الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلما تُوفي خلفه ابن أخيه السلطان ألب أرسلان، فملك بعد عمه طغرلبك سبع سنين وستة أشهر وأياما. وكان هو كذلك عادلا في سيرته، كريما رحيما، شفوقا على الرعية، رفيقا بالفقراء، بارا بأهله وأصحابه ومماليكه، كثير الدعاء بدوام النعم به وعليه، كثير الصدقات، يتفقد الفقراء في كل رمضان بخمسة عشر ألف دينار، ولا يعرف في زمانه جناية ولا مصادرة، بل كان يقنع من الرعية بالخراج في قسطين؛ رفقا بهم
(1)
.
وهذه كلها أسباب جعلت ذاك القرن يعيش نوعا من الأمن والاستقرار، خاصة إذا علمنا أن ألب أرسلان اعتمد في الوزارة على نظام الملك، الذي كان حسن السيرة، فكان وزير صدق، يُكرم العلماء والفقراء
(2)
، وكذا استوزره ملكشاه بعد مقتل أبيه.
وفي هذه الفترة المزهرة في حياة أولئك الأعلام الثلاثة العِظام: طغرلبك، وألب أرسلان، وملكشاه، عاش الإمام أبو المظفر السمعاني.
المطلب الثاني: الحالة الاجتماعية:
الفوضى السياسية العارمة، التي عمت أرجاء المشرق والمغرب، كان لها أثر على الواقع والحال الاجتماعي في تلك الدول. فمع الاضطرابات السياسية: تكثر الحروب، والسرقات، وينتهز الوجهاء والأمراء الفرصة المواتية، للانقضاض على مقاليد السلطة والحكم، مما ينتج عن ذلك: إنفاق هائل للثروات، وهدر للأموال، وهذا بدوره يؤدي إلى فقدان الأمن المعيشي، والاهتزاز الاجتماعي، واضطراب الأمن في البلدان.
فالواقع الذي شهده التأريخ في القرن الخامس، كان مزريا، مليئا بالآلام. فعانت الأمم من توترات أمنية، ونقص معيشي حاد، أُزهقت بسببه الأرواح والمُهج.
ومما زاد الأمر سوءً أن العيارين
(3)
(1)
المرجع السابق: (12/ 130).
(2)
المرجع السابق: (12/ 111).
(3)
العيارون: يقول ابن الأنباري في: الزاهر في معاني كلام الناس: مؤسسة الرسالة -بيروت، ط 1 - 1412 هـ (1/ 153):" قال أهل اللغة: العيار معناه في كلامهم: الذي يخلي نفسه وهواها، ولا يردعها ولا يزجرها، وقالوا: هو مأخوذ من عارت الدابة: إذا انفلتت. وقال آخرون: الأصل في هذا أن يُقال: تعاير القوم، إذا ذكروا العار بينهم، ثم قيل لكل من تكلم بفحش قد تعاير ".
وهذا الوصف إذا أُطلق في كتب التأريخ أُريد به الذم، وإن كان هذا اللفظ يُطلق ويُراد به الذم أو المدح، لكن في هذا المقام يُراد به ما يُرادف الرعاع والأوباش والطرارين، وهي فئة خارجة عن النظام والقانون، ويقوى ساعدهم، ويشد عودهم، أيام انحلال الدول، وضعف الأنظمة، وغياب القانون. ويترافق بظهورهم الفتن المذهبية، والقلاقل السياسية، والاضطرابات العنصرية. ينظر: مقال لمحمد سعيد رضا، من قسم التأريخ، كلية التربية، بغداد العراق، 31 أكتوبر 2012، موقع إنسانيات الإلكتروني على الشبكة العنكبية.
نشطوا في غيهم وفسادهم، وخرقوا هيبة السلطان، وأراقوا الدماء
(1)
، بل كانوا على أشد الفجور، وأعظم الخطيئة، يقول الإمام ابن الجوزي عن أحداث سنة 426 هـ:" ثم اشتد أمر العيارين، وكاشفوا بالإفطار في رمضان، وشرب الخمر، وارتكاب الفجور "
(2)
.
وكان الأمر المؤلم لهذه الشعوب المقهورة، أن العيارين صاروا يأخذون أموالهم ليلا ونهارا، ولا مانع لهم؛ لأن السلطان كان عاجزا عن قهرهم، ولذا انتشروا في البلاد، فنهبوا النواحي، وقطعوا الطريق، وبلغوا إلى أطراف بغداد، حتى وصلوا إلى جامع المنصور، وأخذوا ثياب النساء في المقابر
(3)
.
فعدم استقرار الأمن، هو نتيجة لما تمر به الدول من الفوضى السياسية، وأما فقدان الأمن المعيشي، فقد بلغ في هذه الأمة مبلغه، حتى لا يكاد المرء يُصدق ما يقرؤه.
فالغلاء الفاحش الذي أضر بالناس لم يستثن أحدا، فارتفعت الأسعار، وفشت الأوبئة، وصار أمر الناس في عُسر.
ففي بدايات هذا القرن الذي نتحدث عنه، " اشتد الغلاء بخراسان جميعها، وعُدِمَ القوت، حتى أكل الناس بعضهم بعضا. فكان إنسان يصيح: الخبز الخبز ويموت، ثم تبعه وباء عظيم، حتى عجز الناس عن دفن الموتى "
(4)
.
وفي منتصف هذا القرن، كان الغلاء والوباء عاما في البلاد جميعها: مكة، والعراق، والموصل، والجزيرة، والشام، ومصر، وغيرها من البلاد
(5)
.
وفي أواخر هذا القرن، عم الغلاء دامغان
(6)
، حتى شُوهد رجل يأكل كلبا مشويا في الجامع، وإنسان يُطاف به في الأسواق، وفي عنقه يد صبي قد ذبحه وأكله
(7)
.
(1)
ابن الجوزي: المنتظم: (15/ 170).
(2)
ابن الجوزي: المنتظم: (15/ 246).
(3)
ابن الأثير: الكامل في التأريخ: دار الكتاب العربي - بيروت، ط 1 - 1417 هـ، (7/ 568)، ابن كثير: البداية والنهاية: (12/ 44).
(4)
ابن الأثير: الكامل في التأريخ: (7/ 573).
(5)
المرجع السابق: (8/ 74).
(6)
دامغان: بلد كبير بين الري ونيسابور. ينظر: الحموي: معجم البلدان: (1/ 365).
(7)
ابن الجوزي: المنتظم: (17/ 66).