الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 ـ الذكر
(1)
:
ناقش السمعاني فيه ثلاث مسائل:
1 -
أهمية الذكر ومحله، ومدح أهله.
2 -
العموم والخصوص في إطلاق لفظ الذكر.
3 -
ما يشمله الذكر بمعناه الخاص، وذكر تحته: التسبيح والتحميد.
ذكْرُ الله جل وعلا من أجل العبادات، وأسهل الطاعات، اشتركت فيه كل المخلوقات، وذكره تعالى قائم في كل الكائنات.
ولما كان الذِكْر بهذه الميزة العظيمة، والمكانة الجليلة، والتي بها التفرقة بين القلب المعمور والقلب المهجور، تتبع الإمام السمعاني الآيات التي أشارت إلى فضل الذكر، وأصنافه، وأقسامه، وأنواعه، فأفاض-رحمه الله في بيانه، وأسهب في إيضاحه.
وحَصْرُ ما ذكره السمعاني، وأشار إليه في هذا المقام، يُجمل في عدة مسائل:
المسألة الأولى:
أن الله جل وعلا أمر به، وحثَّ عليه، وبَيَّن الفضل المترتب عليه، وهي عبادة قلبية ولسانية، يقول السمعاني:"الذكر يكون بالقلب، ويكون باللسان، هو ضد النسيان "
(2)
.
ومن الآيات الآمرة بالذكر، والحاضة عليه، قول الله جل وعلا:
" فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ"(البقرة 152)،ذكر الإمام السمعاني ثلاثة أقوال في المعنى المراد من الذكر
(3)
.
الأول: بمعنى المدح والثناء عليه، ذكره الإمام الطبري عن الربيع، والسُدِّي
(4)
.
الثاني: قيل معناه: فاذكروني كما أرسلنا، وضعف هذا القول الطبري في تفسيره
(5)
.
(1)
((يقول الإمام القرطبي: " وأصل الذكر: التَنبُّه بالقلب للمذكور، والتيقظ له. وسُمِّي الذكر باللسان ذكراً؛ لأنه دلالة على الذكر القلبي، غير أنه لما كثُر إطلاق الذكر على القول اللساني، صار هو السابق للفهم ". الجامع لأحكام القرآن: 2/ 171
(2)
((السمعاني: تفسير القرآن:1/ 70، يقول الإمام ابن جُزي:"الذكر ثلاثة أنواع: ذكر بالقلب، وذكر باللسان، وبهما معا". التسهيل لعلوم التنزيل 1/ 101
(3)
((السمعاني: تفسير القرآن:1/ 155.
(4)
((الطبري: جامع البيان:3/ 211
(5)
((الطبري: جامع البيان:3/ 209
الثالث: قيل الذكر من العبد الطاعة، ومن الله المغفرة والرحمة، ومعناه: فاذكروني بالطاعة، أذكركم بالمغفرة والرحمة، وهذا القول روي عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، و"روي أن عبد الملك كتب إلى سعيد بن جبير في مسائل، فقال في جوابها: وتسأل عن الذكر، الذكر: طاعة الله، فمن أطاع الله فقد ذكر الله، ومن لم يطعه فليس بذاكر، وإن أكثر التسبيح وتلاوة الكتاب، وتسأل عن قول الله تعالى: "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ" فإن ذلك: إن الله يقول: اذكروني بطاعتي، أذكركم بمغفرتي "
(1)
.
-" وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ"(البقرة 198)، يقول الإمام السمعاني:" أي: واذكروه بالتوحيد والتعظيم، كما ذكركم بالهداية "
(2)
.
-"فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا "(البقرة 200)، يقول الإمام السمعاني:" يعني: اذكروا الله بالتكبير، والتمجيد، والثناء عليه "
(3)
.
-" وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا"(المزمل 8)،يقول الإمام السمعاني:"قال مقاتل: إذا قرأت فقل: بسم الله الرحمن الرحيم، عند افتتاح السورة، وقيل: اذكر ربك"
(4)
.
-" وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا"(الإنسان 25)، يقول الإمام السمعاني:"أي بالغدو والعشي"
(5)
، وقد فسر الإمام السمعاني قوله تعالى:" وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا"(الفرقان 162)، بأن "من أراد ذكرا أو شكراً، فالليل والنهار زمانا الذكر والشكر"
(6)
.
وقد أمر الله جل وعز بذكر الله على كل الأحوال، فقال:" فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ "(النساء 103)، "يعني الذكر بالتسبيح، والتهليل، والتحميد والتمجيد "
(7)
.
