر، وتشكلها في الذهن، فهذا جهل وضلال، وإنما الصفة تابعة للموصوف، فإذا كان الموصوف عز وجل لم نره، ولا أخبرنا أحد أنه عاينه، مع قوله لنا في تنزيله:" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ "(الشورى 11)، فكيف بقي لأذهاننا مجال، في إثبات كيفية البارئ، تعالى الله عن ذلك، فكذلك صفاته المقدسة نقر بها، ونعتقد أنه حق، ولا نمثلها أصلاً، ولا نتشكلها "
(1)
. فالواجب في هذا الباب: الإقرار والإمرار، يقول الذهبي:" سُئل الأديب أبو المظفر عن أحاديث الصفات، فقال: تُقر وتُمر "
(2)
، ونقل عن الخطيب البغدادي قوله:" أما الكلام في الصفات، فإن ما رُوي منها في السنن الصحاح، مذهب السلف إثباتها، وإجراؤها على ظواهرها، ونفي الكيفية والتشبيه عنها "
(3)
.
ومن هنا نعلم أن السلف كانوا ينهون عن الخصومة والجدال في الدين، والسير على منهج أهل الكلام، ومن ألطف ما نُقل في هذا الباب، ما قاله القاضي أبو يوسف:" العلم بالخصومة والكلام، جهلٌ، والجهل بالخصومة والكلام، علم "، يقول الذهبي معلقاً:" قلت: مثاله شبهٌ وإشكالات من نتائج أفكار أهل الكلام، تُورَدُ في الجدال على آيات الصفات وأحاديثها، فيكفِّر هذا هذا، وينشأ الاعتزال، والتجهم، والتجسيم، وكل بلاء، نسأل الله العافية "
(4)
.
(1)
الذهبي: سير أعلام النبلاء: 9/ 27
(2)
الذهبي: سير أعلام النبلاء: 14/ 245
(3)
الذهبي: سير أعلام النبلاء: 13/ 425
(4)
الذهبي: سير أعلام النبلاء: 7/ 471
وقد رد عليهم الإمام السمعاني فقال: " والأصل الذي يُؤسسه المتكلمون، والطرائق التي يجعلونها قاعدة علومهم، مسألة العرض والجوهر وإثباتهما، وأنهم قالوا: إن الأشياء لا تخلو من ثلاثة أوجه: إما أن يكون جسماً، أو عرضاً، أو جوهراً. فالجسم: ما اجتمع من الافتراق، والجوهر: ما احتمل لأعراض، والعرض: ما لا يقوم بنفسه، وإنما يقوم بغيره، وجعلوا الروح من الأعراض، وردوا أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلق الروح قبل الجسد؛ لأنه لم يوافق نظرهم وأصولهم
…
ولهذا قال بعض السلف: إن أهل الكلام أعداء الدين؛ لأن اعتمادهم على حدسهم وظنوهم، وما يُؤدي إليه نظرهم وفكرهم، ثم يعرضون عليه الأحاديث، فما وافقه قبلوه، وما خالفه ردوه "
(1)
.
ولذا يجب أن تُجرى الصفات على حقيقتها، وهو مذهب السلف، يقول القصَّاب:" كل صفة وصف الله بها نفسه، أو وصفه بها رسوله، فليست صفة مجاز، ولو كانت صفة مجاز لتحتم تأويلها، ولقيل: معنى البصر كذا، ومعنى السمع كذا، ولفسِّرت بغير السابق إلى الأفهام، فلما كان مذهب السلف: إقرارها بلا تأويل، عُلِم أنها غير محمولة على المجاز، وإنما هي حق بيِّن "
(2)
.
