الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: مسائل في القدر:
أشار السمعاني إلى جملة من المسائل المتعلقة بالقدر، تحتاج إلى بيان، وإيضاح موقفه منها.
المطلب الأول: هل كان الحسن البصري قدرياً
؟!
نقل السمعاني بعض الروايات التي فيها إتهام للحسن، بأنه ينكر القدر، فقال:" وفي بعض التفاسير: أن رجلاً أتى الحسن البصري، وقال: إني طلقت امرأتي ثلاثاً، فقال: عصيت ربك، وبانت منك امرأتك، فقال الرجل: كذلك كان قضاء الله؟ فقال الحسن: كذبت، ما قضى الله، أي: ما أمر الله، وكان الحسن فصيحاً، فلم يفهم الناس قوله، فذكروا أنه ينكر القدر. وفي بعض الروايات أنه قيل له: إن بني أمية يقتلون الناس، ويقولون: كذا قضاء الله، فقال الحسن: كذب أعداء الله، ومعناه ما بيَّنا. وقيل: إنه أنكر جعلهم ذلك علة قتلهم. ذكر ابن قتيبة في المعارف ".
(1)
ولكنه في مقام آخر، ينقل عن الحسن إثباته للقدر، بل التشديد على من أنكره، يقول السمعاني:" وعن الحسن البصري رحمه الله أنه قال: لو صام إنسان حتى يصير كالحبل هزلاً، وصلى حتى يصير كوتد، وذبح ظلماً بين الركن والمقام، ثم كان مكذباً بقدر الله، لأدخله الله النار، ويُقال له: ذق مس سقر ".
(2)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 231
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 319
وهذا الذي ذكره السمعاني آخراً، من إثبات الحسن للقدر، هو الصحيح المثبت المعروف عند أهل العلم، والسبب الذي لأجله أتهم الحسن وغيره بالقدر، هو ماقاله الإمام أحمد حين قيل له: كان ابن أبي ذئب قدرياً، فقال: الناس كل من شدد عليهم المعاصي، قالوا هذا قدري، ولذا قال ابن تيمية:" ولهذا اتهم بمذهب القدر غير واحد، ولم يكونوا قدرية " ثم قال: " وقد قيل: إنه بهذا السبب، نُسب إلى الحسن القدر؛ لكونه كان شديد الإنكار للمعاصي عليهم، ناهياً عنها "
(1)
، ولما نقل الذهبي بعض هذه الأقوال في الحسن، قال:" قلت: وقد مَرَّ إثبات الحسن للأقدار من غير وجه عنه، سوى حكاية أيوب عنه، فلعلها هفوة منه، رجع عنها، ولله الحمد "
(2)
، قال حماد بن سلمة: عن حميد، سمعت الحسن يقول: خلق الله الشيطان، وخلق الخير، وخلق الشر، فقال رجل: قاتلهم الله، يكذبون على هذا الشيخ. وقال أبوسعيد بن الأعرابي: كان يجلس إلى الحسن طائفة من هؤلاء، فيتكلم في الخصوص، حتى نسبته القدرية إلى الجبر، وتكلم في الاكتساب، حتى نسبته السنة إلى القدر، كل ذلك لافتتانه، وتفاوت الناس عنده، وتفاوتهم في الأخذ عنه، وهو برئ من القدر، ومن كل بدعة
(3)
. ويقول أيوب السختياني: " أدركت الحسن ـ والله ـ وما يقوله، يعنى القدر "
(4)
، وقال الأوزاعي:" لم يبلغنا أن أحداً من التابعين تكلم في القدر، إلا الحسن ومكحول، فكشفنا عن ذلك، فإذا هو باطل ".
(5)
ولذا فقد تولى الدفاع عن الحسن، أئمة الإسلام، فعقدوا في مصنفاتهم ما يرد هذه الشبهة:
(1)
ابن تيمية: منهاج السنة: 3/ 24
(2)
الذهبي: سير أعلام النبلاء: 4/ 583
(3)
الذهبي: سير أعلام النبلاء: 4/ 582
(4)
اللالكائي: شرح أصول اعتقاد أهل السنة: 1/ 150
(5)
الذهبي: ميزان الاعتدال: دار المعرفة، بيروت، ط 1، 1382 هـ (4/ 178)
ـ يقول ابن بطة العكبري عن القدرية: " وربما قيل لبعضهم: من إمامك فيما تنتحله من هذا المذهب الرجس النجس، فيدعي أن إمامه في ذلك: الحسن بن أبي الحسن البصري رحمه الله فيضيف إلى قبيح كفره وزندقته، أن يرمي إماماً من أئمة المسلمين، وسيداً من سادتهم، وعالماً من علمائهم بالكفر، ويفتري عليه بالبهتان، ويرميه بالإثم والعدوان؛ ليحسن بذلك بدعته عند من قد خصمه وأخزاه، وأنا أذكر كلام الحسن في القدر، ورده على القدرية، ما يسخن الله به عيونهم، ويظهر للسامعين قبيح كذبهم ـ إن شاء الله تعالى ـ ".
(1)
ـ ويقول أبو الحسين العمراني: " استدل القدري بدامغه، بأخبار أضافها إلى الفقهاء المشهورين من التابعين وغيرهم، مثل عمر بن عبدالعزيز، والحسن البصري، والشعبي، ومالك بن دينار، وقتادة، وغيرهم، مما لا ينكر فضلهم أحد، وهم براء مما أضافه إليهم، ولو طولب بسند الخبر من ذلك، لم يقدر عليه إلا بالتخرص ".
(2)
وكذا قال الشهرستاني، فيما نُسب إلى الحسن في الكلام في القدر، فقال:" ورأيت رسالة تُنسب إلى الحسن البصري، كتبها إلى عبدالملك بن مرون، وقد سأله عن القول بالقدر والجبر، فأجابه فيها بما يوافق مذهب القدرية، واستدل فيها بآيات من الكتاب، ودلائل من العقل. ولعلها لواصل بن عطاء، فما كان الحسن ممن يخالف السلف، في أن القدر خيره وشره من الله تعالى، فإن هذه الكلمات كالمجمع عليها عندهم ".
(3)
وقال الآجري بعد أن ساق روايات عن الحسن تثبت قوله بالقدر: " بطلت دعوى القدرية على الحسن، إذ زعموا أنه إمامهم، يموهون على الناس، ويكذبون على الحسن، لقد ضلوا ضلالاً بعيداً، وخسروا خسراناً مبيناً ".
(4)
(1)
ابن بطة: الإبانة: دار الراية، السعودية، ط 2، 1382 هـ (4/ 178)
(2)
العمراني: الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار: أضواء السلف، الرياض، ط 1، 1419 هـ، (2/ 516)
(3)
الشهرستاني: الملل والنحل: 1/ 47
(4)
الآجري: الشريعة: دار الوطن، الرياض، ط 2، 1420 هـ (2/ 885)