(1)
((الواحدي: التفسير الوسيط:1/ 234
(2)
((السمعاني: تفسير القرآن:1/ 202
(3)
((السمعاني: تفسير القرآن:1/ 204
(4)
((السمعاني: تفسير السمعاني:6/ 80
(5)
((السمعاني: تفسير السمعاني:6/ 122
(6)
((السمعاني: تفسير السمعاني:4/ 29
(7)
((السمعاني: تفسير السمعاني:1/ 474.
ولذا أثنى الله تعالى على الذاكرين في كل أحوالهم:"الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ "(آل عمران 191)، قيل معناه:"الذين يوحدون الله كل حال"
(1)
.
-"وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ"(الأحزاب 35): هذه الآية ونحوها مما قيد فيه الذكر بالكثرة، مما رجح به العلماء الذكر على غيره من العبادات، وهذا السر في الذكر، الذي هو الإكثار من الدعاء، وقد ورد في عدة مواضع في الكتاب العزيز، يقول تعالى:
-" إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا"(الأنفال 45).
-" إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا"(الشعراء 227).
-" لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا"(الأحزاب 21).
-" يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا"(الأحزاب 41).
-" وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا"(الجمعة 10).
يقول الإمام ابن جُزي: واعلم أن الذكر أفضل الأعمال على الجملة، وإن ورد في بعض الأحاديث، تفضيل غيره من الأعمال، كالصلاة وغيرها، فإن ذلك لما فيها من معنى الذكر، والحضور مع الله تعالى والدليل على فضيلة الذكر من ثلاثة أوجه:
الأول: النصوص الواردة بتفضيله على سائر الأعمال.
الوجه الثاني: أن الله تعالى حيث ما أمر بالذكر، أو أثنى على الذكر؛ اشترط فيه الكثرة، فقال:" وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا"(الأحزاب 41)،"وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا"(الأحزاب 35)، ولم يشترط ذلك في سائر الأعمال.
الوجه الثالث: أن للذكر مزية هي له خاصة وليست لغيره: وهي الحضور في الحضرة العلية، والوصول إلى القرب بالذي عبَّر عنه ماورد في الحديث من المجالسة والمعية، أن الله تعالى يقول:(أنا جليس من ذكرني)
(2)
، وقد أشار السمعاني لهذا في تفسير قوله تعالى:" وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ "(العنكبوت 45)، وذكر فيه ثلاثة أقوال:
(1)
((السمعاني: تفسير السمعاني:1/ 388.
(2)
((ابن جُزِّي: التسهيل لعلوم التنزيل:1/ 102
الأول: ولذكر الله أكبر، أي: أفضل من كل الطاعات.
والثاني: أي: ولذكر الله إياكم، أكبر من ذكركم إياه.
والثالث: أي: ولذكر الله في الثواب، أكبر من ذكركم في الطاعة
(1)
.
وذكر الإمام السمعاني ضابط الذكر الكثير فقال:
أ ـ أن يذكره في جميع المواطن على السراء والضراء
(2)
.
ب ـ وقيل: حتى يذكره قائما، وقاعدا، ومضطجعا، رواه عن مجاهد
(3)
.
ج ـ وقيل: الذكر الذي يستديم به طاعة الله، وينتهي به عن معصيته
(4)
.
المسألة الثانية:
إن لفظ الذكر يُطلق ويراد به العموم والخصوص، فالخصوص: كالأذكار، وقراءة القرآن، وكل ما يتعلق بذكر اللسان. والعموم: يُراد به كل طاعة وعبادة، ومن ذلك الصلاة، قال تعالى:(وأقم الصلاة لذكري)، قال السمعاني: فيه أقوال: أحدها: لتذكرني فيها
(5)
إن لفظ الذكر يُطلق في القرآن، ويراد به الصلوات المفروضة، ومن ذلك ماحكاه الإمام السمعاني في قوله تعالى:" اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا"(الأحزاب 41)،فقال:" فيه قولان:
احدهما: أن المراد بالذكر الكثير: هو الصلوات الخمس.
الثاني: أن المراد بالذكر الكثير: هو التسبيح، والتحميد، والتهليل، والتكبير، وأشباهها، وهذه الأذكار هي التي لايُمنع منها مسلم بجنابة، ولا حدث، ولا بغير ذلك "
(6)
.
وقوله تعالى:"فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ"(البقرة 239)، يقول السمعاني:"يعني: كما علمكم من أصل الصلاة في حال الأمن"
(7)
.
وذكر أئمة التفسير في معنى الآية قولاً آخر، وهو: الذكر بالثناء عليه، والحمد له سبحانه وتعالى
(8)
.
