الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس: الإيمان باليوم الآخر:
الإيمان باليوم الآخر، أُس العقيدة بعد الإيمان بالله تعالى، ولأهميته ذكره الله تعالى بالخصوص بعد العموم، قال تعالى:{الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:1 - 2]، ثم قال:{وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة:4]، يقول السعدي:" وخصَّه بالذكر بعد العموم؛ لأن الإيمان باليوم الآخر، أحد أركان الإيمان؛ ولأنه أعظم باعث على الرغبة، والرهبة، والعمل ".
(1)
وهو داخل في الغيب الذي أمر الله تعالى بالإيمان به، فقال:{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:3]، يقول السمعاني:" قال ابن عباس: الغيب: كل ما أمرت بالإيمان به مما غاب عن بصرك، وذلك مثل: الملائكة، والجنة، والنار، والصراط، والميزان، ونحوها "
(2)
. ولما كان الإيمان باليوم الآخر بهذه المثابة العظيمة، كُرر في القرآن الوعد والوعيد، توكيداً، وقطعاً للتأويل.
(3)
والإيمان باليوم الآخر، محل اتفاق بين أهل الملل، يقول الإمام ابن تيمية:" بل هم، اليهود، والنصارى، والمسلمون، متفقون على الإيمان باليوم الآخر، وقد تنازعوا في بعض معانيها".
(4)
ويقول الإمام ابن حزم: " اتفق جميع أهل القبلة على تنابذ فرقهم على القول بالبعث في القيامة ".
(5)
(1)
السعدي: تيسير الكريم الرحمن: مؤسسة الرسالة، ط 1، 1420 هـ، (24)
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 43
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 482
(4)
ابن تيمية: الجواب الصحيح: 2/ 441
(5)
ابن حزم: الفِصل: 4/ 66
ويقول العلامة القصري: " والإجماع من أهل الإيمان عليه "
(1)
. وهل إيمان أهل الكتابين باليوم الآخر متمحضاً؟. فقد أورد الإمام السمعاني في تفسيره تساؤلاً، مفاده: " قال تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة:29]: فإن قال قائل: إن أهل الكتابين يؤمنون بالله واليوم الآخر، فكيف معنى الآية؟!. الجوب من وجهين:
أحدهما: أنهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، كإيمان المؤمنين، فإنهم قالوا: عزير ابن الله، وقالوا: المسيح ابن الله، وقالت اليهود: لا أكل ولا شرب في الجنة.
والجواب الثاني: أن كفرهم ككفر من لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، في عظم الجرم ".
(2)
ومن أهم المعالم التي قررها السمعاني في هذا الفصل، الإقرار بحقيقة الموت وحتميته، وذكر الساعة وأشراطها، وأحوال القيامة وتوابعها.
وهذا الركن الذي يسميه المتكلمون بباب السمعيات؛ بناء على تقسيمهم أبواب العقائد إلى: إلهيات، ونبوات، وسمعيات، وأن السمعيات مختصة بأخبار اليوم الآخر وما يتعلق به، وإنما سموه بذلك؛ لأن قضاياه لا تثبت إلا بالأخبار الصادقة، لكنهم قصروا فيها من جهتين:
الأولى: أنهم لم يقبلوا فيها أحاديث الآحاد، ولذلك رد بعضهم شيئا مما ورد في السنة المطهرة من أخبار الدار الآخرة.
(1)
القصري: شعب الإيمان: 589
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 301
الثانية: أنهم أغفلوا دلالة العقل في هذا الباب، مع أنهم أهل تقديس للعقل، وقد حصر الأشاعرة أمر المعاد في السمعيات، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما أمر المعاد فيجعلونه كله من باب السمعيات؛ لأنه ممكن في العقل، والصادق أخبر به
(1)
، والحق أن هذا الباب، وخاصة ما يتعلق بالبعث والمعاد، فإن معرفته بالسمع واجبة، وأما بالعقل فقد تُعرف وقد لا تُعرف، فليست معرفته بالعقل ممتنعة، ولا هي أيضا واجبة
(2)
، فهي تدخل في حيز الإمكان، فما يتعلق بجانب الإمكان وعدم الاستحالة، فقد قامت الأدلة العقلية على جوازه وإمكانه، كما هو مسطور في ثنايا البحث، وأما ما يتعلق بتفاصيل وأحداث اليوم الآخر وأخباره، فهي سمعية محضة.
(1)
- ابن تيمية: شرح العقيدة الأصبهانية: 8
(2)
- ابن تيمية: جامع المسائل: 3/ 242