الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: فضائل الصحابة رضي الله عنهم
ـ:
أجمع العلماء على أن خير القرون، قرن الصحابة، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وأجمعوا على أن خير الصحابة أهل بدر، وخير أهل بدر العشرة، وخير العشرة، الأئمة الأربعة: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي ضوان الله عليهم.
(1)
والإمام السمعاني ذكر فضائل الصحابة رضي الله عنهم، وذكر طبقاتهم، وأطنب في ذكر فضائلهم، وبيان خصائصهم. وقد قسم السمعاني فضائلهم إلى قسمين: فضائل عامة لجميع الصحابة، وفضائل خاصة لبعضهم، ثم أشار إلى التفاضل بينهم، وبيانه فيما يلي:
ا ـ الفضائل العامة للصحابة رضي الله عنهم:
أ ـ قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام:97]، قال السمعاني:" وحكى أبو الحسين بن فارس، عن بعض التابعين، أنه أراد بالنجوم هاهنا: الصحابة، يهتدى بهم في ظلمات الشرك، وهذا مثل قوله: " أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم "
(2)
(3)
.
ب ـ وقوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح:29]، وهذه الآية وما فيها من ضرب المثل بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وذكر صفتهم هي في جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من غير تعيين
(4)
. ومن أوجه الثناء فيها، قوله تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح:29]، قال السمعاني:" قال الزجاج: هو تخليص للجنس، وليس المراد بعضهم؛ لأنهم كلهم مؤمنون، ولهم المغفرة، والأجر العظيم ".
(5)
(1)
ابن القطان: الإقناع: 1/ 66
(2)
أخرجه ابن عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله: دار ابن الجوزي، السعودية، ط 1، 1414 هـ، وقال:" هذا إسناد لا تقوم به حجة "(2/ 925)
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 129
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 210
(5)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 210
ج ـ وقوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100]، يقول السمعاني:" هذه الآية في السابقين الأولين، وفيهم أقوال: أحدها: هم الذين صلوا إلى القبلتين، وقال عطاء: هم أهل بدر، وقال الشعبي: هم أهل بيعة الرضوان، والقول الرابع: السابقون الأولون من المهاجرين: هم الذين أسلموا قبل الهجرة، والسابقون الأولون من الأنصار: هم الذين بايعوا مع رسول الله ليلة العقبة. وأما قوله " وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ " فيه قولان: أحدهما: أنهم بقية المهاجرين والأنصار سوى السابقين الأولين منهم، والقول الثاني: أنهم المؤمنون إلى قيام الساعة "
(1)
. واستدل بهذه الآية محمد كعب القرظي، على أن الصحابة كلهم في الجنة، قال السمعاني:" وعن أبي صخر حميد بن زياد، قال: أتيت محمد بن كعب القرظي، فقلت له: ما قولك في أصحاب رسول الله؟ فقال: جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة، مسيئهم ومحسنهم، فقلت له: من أين تقول هذا؟ فقال: اقرأ قوله تعالى:" وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ " إلى أن قال: " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ "، ثم قال: شرط للتابعين شريطة، وهو قوله: " اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ " ومعناه: أنهم اتبعوهم في أفعالهم الحسنة دون السيئة. قال أبو صخر: وكأني لم أقرأ هذا الآية قط "
(2)
، وإلى هذا ذهب الإمام ابن حزم، أن الصحابة كلهم في الجنة.
(3)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 342
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 342
(3)
ابن حزم: المحلى: 1/ 65
د ـ وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال:74]، يقول السمعاني:" لا مرية ولا ريب في إيمانهم ".
(1)
وذكر السمعاني أن الصحابة رضي الله عنه طبقتان: المهاجرون والأنصار، وعَرَّف بهم فقال: المهاجرون: هم الذين هاجروا من أوطانهم، وقدموا المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
. وقال: " المهاجرون كانوا على طبقات، وكان بعضهم من أهل الهجرة الأولى، وهم الذي هاجروا قبل الحديبية، وبعضهم أهل الهجرة الثانية، وهم الذين هاجروا بعد الحديبية قبل فتح مكة، وكان بعضهم ذا هجرتين، وهما الهجرة إلى الحبشة، والهجرة إلى المدينة ".