(1)
الأصبهاني: الحجة في بيان المحجة: 2/ 148
(2)
الذهبي: سير أعلام النبلاء: 12/ 264
وأهل السنة وسط في هذا الباب، يقول الإمام ابن تيمية:" وهم وسط في باب صفات الله سبحانه وتعالى، بين أهل التعطيل الجهمية، وبين أهل التمثيل المشبهة "
(1)
، وبيان ذلك بقوله في موطن آخر:" وسط بين أهل التعطيل الذين يُلحدون في أسماء الله وآياته، ويعطلون حقائق ما نعت الله به نفسه، حتى يشبهوه بالعدم والموات، وبين أهل التمثيل الذين يضربون له الأمثال، ويشبهونه بالمخلوقات "
(2)
إذ أهل السنة " يصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه بن رسله، من غير تعطيل، ولا تمثيل، إثباتاً لصفات الكمال، وتنزيهاً له عن أن يكون له فيها أنداداً، وأمثال، إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل "
(3)
.
وقد أبان الإمام السمعاني، عن بعض ملامح المنهج السلفي وقواعده في هذا الباب، وهو موافق لمذهب السلف الصالح، ومن هذه القواعد:
1 ـ أهل السنة لا يكيفون صفات الله تعالى، يقول السمعاني:" وهو كما وصف به نفسه من غير تكييف "
(4)
، وقد سار السمعاني على هذا في تفسيره لآيات الصفات ومن ذلك قوله:
ـ في صفة الكلام لله تعالى: " وهذا مذهب أهل السنة، أنه سمع كلام الله حقيقة، بلا كيف "
(5)
، وقال:" قال الزجاج والنحاس وغيرهما: كلم الله موسى عند الشجرة بلا كيف "
(6)
.
ـ وفي صفة اليد لله تعالى: " وأما اليد: صفة لله تعالى بلا كيف، وله يدان "
(7)
.
ـ وفي صفة الوجه لله تعالى: " والوجه: صفة لله تعالى بلا كيف، وجه لا كالوجوه "
(8)
.
ـ وفي صفة الاستواء لله تعالى: " وأما أهل السنة فيتبرؤون من هذا التأويل، ويقولون: إن الاستواء على العرش صفة لله تعالى، بلا كيف "
(9)
.
(1)
ابن تيمية: العقيدة الواسطية: أضواء السلف، الرياض، ط 2، 1420 هـ، (82).
(2)
ابن تيمية: الصفدية: 1/ 71
(3)
ابن تيمية: الجواب الصحيح: 1/ 71
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 177
(5)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 503
(6)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 137
(7)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 51
(8)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 108
(9)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 188
ـ وفي صفة النزول لله تعالى: " وهو نزول يوم القيامة لفصل القضاء بلا كيف "
(1)
.
وقال: " وفي تفسير النقاش: انشقت لنزول الرب عز اسمه، وهو بلا كيف "
(2)
.
ـ وفي صفة المعية: " وقال الحسن: هو معكم بلا كيف "
(3)
. وقد نقل الإمام الأشعري الإجماع على ما أشار إليه السمعاني، فقال:" وأجمعوا على وصف الله تعالى بجميع ما وصف به نفسه، ووصفه به نبيه صلى الله عليه وسلم من غير اعتراض فيه، ولا تكييف له، وأن الإيمان به واجب، وترك التكييف له لازم "
(4)
.
2 ـ أن أهل السنة لا يمثلون صفات الله تعالى بخلقه، يقول تعالى:" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ "(الشورى 11)، وقال تعالى:" وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) "(الصمد 4)، يقول السمعاني:" لم يكن له شبيه ولا عدل، وليس كمثله شيء "
(5)
.
وذكر السمعاني خلاف النحويين في معنى الكاف وتقديرها في قوله تعالى: " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ "(الشورى 11):
1 ـ أنها زائدة
(6)
، ومعناه: ليس مثله شيء.
2 ـ أنها لغة تهامة يقولون: أنا كمثلك أو أنت كمثلي، أي: أنت مثلي، وأنا مثلك.
3 ـ قال ثعلب: ليس كهو شيء، وهو الذي فسَّره به في موطن آخر.