(1)
- السمعاني: مرجع سابق: 4/ 184
(2)
((السمعاني: تفسير القرآن:4/ 270
(3)
((السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 284
(4)
((السمعاني: تفسير القرآن:4/ 292
(5)
- السمهاني: مرجع سابق: 3/ 324
(6)
((السمعاني: تفسير القرآن:4/ 292
(7)
((السمعاني: تفسير القرآن:1/ 244
(8)
((الماوردي: النكت والعيون:1/ 311
وقوله تعالى:" رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ"(النور 37)، ويقول السمعاني:" فإن قيل: إذا حملتم ذكر الله على الصلوات الخمس، فما معنى قوله:" وَإِقَامِ الصَّلَاةِ"؟ قلنا معناه: حفظ المواقيت، ومن لم يحفظ المواقيت، فلم يُقم الصلاة"
(1)
.وذكر الإمام الطبري هذا عن ابن عباس-رضي الله عنهما
(2)
، وروي عن ابن عمر-رضي الله عنهما
(3)
، وذكر أئمة التفسير أقوالا أخرى في معنى الذكر في الآية: فقيل: عن ذكره بأسمائه وصفاته، وقيل: عن الأذان
(4)
، وقيل: عن ذكر الله باللسان
(5)
.
وقوله تعالى:" فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"(الجمعة 10)، وذكر السمعاني فيها قولان: الأول: الخطبة، والثاني: أنه الصلاة، وصحح الأول
(6)
.
المسألة الثالثة:
أن الذكر يشمل: التسبيح، والتحميد، والتهليل، والتكبير، وغير ذلك.
وقد ذكر السمعاني في تفسيره هذه المعاني، وأنها تدخل في عموم الذكر.
ـ ففي قوله تعالى:" فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا"(النصر 3)، قال:"والأصح أن معناه: اذكره بالتحميد والشكر لهذه النعمة العظيمة، فإن التسبيح هو بمعنى الذكر، فصار معنى الآية على هذا، فاذكر ربك بالتحميد والشكر"
(7)
.
-وفي قوله تعالى:" يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
…
" (الجمعة 1)، يقول: ويُقال: التسبيح لله هو ذكر الله"
(8)
.
(1)
((السمعاني: تفسير القرآن:3/ 535
(2)
((الطبري: جامع البيان:19/ 193
(3)
((ابن الجوزي: زاد المسير:3/ 298
(4)
((الماوري: النكت والعيون:4/ 107
(5)
((ابن الجوزي: زاد المسير:3/ 298
(6)
((السمعاني: تفسير القرآن:5/ 435
(7)
((السمعاني: تفسير القرآن:6/ 296
(8)
((السمعاني: تفسير القرآن:5/ 430
- وفي قوله تعالى:" وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى"(الأعلى 15)، يقول:"ويُقال: الذكر هو التكبير"
(1)
، وقد أفاض السمعاني في ذكر معاني هذه الأذكار، وبعض أحكامها، نُشير إلى بعضها إشارة:
أ ـ التسبيح: التسبيح عبادة أهل السماوات والأرض
(2)
، وهي كلمة تنزيه وتبرئة الرب عن السوء، والتنزيه: ألا يُوصف الرب بوصف لا يليق به.
وقد عَرَّف السمعاني التسبيح بتعاريف متعددة، متقاربة، يجمعها معنى واحد، وهو الثناء على الله، وتعظيمه على وجه ينفي عنه كل سوء، فقال عن التسبيح:
ـ " الثناء على الله بالتبرئة، والتنزيه من العيوب ".
(3)
ـ " تعاظم بالأوصاف الحميدة عما يصفه به المشركون ".
(4)
ـ " تنزيه الرب عن كل ما لا يليق ".
(5)
ـ " تعظيم له، على وجه ينفي عنه كل سوء ".
(6)
وفي قوله تعالى: " سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) "(الأعلى 1)، يقول السمعاني:" " سَبِّحِ ": عظِّم ربك الأعلى، وقيل: نزه، وتنزيه الله ـ عز أسمه ـ الَّا يوصف بوصف لا يليق به ".
(7)
وهذا ما عليه علماء اللغة والشرع في معنى التسبيح:
يقول ابن الأنباري: " معنى سبحانك: تنزيها لك ربنا من الأولاد، والصاحبة، والشركاء، أي: نزهناك ".
(8)
ويقول الإمام الخطابي: " فأما اشتقاقاته من اللغة، فمن قولك: سبحت الله، أي: نزهته من كل عيب، وبرأته من كل آفة نقص ".