(3)
وأما الأنصار: فهم أهل المدينة، الذين أنزلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين في دورهم.
(4)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 283
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 342
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 283
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 342
والله تعالى ذكر كلتا الطائفتين، فقال سبحانه:{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر:8]، يقول السمعاني:" أي: الصادقون عقداً، وقولاً، وفعلاً "
(1)
، ثم قال سبحانه:{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9]، وهؤلاء أجمع أهل التفسير على أن المراد بهم الأنصار، وقد أثنى الله عز وجل عليهم بالإيمان والسماحة، والإيثار، وسخاء النفس، " وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " أي السعداء الفائزون.
(2)
2 ـ فضائل آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم:
محبة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم واجبة، يقول الإمام ابن تيمية:" محبتهم عندنا فرض يُؤجر عليه ". وقال: " ومن أبغضهم فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ".
(3)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 400
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 402
(3)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى: 4/ 487
وقال السيوطي في أحكام القرآن، في الاستنباط من قوله تعالى:{قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23]،:" وجوب محبة قرابته صلى الله عليه وسلم فمحبته أولى"
(1)
. وقد ذكر السمعاني في تفسير هذه الآية خمسة أقوال، واستظهر منها، ما كان مشهوراً عند السلف، فقال: " أظهرها وأشهرها، أن معناه: لا أسألكم إلا أن تودوني لقرابتي منكم، وقيل: تصلوا القرابة التي بيني وبينكم، بالاستجابة لي إلى ما أدعوكم إليه، وتكفوا عني أذاكم، وهذا قول ابن عباس، أورده البخاري عنه في الصحيح، على لفظ معلوم مقبول، وهو قول طاووس، ومجاهد، وقتادة، وعامة المفسرين.
قال قتادة: كانت قريش تصل الأرحام، فطلب منهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلوا القرابة التي بينه وبينهم، وألا يقطعوها. وعن ابن عباس، قال: ما من بطن من بطون قريش، إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة، فسألهم أن يصلوها ".
(2)
وقد ذكر السمعاني خلاف العلماء في حقيقة مسمى آل البيت، وما الذي يشمله على أقوال:
أولاً: أنهم ذووا قرابة النبي صلى الله عليه وسلم، واختلفوا في تعيينهم إلى ثلاثة أقوال:
الأول: أنهم بنو هاشم خاصة، وهو قول مجاهد.
الثاني: أنهم جميع قريش، وهو مروي عن ابن عباس.
(1)
السيوطي: الإكليل في استنباط التنزيل: دار الأندلس الخضراء، ط 1، 1422 هـ (3/ 1167)
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 73
الثالث: أنهم بنو هاشم، وبنو المطلب، وهذا قول الشافعي. قال السمعاني:" وقد دَلَّ عليه الخبر المروي بطريق جبير بن مطعم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " قسم سهم ذوي القربى بين بني هاشم، وبني المطلب، فمشيت أنا وعثمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلنا: يا رسول الله، إنا لا ننكر فضيلة بني هاشم؛ لمكانك الذي وضعك الله فيهم، ولكننا وإخواننا بني المطلب في القرابة منك سواء، وقد أعطيتهم وحرمتنا، فقال: إنا وبني المطلب شيء واحد ـ وشبك بين أصابعه ـ وإنهم لم يفارقونا في الجاهلية والإسلام ".
(1)
ثانياً: أن آل النبي صلى الله عليه وسلم هم أتباعه على دينه من أمته، وقد استدل له السمعاني بقول تعالى:{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} [البقرة:49]، فقال:" وآل فرعون: أتباعه الذين اقتدوا به وبفعله، وكذلك آل النبي صلى الله عليه وسلم أتباعه".