(7)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 6/ 83
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 6/ 186
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 365
(4)
الأشعري: رسالة إلى أهل الثغر: 133
(5)
السمعاني: تفسير القرآن: 6/ 303
(6)
أكثر النحويين على أنها زائدة للتوكيد، وتقديرها " ليس شيء مثله ". وقال بعضهم: الكاف غير زائدة، وإنما (مثل) زائدة، زيدت لتفصل الكاف من الضمير، ونوقش: بأن زيادة الحرف أولى من زيادة الاسم. وقيل الكاف ومثل، لا زائد منهما، واختلفوا، فقيل:(مثل) بمعنى الذات، والمعنى: ليس كذاته شيء، وقيل: بمعنى الصفة، والمعنى ليس كصفته شيء. انظر: خالد الأزهري: شرح التصريح على التوضيح: دار الكتب العلمية ـ بيروت، ط 1، 1421 هـ (1/ 655)
(7)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 145
4 ـ وقال أهل المعاني: ولا يستقيم قول من يقول: " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ "، أي: ليس كمثل مثله مثل؛ لأن في هذا إثبات المثل، والله تعالى لا يوصف بالمثل، جل وتعالى عن ذلك.
(1)
وفُسِّر المثل الأعلى في قوله تعالى: " وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى "(الروم 27)، بالصفة الأعلى، والصفة الأعلى: أنه لاشريك له، وليس كمثله شيء.
(2)
وقد نقل الأشعري الإجماع على ما ذكره السمعاني فقال: " وأجمعوا على أنه عز وجل، غير مشبه لشيء من العالم، وقد نبه الله عز وجل على ذلك بقوله: " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ "
(3)
.
3 ـ أن تفسير ما وصف الله تعالى به نفسه، قراءته، وقد نقل السمعاني هذا عن سفيان بن عيينه، فقال:" كل وصف الله به نفسه في الكتاب، فتفسيره قراءته لا تفسير له غيره "
(4)
، ولذا قال رحمه الله في صفة الوجه لله تعالى:" وهو صفة الله تعالى، وتفسيره قراءته، والإيمان به "" والأولى في الأيدي أن يؤمن بها ولا تفسر "
(5)
.
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 66
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 207
(3)
الأشعري: رسالة إلى أهل الثغر: 119
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 164 - 480
(5)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 129 - 4/ 387
وهذا المقصود به، إبقاء هذه النصوص على ظاهرها المراد، دون الخوض فيها بما يحيلها عن معانيها المرادة لله تعالى، بتحريفها أو تكييفها. وليس المقصود قراءتها دون فهم معانيها، فهذا قطعاً غير مراد، يدل عليه: تفسير السمعاني، وغيره من أئمة السلف لنصوص الأسماء والصفات، بمعنى أنهم يبينون معناها، ويكلون حقيقتها، وصفتها وكنهها، لله تعالى، هذا هو المقصود، وإلا فإن كلام السلف مبثوث، مستفيض، مشتهر، في تفسيرهم الحق لهذه النصوص، وإنما أرادوا بإطلاق هذه العبارات، إغلاق الباب أمام المنحرفين بهذه النصوص عن معانيها الحقة، إلى معانٍ باطلة، هي من التقول على الله بغير علم
(1)
. وهذه نقول تُبين المراد: " قال أبو عبيد: ما أدركنا أحداً يُفسِّر هذه الأحاديث، ونحن لا نُفسِّرها "، علق عليه الذهبي:" قلت: قد صنَّف أبو عبيد كتاب غريب الحديث، وما تعرض لأخبار الصفات الإلهية بتأويل أبداً، ولا فَسَّر منها شيئاً. وقد أخبر بأنه ما لحق أحداً يفسرها، فلو كان ـ والله ـ تفسيرها سائغاً، أو حتماً، لأوشك أن يكون اهتمامهم بذلك، فوق اهتمامهم بأحاديث الفروع والآداب، فلما لم يتعرضوا لها بتأويل، وأقروها على ما وردت عليه، عُلِم أن ذلك هو الحق الذي لا حيدة عنه "
(2)
.
