الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: الإيمان بالرسل عليهم السلام:
الإيمان بالرسل عليه السلام، ركن من أركان الإيمان، لا يصح إيمان عبد، حتى يُؤمن بهم، ولذا فإن الله تعالى، " قد حتم على نفسه، ألا يقبل الإيمان إلا به، إلا مقروناً بالإيمان برسله، ومن لم يفعل ذلك فهو كافر، لقوله تعالى:"{وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} [النساء:151 - 152] "
(1)
.
والعجب كل العجب، لمن يزعم أنه لا فائدة في بعث الأنبياء؛ لأن العقل يُغني عنهم، ويهدي إلى الأفعال المنجية في الآخرة. أو من يرى أن حقيقة النبوة يرجع إلى المصلحة والحكمة، وأن المقصود من تعبداتها ضبط عوام الخلق، وتقييدهم عن التقاتل والتنازع، والاسترسال في الشهوات، حتى قال بعضهم: فما أنا من العوام الجُهال، حتى أدخل في حجر التكليف، وإنما أنا من الحكماء، اتبع الحكمة، وأنا بصير بها، مستغنٍ فيها عن التقليد.
(2)
وهؤلاء جهلوا أن " الرسالة ضرورية للعباد، لا بد لهم منها، وحاجتهم إليها فوق حاجتهم إلى كل شيء. والرسالة روح العالم، ونوره، وحياته، فأي صلاح للعالم إذا عُدم الروح، والحياة، والنور؟ والدنيا ملعونة، إلا ما طلعت عليه شمس الرسالة "
(3)
. فلا بد من الأنبياء، ولا غنى عنهم بوجه ولا حال، بل حاجة الناس إلى الأنبياء، كحاجة الأعمى إلى الأولاد، فكما لا يمشي الأعمي إلى بدليل، فكذلك العقل أعمى في أمور الآخرة، لا يهتدي إليها إلا بدليل
(4)
. حتى إن بعض العلماء قال: إن الكلام في النبوات مقدم على الكلام في الملائكة؛ لأنه لا طريق لنا إلى معرفة وجود الملائكة بالعقل، بل بالسمع، فكان الكلام في النبوات أصلاً للكلام في الملائكة
(5)
. وهذا وإن قيل به، إلا أنه ترتيب واعتبار ذهني، لكن المراعى في ترتيب الآية القرآنية هو الترتيب الخارجي؛ لأن الملك يوجد أولاً، ثم يحصل بواسطة تبليغه نزول الكتب، ثم يصل ذلك الكتاب إلى الرسول.
(6)
فالإيمان بالرسل أصل معتبر في الإيمان، ويدخل تحته، الإيمان بنبوتهم، وصحة شرائعهم
(7)
، والله جل وعلا قد شرح أحوال بعضهم، وأبهم أحوال الباقين، قال سبحانه:{مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [غافر:78].
(1)
القصري: شعب الإيمان: 297
(2)
ابن تيمية: شرح الأصفهانية: 117
(3)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى: 9/ 93
(4)
القصري: شعب الإيمان: 297
(5)
الرازي: مفاتيح الغيب: 2/ 384
(6)
الرازي: مفاتيح الغيب: 5/ 215
(7)
الرازي: مفاتيح الغيب: 5/ 215
والإيمان واجب بكل الأنبياء، قال الضحاك:" علموا أولادكم أسماء الأنبياء المذكورين في القرآن، كي يؤمنوا بهم، ولا تظنوا أن الإيمان بمحمد يكفي عن الإيمان بسائر الأنبياء "
(1)
.
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} [الرعد:21]، يقول السمعاني:" يعني: يؤمنون بجميع الأنبياء "
(2)
. والنبوة محض فضل من الله تعالى، على من يشاء من عباده، قال سبحانه:{بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [البقرة:90]، والفضل هو النبوة على الأنبياء.
(3)
ويقول تعالى: {وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:105]، يقول السمعاني:" قال ابن عباس وأكثر المفسرين: الرحمة بمعنى النبوة هاهنا "
(4)
. أما الفلاسفة فيرون أن النبوة مكتسبة، فصار كثير منهم يطلب أن يصير نبياً؛ لأن النبي عندهم تكون له كمال القوة العلمية، وكمال قوة السمع والبصر، وكمال قوة النفس، بحيث يعلم، ويسمع، ويبصر، ما يقصر غيره عنه، ويفعل في العالم بهمته، ما يعجز عنه غيره.
(5)
وقد انصب اهتمام السمعاني في بيان هذا الركن على عدة جهات:
1 -
تعريف النبوة والرسلة، والفرق بينهما.
2 -
معرفة أسماء الأنبياء الواردة في القرآن الكريم.
3 -
بيان خصائص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأشار إلى عدة مسائل:
(الوحي، والعصمة، والمعجزات).
4 -
خَصَّ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بمزيد عناية وبيان، فأشار إلى:
(أسمائه ونسبه، وبعض خصائصه، وحكم تنقصه وأذيته؟).
والمتتبع لكلام السمعاني يجد التحقيق والتدقيق في المسائل، والسير على المنهج القرآني، وكلامه يُعد تأصيلا للمنهج الصحيح، وردا على المناهج والآراء المخالفة، سواء من أنكر النبوات مطلقا، أو أعمل عقله الفاسد في هذا الباب، وسيظهر في ثنايا هذ المبحث شيء من هذا.
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 144
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 89
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 108
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 120
(5)
ابن تيمية: شرح الأصفهانية: 106