الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: القرآن منزل غير مخلوق:
وهذه هي العقيدة التي نصرها السمعاني في تفسيره، على مقتضى ظواهر نصوص القرآن، ثم أخذ يرد على المخالفين في هذا الباب.
وقد اتفق علماء السلف، وأهل الملة، على أن القرآن كلام الله تعالى، منه بدأ، وإليه يعود، منزل غير مخلوق، وقد حكى الاتفاق جماعات من الأئمة:
ـ يقول عمرو بن دينار
(1)
: أدركت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فمن دونهم، منذ سبعين سنة، يقولون: الله الخالق، وما سواه مخلوق، والقرآن كلام الله، منه خرج، وإليه يعود.
(2)
ـ ويقول سفيان بن عيينة
(3)
: أدركت مشايخنا منذ سبعين سنة، منهم عمرو بن دينار، يقولون: القرآن كلام الله، وليس بمخلوق.
(4)
ـ ويقول ابن حجر: " وسبق ابن عيينة إلى ذلك، محمد بن كعب القرظي، وتبعه الإمام أحمد بن حنبل، وعبدالسلام بن عاصم، وطائفة. أخرج كل ذلك ابن أبي حاتم عنهم "
(5)
.
ـ ويقول الأشعري: " وأجمعوا على أن أمره عز وجل، وقوله غير محدث، ولا مخلوق، وقد دلَّ الله تعالى على صحة ذلك بقوله: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف:54]، ففرق بين خلقه وأمره "
(6)
.
ـ ويقول ابن تيمية: " واتفق سلف الأمة وأئمتها، على أن القرآن كلام الله، منزل غير مخلوق، منه بدأ، وإليه يعود "
(7)
.
ـ ويقول الجرجاني في كتابه: اعتقاد أئمة الحديث: " ويقولون: كلام الله غير مخلوق "
(8)
.
(1)
عمرو بن دينار، الإمام الحافظ، شيخ الحرم، كان من أفقه أهل زمانه، توفي سنة 126 هـ.
ابن العماد: شذرات الذهب: 1/ 171
(2)
البخاري: خلق أفعال العباد: دار المعارف، الرياض، (29)
(3)
سفيان بن عيينة الهلالي، (107 ـ ت 198 هـ) محدث الحرم المكي، حافظ، ثقة، واسع العلم، كبير القدر، له كتاب التفسير. الزركلي: الأعلام: 3/ 104
(4)
البخاري: خلق أفعال العباد: 29
(5)
ابن حجر: فتح الباري: 13/ 533
(6)
الأشعري: رسالة إلى أهل الثغر: 125
(7)
ابن تيمية: شرح الأصبهانية: 20، مجموع الفتاوى: 13/ 83
(8)
الجرجاني: اعتقاد أئمة الحديث، دار العاصمة، الرياض، ط 1، 1412 هـ، (57)
وعلى هذا جرى قول المسلمين، وحصلت لأجله مناظرات، وتبعه ابتلاءات، لأئمة المسلمين؛ لإرغامهم على خلاف ما كان عليه السلف.
وقد فارق أئمة المسلمين وسلفهم الجهمية والمعتزلة، القائلين بخلق القرآن، وحين انتشر فسادهم، وغلب في بعض الأزمان قولهم، تصدى لهم أئمة الإسلام، فردوا عليهم، وبينوا عوار قولهم، وفساد معتقدهم، فألفوا المؤلفات، وصنفوا المصنفات، في الرد على الجهمية والمعتزلة على جهة العموم، والخصوص في هذه المسألة.
وأما معتقد إمامنا السمعاني في هذه المسألة، فقد أبانه وأوضحه، ثم رد على الجهمية والمعتزلة المخالفين لمنهج السلف وإجماعهم.