ونُقل عن أبي عبيد القاسم بن سلَّام، في الباب الذي يُروى فيه: الرؤية، والكرسي موضع القدمين، وضحك ربنا، وأين كان ربنا، فقال: هذه أحاديث صحاح، حملها أصحاب الحديث، والفقهاء بعضهم على بعض، وهي عندنا حق لا نشك فيها، لكن إذا قيل: كيف يضحك؟ وكيف وضع قدمه؟ قلنا: لا نُفسِّر هذا، ولا سمعنا أحداً يُفسره.
(1)
ينظر: أحمد القاضي: مذهب أهل التفويض، دار العاصمة، الرياض، ط 1، 1416 هـ، (370 - 381)
(2)
الذهبي: سير أعلام النبلاء: 7/ 219
فكلامه هذا يُفسِّر معنى كلامه الأول، إذ المقصود بعدم التفسير هو الدخول فيما لا يجوز، ولا يحل، من التقول على الله بغير علم، والخوض فيما أخفى الله عنا حقائقها، والسكوت عنها هو العلم، وكذا علَّق الإمام الذهبي، على ما ذكره من أثر أبي عبيد، وأوضح المراد فقال: "
…
فعُلِمَ قطعاً أن قراءتها وإمرارها على ما جاءت هو الحق، لا تفسير لها غير ذلك، فنؤمن بذلك، ونسكت اقتداء بالسلف، معتقدين أنها صفات الله تعالى، استأثر الله بعلم حقائقها، وأنها لا تشبه صفات المخلوقين، كما أن ذاته المقدسة لا تماثل ذوات المخلوقين"
(1)
وقال الإمام أبو ذر الهروي: " وقد بيَّنا دين الأمة وأهل السنة، أن هذه الصفات تُمر كما جاءت بغير تكييف، ولا تحديد، ولا تجنيس، ولا تصوير "
(2)
.
وبمثل ما ذُكر يُحمل كلام الإمام السمعاني، حين أطلق على بعض آيات الصفات، أنها من المتشابه، كما قال في قوله تعالى:" وَجَاءَ رَبُّكَ "(الفجر 22): " وهو من المتشابه الذي يُؤمن به ولا يُفسَّر "
(3)
، وهو لا يريد بالمتشابه الذي لا يُعلم معناه الحق، بل يقصد بالمتشابه، حقائق المعاني وكيفياتها، فهذا مما اختص الله تعالى بعلمه.
والذي يدل على ذلك، ما ذكره السمعاني بعده، من تأويل أهل الكلام لهذه الصفة، فقال:" وقد أول بعضهم: (وجاء أمر ربك). الصحيح ما ذكرنا "
(4)
، فهو أراد أن يثبت أنه مجيء حقيقي، لا كما يقول هؤلاء، لكن حقيقة مجيئه، مما لا يعلمه إلا الله تعالى.
مع أن شيخ الإسلام ابن تيمية، أشار إلى أنه لا يعلم عن أحد من سلف الأمة، أنه جعل آيات الصفات من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله.
(5)
(1)
الذهبي: سير أعلام النبلاء: 8/ 509
(2)
الذهبي: سير أعلام النبلاء: 13/ 214
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 6/ 222
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 6/ 222
(5)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى: 13/ 294
وعليه يُحمل كلام السمعاني، على إرادة المتشابه المطلق، بمعنى العلم الذي استأثر الله جل وعلا به، فلم يطلعه لأحد من خلقه، كالكيفيات، والصفات، والهيئات، والمواعيد، والمواقيت الغيبية
(1)
.