(2)
ثالثاً: أن آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم هم أصحاب الكساء، وهم علي، وفاطمة، والحسن، والحسين.
(3)
رابعاً: أن آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم هن نساؤه رضي الله عنهن، وهو مروي عن ابن عباس، وقاله عكرمة وجماعة.
ورجح السمعاني أن آل بيته يشمل، نساؤه، وأصحاب الكساء، قال السمعاني في المخاطب بقوله تعالى:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:33]،: " أن الآية عامة في الكل، وهذا أحسن الأقاويل، فآله قد دخلوا في الآية، ونساؤه قد دخلن في الآية.
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 267
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 76
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 281
واستدل من قال: إن نساءه قد دخلن في الآية، أنه قال:" إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ "،وأهل بيت الرسول هن نساؤه؛ ولأنه تقدم ذكر نسائه، والأحسن ما بينا من التعميم "
(1)
، واستدل السمعاني أيضاً بقوله تعالى:{قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} [هود:73]، وزعمت الشيعة في قوله تعالى:" إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ " أن الأزواج لا يدخلن في هذا. وهذه الآية دليل على أنهن يدخلن فيها ".
(2)
وقد ذكر السمعاني فضائل آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وحقوقهم، وبيانه فيما يلي:
1 ـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أشار السمعاني إلى فضائله من جهات متعددة ، وهي:
أ ـ ثناء النبي صلى الله عليه وسلم عليه، فقال عليه الصلاة والسلام:" من كنت مولاه فعلي مولاه "
(3)
، وفسره السمعاني بقوله:" يعني: من كنت ولياً له، أعينه، وأنصره، فعلي يُعينه وينصره في الدين ".
(4)
ويُقال: إن الخبر ورد على سبب، وهو أن علياً قال لأسامة رضي الله عنهما أنت مولاي، فقال أسامة: لست مولاك، إنما أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من كنت مولاه فعلي مولاه "، أي من توليته أنا، فعلي مولاه، من موالاة المحبة والنصرة.
(5)
ب ـ أنه من المؤمنين، الذين لهم حق المودة، قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر، في قوله تعالى:{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة:55]،: نزلت الآية في المؤمنين، فقيل له: إن قوماً يقولون: إن الآية نزلت في علي بن أبي طالب، فقال أبو جعفر: علي من المؤمنين.
(6)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 281
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 444
(3)
أخرجه الترمذي في جامعه، باب مناقب علي بن أبي طالب، ح (3713)
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 48
(5)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 130
(6)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 48
وقال ابن عباس في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم:96]: إن الآية نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والمراد منه: مودة أهل الإيمان له.
(1)
ج ـ ذكره ثناء ابن عيينة على علي بن أبي طالب، قال ابن عيينة: من تزوج بأربع نسوة، أو تسرى بمماليك، فلا خلل في زهده في الدنيا، فإن علياً رضي الله عنه قُتل عن أربع عقائل، وتسع عشرة سَريَّة، وكان أزهد الصحابة.
(2)
2 ـ وذكر السمعاني فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها تُسمى الزهراء البتول، أي: المنقطعة عن أقرانها في الفضل.
(3)
3 ـ حرمة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وخصائصهن، وذكر السمعاني ذلك من عدة أوجه:
أ ـ من جهة الأمومة للمؤمنين، قال تعالى:{وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب:6]، قال السمعاني:" أي: في الحرمة الخاصة، دون النظر إليهن، والدخول عليهن ".
(4)
وأشار السمعاني في هذا المقام إلى مسألتين لطيفتين:
الأولى: في حكم المرأة التي فارقها النبي صلى الله عليه وسلم قبل الوفاة، هل هي محرمة أم لا؟
ـ فقيل: إنما محرمة، وقيل: ليست محرمة، وقيل: إن كان دخل بها فهي محرمة، وإن لم يكن دخل بها، فليست بمحرمة.