ويُشار في هذا المقام، إلى أن بعض المعتزلة، قد يطلق على القرآن: أنه غير مخلوق، ومرادهم أنه غير مختلق مفترى مكذوب، بل هو حق وصدق، ولا ريب في أن هذا المعنى منتفٍ باتفاق المسلمين.
(1)
ومذهب السمعاني جارياً على وفق كلام السلف، فيقول:
ـ " مذهب أهل السنة، أنه سمع كلام الله حقيقة، بلا كيف "
(2)
.
ـ " قوله تعالى: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} [الزُّمَر:28]، روى الوالبي عن ابن عباس، أنه قال: " غَيْرَ ذِي عِوَجٍ " أي: غير مخلوق، وحكى سفيان بن عيينة عن سبعين من التابعين: أن القرآن ليس بخالق ولا مخلوق، وهذا اللفظ أيضاً منقول عن علي بن الحسين زين العابدين"
(3)
.
وبعد أن بيَّن السمعاني مذهب أهل السنة، وحكى عليه الإجماع، كما قال:" والقرآن كلام الله غير مخلوق، وعليه إجماع أهل السنة، وزعموا أن من قال: إنه مخلوق فهو كافر؛ لأن فيه نفي كلام الله تعالى "
(4)
، وذكر قول المعتزلة، وتعلقهم الباطل، ببعض الدلائل القرآنية، فقال:
(1)
ابن أبي العز: شرح الطحاوية: 56
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 3 - 5
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 468
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 90
ـ " قوله تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء:2]، استدل المعتزلة بهذا على أن القرآن مخلوق، وقالوا: كل محدث مخلوق. والجواب عنه: أن معنى قوله " مُحْدَثٍ " أي: مُحدث تنزيله، ذكره الأزهري وغيره، ويُقال: أنزل في زمان بعد زمان، قال الحسن البصري: كلما جدد لهم ذكر، استمروا على جهلهم، وذكر النقاش في تفسيره: إن الذكر المحدث ها هنا: ما ذكره النبي صلى الله عليه سلم، وبينه من السنن والمواعظ، الدلائل سوى القرآن، وأضافه إلى الرب؛ لأنه قاله بأمر الرب تعالى "
(1)
.
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 368
ـ وقال: " قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزُّخرُف:3]، واستدل بهذا من زعم أن القرآن مخلوق، وذكر أن الجعل بمعنى الخلق، بدليل قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا} [طه:53]، أي: خلق لكم، وعندنا أن هذا التعلق باطل، والقرآن كلام الله غير مخلوق. وقد ورد الجعل في القرآن، لا بمعنى الخلق، قال تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} [الزُّخرُف:19]، ومعناه: أنهم وصفوهم بالأنوثة، وليس المعنى أنهم خلقوهم "
(1)
. ولذا كان هذا القول من شرِّ الأقوال، يقول وكيع:" لا تستخفوا بقولهم: القرآن مخلوق، فإنه من شر أقوالهم، وإنما يذهبون إلى التعطيل "
(2)
، يقول البخاري:" ولقد اختصم يهودي ومسلم إلى بعض معطليهم، فقضى باليمين على المسلم، فقال اليهودي: " حلِّفه بالخالق لا بالمخلوق، فإن هذا في القرآن، وزعمت أن القرآن مخلوق، فحلَّفه بالخالق، فبهت الآخر، وقال: قوما حتى انظر في أمركما، وخسر هنالك المبطلون "
(3)
. ومن الأدلة التي ذكرها البخاري، على أن كلام الله تعالى غير مخلوق، قال:" باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بكلمات الله، لا بكلام غيره، وقال نُعيم: لا يُستعاذ بالمخلوق، ولا بكلام العباد، والجن، والإنس، والملائكة، وفي هذا دليل أن كلام الله غير مخلوق، وأن سواه مخلوق "
(4)
.
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 90
(2)
البخاري: خلق أفعال العباد: 37
(3)
البخاري: خلق أفعال العباد: 44
(4)
البخاري: خلق أفعال العباد: 96