4 ـ أن أسماء الله تعالى توقيفية، يقول السمعاني:"واعلم أن أسماء الله تعالى على التوقيف"
(2)
، ومعنى توقيفية: أنها موقوفة على ورود النص
(3)
، ولذا يقول السمعاني:"فإنه يُسمى جواداً، ولا يُسمى سخياً، وإن كان في معنى الجواد، ويُسمى رحيماً، ولا يسمى رقيقاً، ويسمى عالماً، ولا يُسمى عاقلاً، وعلى هذا لا يُقال: يا خادع، يا مكار، وإن ورد في القرآن: "يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ" (النساء 142)، "وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ " (الأنفال 30)، لكن لما يرد الشرع بتسميته به، لم يجز ذلك له "
(4)
، وهذا هو الصحيح، وهو الذي نص عليه الأئمة ـ كما سبق ـ، بألا يتجاوز القرآن والحديث.
(1)
ينظر: أحمد القاضي: مذهب أهل التفويض: 298 - 312
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 235
(3)
هل يُسمى الله (شيء)؟ لا، وإن كان يجوز إطلاقه على الله وصفاته، فيقال الله شيء وصفاته شيء، كما قال تعالى:" قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ "(الأنعام 19)، قال السمعاني:"واستدلوا بهذا على أن الله شيء "، فيكون من باب الإخبار. السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 93، ابن تيمية: مجموع الفتاوى: 6/ 142
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 235
وقد ذكر ابن عطية خِلاف الناس في الاسم الذي يقتضي مدحاً خالصاً، ولا يتعلق به شبهة ولا اشتراك، إلا أنه لم ير منصوصاً، هل يطلق ويُسمى به الله؟ فقال: " فنص الباقلاني على جواز ذلك، ونص أبو الحسن الأشعري على منع ذلك، والفقهاء والجمهور على المنع، وهو الصواب، أن لا يُسمى الله تعالى إلا باسم قد أطلقته الشريعة، ووقفت عليه أيضاً
…
واختلف أيضاً في الأفعال التي في القرآن، مثل قوله:" اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ"(البقرة 15)، "وَمَكَرَ اللَّهُ "(آل عمران 54)، ونحو ذلك، هل يُطلق منها اسم الفاعل؟ فقالت فرقة: لا يُطلق ذلك بوجه، وجوزت فرقة أن يُقال ذلك مقيداً بسببه، فيقال: الله مستهزئ بالكافرين، وماكر بالذين يمكرون، وأما إطلاق ذلك دون تقييد، ممنوع إجماعاً، والقول الأول أقوى، ولا ضرورة تدفع إلى القول الثاني؛ لأن صيغة الفعل الواردة في كتاب الله تُغني "
(1)
.
ويقول ابن القيم: " أنه لا يلزم من الإخبار عنه بالفعل مقيداً، أن يشتق له منه اسم مطلق، كما غلط فيه بعض المتأخرين، فجعل من أسمائه الحسنى، المضل، الفاتن، الماكر، تعالى الله عن قوله، فإن هذه الأسماء لم يطلق عليه سبحانه منها، إلا أفعال مخصوصة معينة، فلا يجوز أن يُسمى بأسمائها المطلقة "
(2)
.
أما ما كان محموداً في حال دون حال، فهذا يوصف به في الحال الذي يكون فيها محموداً، ولا يُسمى به على الإطلاق، كالمكر، والخداع، والاستهزاء، والكيد، فهذه أوصاف إذا ذكرت في مقابل من يعامل بهذه الأوصاف، صارت أوصافاً محمودة، فيوصف الله بها، وإلا فلا "
(3)
.
وقد أشار السمعاني لأمثلة على هذه القاعدة، ومنها غير ما ورد ذكره:
(1)
ابن عطية: المحرر الوجيز: 2/ 280
(2)
ابن القيم: بدائع الفوائد: 1/ 162
(3)
العثيمين: شرح صحيح البخاري: مكتبة الطبري، القاهرة، ط 1، 1429 هـ، (8/ 289)
1 ـ موقناً: فلا يُسمى الله بهذا الاسم؛ لأنه ناتج عن استدلال، وما كان كذلك، فلا يُسمى الإيقان واليقين: علم عن استدلال، وكذلك لا يُسمى الله تعالى مؤمناً؛ إذ ليس علمه عن استدلال "
(1)
.