(9)
(1)
((السمعاني: تفسير القرآن:6/ 210
(2)
((السمعاني: تفسير القرآن:4/ 430
(3)
((السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 156
(4)
((السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 158
(5)
((السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 430
(6)
((السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 338
(7)
((السمعاني: تفسير القرآن: 6/ 206
(8)
((ابن الأنباري: الزاهر: 1/ 49
(9)
((الخطابي: غريب الحديث، دار الفكر، 1402 هـ، (1/ 685)
وقد يأتي التسبيح بمعنى الصلاة، ومنه قوله تعالى: " فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ
وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17)(الروم 17) " وإنما سميت تسبيحاً؛ لأن التسبيح تعظيم الله، وتبرئته من السوء، والصلاة يوحد الله فيها، ويحمد، ويوصف بكل ما يبرئه من السوء.
(1)
وهذا كان قول الملائكة حين قالوا: " وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ "(البقرة 30)، يقول السمعاني:" " وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ": هو التنزيه عن السوء، ومعناه: ونحن ننزهك عن الأضداد والشركاء "
(2)
وذكر السمعاني أن التسبيح ورد في القرآن على وجوه متعددة
(3)
:
1 ـ ورد بمعنى الصلاة، قال تعالى:" فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ "(الصافات 143)، أي: من المصلين.
2 ـ ورد بمعنى الاستثناء، قال تعالى:" قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ "[القلم 28]، أي: تستثنون.
3 ـ ورد بمعنى التنزيه، وهو قوله تعالى:" سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ "(الإسراء 1).
4 ـ ورد في الخبر بمعنى النور، وهو في الخبر الذي قال:" لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره ".
(4)
، أي: نور وجهه.
وأشار السمعاني إلى مسألة مهمة وهي: هل يمكن أن يُوصف أحد غير الله تعالى بـ (سبحان)؟ فأجاب قائلا: " وكلمة سبحان، كلمة ممتنعة لا يجوز أن يوصف بها غير الله؛ لأن المبالغة في التعظيم لا تليق لغير الله، ولا تتصرف كما تتصرف كثير من المصادر؛ لأنه لما لم يستقم الوصف به لغير الله، ولم تتصرف جهاته، لزم أيضاً منهاجاً واحداً في الصرف "
(5)
، ونَقل عن علي رضي الله عنه أنه قال:" هو اسم ممتنع، لاينتحله مخلوق ".
(6)
(1)
((ابن سيده: المحكم والمحيط الأعظم، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1421 هـ، (3/ 212)
(2)
((السمعاني: تفسير القرآن:1/ 64
(3)
((السمعاني: تفسير القرآن:3/ 212
(4)
((أخرجه مسلم في صحيحه، باب في قوله تعالى: إن الله لا ينام، وفي قوله: حجابه النور، ح (179)
(5)
((السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 212
(6)
((السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 201
ولما كان التسبيح عظيماً؛ لأنه تنزيه للعظيم، كانت عبادة الملائكة قائمة على التسبيح، قال سبحانه وتعالى:" وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ "(الأنبياء 19)، أي: لا يعيون، قال كعب الأحبار: التسبيح لهم كالتنفس لبني آدم. وقوله تعالى: " يُسَبِّحُونَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ "(الأنبياء 20)، يعني: يسبحون دائماً، لا يضعفون ولا يفنون، واعلم أنه ليس عند الملائكة ليل ولا نهار، وإنما المراد بذكر الليل والنهار هاهنا: هو الدوام على التسبيح ".
(1)
وقال جل وعز في موطن آخر: " وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ "(الزمر 75)، يقول السمعاني:" ويُقال: إن هذا التسبيح تسبيح تلذذ لا تعبد "
(2)
،
ويقول جل وعلا: " يُسَبِّحُونَ لَهُ بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْئَمُونَ"(فصلت 38)، يقول السمعاني:" أي: لا يملون، وعن كعب الأحبار أنه قال: التسبيح للملائكة كالنفس والطرف لبني آدم، فكما لا يلحق الآدمي تعب في الطرف والنفس، فكذلك لا يلحقهم التعب بالتسبيح ".
(3)
ويقول جل وعلا: " وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ "(الشورى 5)، يقول السمعاني:" أي: يصلون بحمد ربهم، ويُقال: ينزهون ربهم ".
(4)
ولذا قال الله جل وعلا لنبيه عليه والصلاة والسلام في أكثر من مقام: " فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ "(الحاقة 52) وغيرها، يقول السمعاني:" كأنه أرشده إلى الاشتغال بتنزيه الرب، وتسبيحه، وتقديسه، حين لزم الكفار الحجة ".