والثانية: هل أمهات المؤمنين أيضاً يكن أمهات للمؤمنات أم لا؟! فقيل: إنهن أمهات المؤمنات، كما أنهن أمهات المؤمنين، وقيل: إنهن أمهات الرجال دون النساء، وهو مروي عن عائشة.
ثم قال السمعاني: " وأما إخوة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فليسوا بأخوال المؤمنين، وكذلك أخوات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لسن خالات المؤمنين، وقد روى أنه كانت عند الزبير، أسماء بنت أبي بكر، فقالت الصحابة: عند الزبير أخت أم المؤمنين، ولم يقولوا: عنده خالة المؤمنين ".
(5)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 316
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 6/ 50
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 6/ 50
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 259
(5)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 260
ب ـ حرمة نكاحهن بعد النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} [الأحزاب:53]، لم؟ حفظاً لحرمة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولأنهن أمهاتكم، ولا يحل للرجل أن يتزوج أمه
(1)
، وقيل: لأنهن أزواجه في الجنة
(2)
، قال ابن كثير:" ولهذا أجمع العلماء قاطبة، على أن من توفي عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه، أنه يحرم على غيره تزويجها من بعده؛ لأنهن أزواجه في الدنيا والآخرة، وأمهات المؤمنين "
(3)
، ولذا قال تعالى:" إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا " أي: ذنباً عظيماً.
(4)
ج ـ أن جميعهن محسنات، قال تعالى:{وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:29]، يقول السمعاني:" والمحسنات هن اللاتي اخترن الله ورسوله، والدار الآخرة، وجميع نساء النبي صلى الله عليه وسلم قد اخترن ذلك، فجميعهن محسنات ".
(5)
(1)
الطبري: جامع البيان: 20/ 316
(2)
القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: 14/ 229
(3)
ابن كثير: تفسير القرآن العظيم: 6/ 455
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 302
(5)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 277
د ـ أنهن أشرف نساء العالم، ذكره السمعاني عن أبي بكر الفارسي، عند تفسير قوله تعالى:{يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب:30]، قال السمعاني:" وقد استدل أبو بكر الفارسي في أحكام القرآن، بهذه الآية على أنهن أشرف نساء العالم "
(1)
، قال السمعاني: وإنما استحقت مثلي عذاب غيرها؛ لشرف حالها بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم، علماً أن معنى الآية إما أن يُحمل على معنى المباعدة التامة، كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ} [الزُّمَر:65]، وهذا لا يدل على أنه قد أتى بشرك أو يأتي، وإما أن يُحمل على معنى النشوز، وسوء الخلق.
(2)
وقد ذكر السمعاني بعض فضائل عائشة رضي الله عنها فقال: " واعلم أن عائشة رضي الله عنها كانت تفتخر بأشياء منها: أن جبريل عليه السلام أتى بصورتها في سَرَقَة من حرير، أي: قطعة، وقال: هذه زوجتك، وذلك بعد وفاة خديجة، ويُقال: أتى بصورتها في كفه، ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بعذراء إلا بها، ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قُبض ورأسه في حجرها، ودفن في بيتها، ومنها: أنه نزل براءتها من السماء، ومنها: أنها بنت خليفة رسول الله، وأنها صديقة. وكان مسروق إذا روى عن عائشة يقول: حدثتني الصديقة بنت الصديق، حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، المبرأة من السماء ".
(3)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 278
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 278
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 216
وذكر جملة من فضائل زينب بنت جحش رضي الله عنها، فقال:" وقد ثبت في الصحيحين: أن زينب كانت تفتخر على سائر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: زوجكن أهلوكن، وزوجني الله من فوق سبع سماوات "
(1)
، وقد ثبت برواية أنس:" أن النبي صلى الله عليه وسلم ما أولم على أحد من نسائه، ما أولم على زينب بنت جحش، أشبع الناس من الخبر واللحم "
(2)
. ومن فضائل زينب: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنسائه عند الوفاة: " أسرعكن بي لحوقاً، أطولكن يداً "
(3)
، فكانت زينب أول من توفيت من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بعده، وكانت أمرأة صناعاً، تكثر الصدقة بكسب يدها، فعرفوا أن معنى طول اليد، هو كثرة الصدقة، وهي أيضا أول من اتخذ عليها النعش ".