2 ـ قائماً: لا يجوز أن يُسمى الله جل وعز، قائماً؛ لأنه لم يرد به الشرع، وإنما يوصف بالقيام على التقييد، يقول السمعاني في قوله تعالى:" أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ "(الرعد 33)، أكثر المفسرين أن قوله:" أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ " هو الله، والله تعالى لا يجوز أن يُسمَّى قائماً على الإطلاق؛ لأن الشرع لم يرد به؛ ولأن القائم هو المنتصب، ويجوز أن يوصف بالقيام على التقييد، وهو أنه قائم على كل نفس بما كسبت"
(2)
.
3 ـ رمضان: رُوي عن مجاهد: أنه اسم من أسماء الله تعالى، ولذلك لا يُجمع على رمضانات، وروي هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم غريباً. قال السمعاني:" والصحيح أنه اسم الشهر "
(3)
. وقد نُقل عن مجاهد وعطاء أنهما كانا يكرهان أن يُقال رمضان، قالا: وإنما نقول ما قال الله تعالى: " شَهْرُ رَمَضَانَ "(البقرة 185)، لأنا لا ندري لعل رمضان اسم من أسماء الله، قال ابن النحاس: وهذا قول ضعيف؛ لأنا وجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رمضان) بغير شهر
(4)
. وأما الحديث الوارد فيه، فقد حكى العلماء تضعيفه، وقال ابن كثير:" وقول من قال: إن اسم من أسماء الله، خطأ لا يعرج عليه، ولا يلتفت إليه "
(5)
.
4 ـ الأحرف المقطعة: نقل السمعاني عن بعض السلف، أن الأحرف المقطعة من أسماء الله تعالى.
ـ عن ابن عباس: أن (الر، و حم، و ن) نظم قوله الرحمن، ونُقل عن سعيد بن جبير
(6)
.
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 45
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 96
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 181
(4)
ابن بطال: شرح صحيح البخاري: 4/ 19
(5)
ابن حجر: فتح الباري: 4/ 113، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم: 4/ 147
(6)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 62 - 323 - 5
ـ وعن ابن عباس: أن (حم ـ عسق) اسم الله الأعظم
(1)
.
ـ وعن علي: أن (كهيعص) اسم من أسماء الله تعالى
(2)
.
أولاً: نقل السمعاني خِلافاً طويلاً في الأحرف المقطعة، حتى قال ابن حجر:" وقد اختلف في هذه الحروف المقطعة التي في أوائل السور، على أكثر من ثلاثين قولاً "
(3)
.
فذكر السمعاني قولان:
(4)
الأول: أنها غير معلومة المعنى، وهو منقول عن الشعبي وجماعة من المتقدمين، قال:"والفائدة من ذكرها: طلب الإيمان بها، وأن يُعلم أنها من عند الله تعالى "
(5)
.
وفي هذا يقول ابن العربي المالكي: " وقد تحصَّل لي فيها عشرون قولاً وأزيد، ولا أعرف أحداً، يحكم عليها بعلم، ولا يصل فيها إلى فهم "
(6)
.
الثاني: أنها معلومة المعنى، واختلفوا في المراد منها على أقوال:
1 ـ أن كل حرف منها يدل على معنى، قال ابن عباس: معنى قوله (الم): أنا الله أعلم، و (المص) معناه: أنا الله أعلم وأفصل، وفي (المر): أنا الله أعلم وأرى، وفي (الر): أنا الله أرى، واستحسنه الزجاج، وقال: وبمثله قالت العرب، فإن العرب قد تأتي بحرف، وتريد به معنى.