(5)
ويقول في مقام آخر: " أي نزه ربك وعظمه، كأنه أرشده إلى الاشتغال بثنائه، وتسبيحه، وتقديسه؛ ليصل إلى درجة المقربين "
(6)
(1)
((السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 372
(2)
((السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 484
(3)
((السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 54
(4)
((السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 63
(5)
((السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 358
(6)
((السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 363
ويقول في مقام آخر: " أي: نزه ربك العظيم، واذكره بأوصافه المحمودة اللائقة "
(1)
، ثم نزه الباري جل وعلا نفسه في أكثر من موضع؛ أساء المشركون في قولهم، فقال سبحانه وتعالى:" فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ "(الأنبياء 22)، يقول السمعاني:" نزه نفسه عما يصفه به المشركون من الشريك والولد "
(2)
، وقال جل وعلا في موطن آخر:" وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ "(النمل 8)، فنزه الله نفسه، وهو المنزه عن كل سوء.
(3)
ب ـ التحميد: الحمد لله رداء الرحمن، كما حكاه السمعاني عن الضحاك
(4)
، فالله جل وعز له الحمد في الأولى والآخرة، كما قال تعالى:" وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ "(القصص 70)، أي: في الدنيا والآخرة، ويقال: في السماء والأرض.
(5)
وقال سبحانه في موطن آخر: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ "(سبأ 1)، قال السمعاني:" فيه قولان: أحدهما: أن معناه: له الحمد في الأولى والآخرة، على ما قال في موضع آخر، والقول الثاني: هو ما جاء من ذكر الحمد عن أهل الجنة، وهو في قوله تعالى: " وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " (يونس 10) "
(6)
وقد أمر الله جل وعز بالحمد فقال سبحانه: " وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا "(الأسراء 111)، وقال جل وعلا:" قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى "(النمل 59).
وحمد الله نفسه، لعلمه بعجز المخلوقين إيفاءه جل وعلا تمام الحمد، فقال:" الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ "(الفاتحة 2).
(1)
((السمعاني: تفسير القرآن: 6/ 43
(2)
((السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 374
(3)
((السمعاني: تفسير القرآن:4/ 78
(4)
((السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 202
(5)
((السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 153
(6)
((السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 315
وقد فَرَّق الإمام السمعاني بين الحمد والشكر، وذكر أن الحمد يأتي بمعنى الشكر على النعمة، ويأتي بمعنى التحميد والثناء على الأوصاف المحمودة، قال:" يُقال: حمدت فلاناً على ما أسدى إليَّ من النعمة. ويُقال: حمدت فلاناً على شجاعته وعلمه. وأما الشكر لا يكون إلا على النعمة؛ فللحمد معنى عام، وللشكر معنى خاص. فكل حامد شاكر، وليس كل شاكر حامداً "
(1)
وأشار السمعاني إلى فائدتين لطيفتين في الحمد:
الأولى: بيان أن حمد الله تعالى لنفسه، يختلف عن حمد المخلوقين لأنفسهم؛ لأن حمد المخلوقين لا يخلو عن نقص؛ فلا يخلو مدحه نفسه عن كذب، فيقبح منه أن يمدح نفسه. وأما الله جل جلاله بريء عن النقص والعيب؛ فكان مدحه نفسه حسناً.
(2)
الثانية: أن قوله: (الْحَمْدُ لِلَّهِ)، يحتمل معنيين: الإخبار، والتعليم: أما الإخبار، كأنه يُخبر أن المستوجب للحمد هو الله، وأن المحامد كلها لله تعالى. وأما التعليم، كأنه حمد نفسه، وعَلَّم العباد حمده، وتقديره: قولوا الحمد لله.
(3)
وقال في تفسير قوله تعالى: " وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ "،:" فقوله: (الْحَمْدُ لِلَّهِ) معناه: احمدوا الله، ذكر الخبر بمعنى الأمر، وفائدته: الأمر بالحمد، وتعليم الحمد، فإنه لو قال: احمدوا الله، دعت الحاجة إلى بيان كيفية الحمد "
(4)
فالحمد من أعظم الأذكار، ولذا حمد الله نفسه، فقال:" الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ"(النحل 75)، يقول السمعاني:" ظاهر المعنى: أي: حمد نفسه على علمه وجهلهم، وقيل: معناه: قل الحمد لله على ما أوضح من الدليل، وبَيَّنَ من الحق، بل أكثرهم لا يعلمون، ويقال: الحمد لي فإني أنا المستحق للحمد، لا ما يشركون بي، بل أكثرهم لا يعلمون أني أنا المستحق للحمد "
(5)
.
(1)
((السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 35
(2)
((السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 35
(3)
((السمعاني: تفسير القرآن:4/ 420
(4)
((السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 86
(5)
((السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 190