(4)
ولما كان أمرهن كذلك، ذكر الله تعالى أن من رماهن بالسوء، فعليهم اللعنة، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور:23]، يقول السمعاني:" والغافلة عن الفاحشة، أن لا يقع في قلبها فعل الفاحشة، وكانت عائشة رضي الله عنها هكذا، وقوله: " لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ " رُوي عن خصيف قال: قلت لمجاهد: من قذف مؤمنة لعنه الله في الدنيا والآخرة؟ فقال: ذاك لعائشة. ويُقال: هذا في جميع أزواج النبي ـ صل الله عليه وسلم ـ ".
(5)
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، باب (وكان عرشه على الماء)، ح (7420)
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه،
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، باب فضل صدقة الصحيح الشحيح، ح (1420)
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 288
(5)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 515
أما ما يتعلق بقذف عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه، فإنه كفر، حكى العلماء الإجماع، أن من قذفها بما برأها الله منه فهو كافر
(1)
. وذهب جماهير العلماء، أن قذف إحدى أمهات المؤمنين، هو كقذف عائشة، قال ابن تيمية:" والأصح أن من قذف واحدة من أمهات المؤمنين، فهو كقذف عائشة؛ لأن هذا عار، وغضاضة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذى له أعظم من أذاه بنكاحهن ".
(2)
3 ـ فضائل الصحابة على وجه الخصوص:
أورد السمعاني جملة من فضائل لبعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وممن ذكرهم وأشار إليهم:
أ ـ أبو بكر الصديق رضي الله عنه: وتظهر فضائله من الوجوه التالية:
1 ـ محبة الله تعالى له، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54]، قال علي، والحسن: نزل هذا في أبي بكر وأصحابه، وكان الحسن يحلف على هذا.
(3)
2 ـ تسميته بالصديق، قال تعالى:{وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [الزُّمَر:33]، في أحد الأقوال في تفسير الآية: أن الذي جاء بالصدق، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والذي صدق به أبو بكر رضي الله عنه.
(4)
يقول السمعاني: " والصِّديق: كثير الصدق، وهو للمبالغة، ومن سُمي أبو بكر الصديق رضي الله عنه صديقاً، وقيل: سُمي صديقاً؛ لأنه قيل له: إن صاحبك يقول: أُسري بي إلى السماء، فقال: إن هو قال ذلك فقد صدق ".
(5)
3 ـ الآيات التي ذكرها المفسرون أنها نزلت في فضائل الصديق كثيرة، منها:
(1)
ابن حزم: المحلى: 13/ 238، النووي: شرح مسلم: 17/ 122
(2)
ابن تيمية: الصارم المسلول: نشر الحرس الوطني السعودي: 567
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 46
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 470
(5)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 55
ـ قوله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [إبراهيم:52]، يقول السمعاني:" وفي بعض التفاسير: أن هذه الآية نزلت في أبي أبي بكر الصديق رضي الله عنه ".
(1)
ـ وقوله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46]، يقول السمعاني:" وعن الزبير، أن الآية نزلت في أبي بكر الصديق، وهذا محكي عن عطاء بن أبي رباح. قال الضحاك: شرب أبو بكر لبناً، ثم سأل عنه، وكان من غير وجهه، فاستقاه، فأنزل الله هذه الآية ".
(2)
ـ وقوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)} [الليل:5 - 7]، يقول السمعاني:" ذهب أكثر المفسرين إلى أن هذه الآية، نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه ".
(3)
ـ وقوله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18)} [الليل:17 - 18]، يقول السمعاني:" وهو وارد في أبي بكر الصديق على قول أكثر المفسرين ".