2 ـ أنها أسماء للقرآن، قاله قتادة.
3 ـ أنها أسماء للسور، قاله مجاهد.
4 ـ أنها قسم، أقسم الله بها؛ لشرفها وفضلها؛ لأنها مباني كتبه المنزلة.
وهذا ملخص ما ذكره السمعاني، وإلا فإن هناك أقوال أخرى، حكيت في المسألة.
أما ما يتعلق بأنها من أسماء الله تعالى، أو أنها اسم الله الأعظم، فهذا وإن ورد فيه النقل عن بعض السلف، إلا أنه يعوزه أمران:
الأول: إثبات صحة ما ورد عنهم بالسند الصحيح.
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 62
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 276
(3)
ابن حجر: فتح الباري: 8/ 554
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 41
(5)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 41
(6)
ابن حجر: فتح الباري: 11/ 351
الثاني: إن صَحَّ السند فيه، فيقال: قد قال غيرهم بخِلافه، فليس قول بعضهم أولى ببعض، مع أنه لم يرد فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يُذكر، وإلا لكان فاصلاً للنزاع، يقول الشوكاني: " ثم هاهنا مانع آخر: وهو أن المروي عن الصحابة في هذا مختلف متناقض، فإن عملنا بما قاله أحدهم دون الآخر، كان تحكماً لا وجه له، وإن عملنا بالجميع، كان عملاً بما هو مختلف متناقض، ولا يجوز.
ثم هاهنا مانع غير هذا المانع، وهو: أنه لو كان شيء مما قالوه، مأخوذاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، لاتفقوا عليه ولم يختلفوا، كسائر ما هو مأخوذ عنه، فلما اختلفوا في هذا، علمنا أنه لم يكن مأخوذاً عن النبي صلى الله عليه وسلم
…
"
(1)
.
وفي هذا الكم المتراكم من الأقوال، يقول الشيخ الشنقيطي: " أما القول الذي يدل استقراء القرآن على رجحانه فهو: أن الحروف المقطعة، ذُكرت في أوائل السور التي ذُكرت فيها، بياناً لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها، وحكى هذا القول الرازي في تفسيره عن المبرِّد، وجمع من المحققين، وحكاه القرطبي عن الفراء، وقطرب، نصره الزمخشري في الكشاف.
قال ابن كثير: "وإليه ذهب الشيخ الإمام العلامة أبو العباس بن تيمية، وشيخنا الحافظ المجتهد أبو الحجاج المزي، وحكاه لي عن ابن تيمية "
(2)
.
(1)
الشوكاني: فتح القدير: دار ابن كثير، دمشق، ط 1، 1414 هـ (1/ 38)
(2)
الشنقيطي: أضواء البيان: 2/ 166
وقد تقرر أن أسماء الله تعالى كلها حُسنى، وأنها على التوقيف الصحيح، ولذا يقول المناوي
(1)
: " ومن زعم أن (حم) اسم من أسماء الله، ففيه نظر؛ لأن أسماءه تقدست، ما منها شيء إلا وهو صفة مقصودة، مفصحة عن ثناء وتحميد، و (حم) ليس إلا حرفين من حروف المعجم، فلا معنى تحته يصلح لكونه بتلك المثابة"
(2)
.
(1)
المناوي: محمد عبدالرؤوف، (952 هـ ـ ت 1013 هـ)، من كبار العلماء في الدين والفنون، انزوى للبحث والتصنيف، وكان قليل الطعام ـ كثير السهر، فمرض وضعفت أطرافه، فجعل ولده يستملي منه تآليفه، له نحو ثمانين مصنفاً، منها: الكبير والصغير، والتام والناقص، ومنها كنوز الحقائق. الزركلي: الأعلام: 6/ 204.
(2)
المناوي: فيض القدير: المكتبة التجارية، مصر، ط 1، 1356 هـ، (3/ 422)