(4)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 127
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 333
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 6/ 237
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 6/ 240
4 ـ أن أبا بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قام بالأمر بعده، وإلا فعند أهل العلم، أن الرسول صلى الله عليه وسلم توفي، ولم يستخلف أحداً
(1)
. وهذه مسألة خلاف عند أهل السنة: هل خلافة الصديق رضي الله عنه كانت بالنص أو بالاختيار؟ يقول ابن أبي العز: " فذهب الحسن البصري وجماعة من أهل الحديث، إلى أنها تثبت بالنص الخفي والإشارة، ومنهم من قال: بالنص الجلي، وذهب جماعة من أهل الحديث، والمعتزلة، والأشعرية، إلى أنها تثبت بالاختيار "
(2)
، وبعد أن ذكر الإمام ابن تيمية الخلاف قال:" فقد تبيَّن أن كثيراً من السلف والخلف، قالوا فيها بالنص الجلي أو الخفي "
(3)
، وهو بهذا يريد الرد على الرافضي، في زعمه: أن أهل السنة يقولون: إن النبي ـ صل الله عليه وسلم ـ لم ينص على إمامة أحد، وأنه مات من غير وصية. والراجح، ما ذهب إليه السمعاني، بأن الأمر كان بالاختيار، على وجود قرائن تدل على تقديم أبي بكر، قال السمعاني:" ومن هذا قول عمر رضي الله عنه حين حضرته الوفاة، وقيل له: استخلف، فقال: إن لم استخلف، فلم يستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن استخلف فقد استخلف أبو بكر، وهذا قول ثابت عن عمر ".
(4)
5 ـ أن الله تعالى نَصَّ على صحبته للرسول عليه الصلاة والسلام قال تعالى: {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} [التوبة:40]، يقول السمعاني:" أي: لأبي بكر رضي الله عنه باتفاق أهل العلم. وعن الحسن بن الفضل البجلي أنه قال: من قال: " إن أبا بكر ليس بصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر؛ لإنكاره نص القرآن، وفي سائر الصحابة إذا أنكر، يكون مبتدعاً، ولا يكون كافراً ".
(5)
ب ـ بعض الآيات التي تدل على فضائل بعض الصحابة:
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 362
(2)
ابن أبي العز: شرح الطحاوية: 1/ 481
(3)
ابن تيمية: منهاج السنة: 1/ 499
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 362
(5)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 311
ـ قوله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزُّمَر:9]، قيل: نزلت في عثمان بن عفان، وقيل: نزلت في أبي بكر وعمر، وقيل في ابن مسعود وسلمان وعمار، وقيل: وأبو ذر وصهيب.
(1)
ـ وقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} [البقرة:207]، قال سعيد بن المسيب: نزلت الآية في صهيب بن سنان.
(2)
ـ وقوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} [الأنعام:122]، قيل المراد به: عمر، وقيل: عمار، وقيل: حمزة.
(3)
والآيات في هذا المقام كثيرة، وهذا فيه دلالة على اهتمام السمعاني، وعنايته الفائقة، بهذا الأصل المهم، وهو معرفة فضائل الصحابة، وبيان حقوقهم علينا، وهو بذا سائر على منهج السلف القائم على التعظيم والإجلال، لهؤلاء الثلة النقية، الطاهرة الزكية، الذي مُقام أحدهم مع النبي صلى الله عليه وسلم ساعة، خير من عمل غيرهم أربعين سنة، كما قال ابن عباس
(4)
، بل قال ابن عمر: لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فإن مقام أحدهم، خير من عمل أحدكم عمره كله، وعن ميمون بن مهران قال: قال لي عبدالله بن عباس: يا ميمون لا تسب السلف، وادخل الجنة بسلام.
(5)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 461
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 209
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 141
(4)
ابن أبي العز: شرح الطحاوية: 469
(5)
اللالكائي: شرح أصول الاعتقاد: 7/ 1325