الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية إلى هذه المسألة، وذكر أنه إنما يُخالف فيها طوائف المتفلسفة أتباع أرسطو وأمثالهم، ممن زعم أن الملائكة هي العقول والنفوس، وأنه لا يمكن موتها بحال؛ بل هي عندهم آلهة وأرباب هذا العالم
(1)
.
المطلب الثالث: الاختلاف في الرعد والبرق:
حكى السمعاني خلافا عند المفسرين في معنى الرعد والبرق:
أ ـ معنى الرعد: ذكر السمعاني في معناه أقوال:
الأول: أن الرعد صوت ملك يزجر السحاب، ونسبه لأكثر المفسرين، قال:" أكثر المفسرين: أن الرعد ملك، والمسموع من الصوت تسبيحه، وهذا مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله اليهود عن الرعد، وذكر فيه أن الصوت، هو زجرة السحاب، وقد حُكي هذا عن ابن عباس، وعلي، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والحسن، وعن قتادة قال: هذا عبد لله تعالى، سامع مطيع"
(2)
، وصححه السمعاني.
الثاني: أن الرعد اسم الملك.
الثالث: هو صوت اختناق الريح إلى السحاب
(3)
.
الرابع: هو صوت اصطكاك الأجرام العلوية.
الخامس: أن الرعد هو نطق السحاب
(4)
.
أ ـ معنى البرق: وذكر السمعاني خلافا في معنى البرق:
الأول: أن البرق لمعان سوط في يد ملك يضرب به السحاب، يسوقه إليه حيث قدره الله تعالى
(5)
.
الثاني: أن البرق ضحك السحاب
(6)
.
وذكر الطبري في تفسيره أقوال السلف في معنى البرق:
1 ـ جاء عن علي قال: البرق مخاريق الملائكة، وهو مروي عن ابن عباس، قال علي: الرعد الملك، والبرق ضَرْبُه السحاب بمخراق من حديد.
2 ـ وجاء عن ابن عباس أنه سوط من نور، يزجي به الملك السحاب.
3 ـ وجاء عن ابن عباس ايضا أنه فسره بالماء.
4 ـ وقال مجاهد: هو (مَصْعُ) ملك.
(1)
- ابن تيمية: مرجع سابق: 16/ 34
(2)
السمعاني: تفسير القرآن:1/ 54 - 3/ 83
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 54
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 84
(5)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 54
(6)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 84
ثم قال الطبري: "وقد يحتمل أن ماقاله علي بن أبي طالب، وابن عباس ومجاهد بمعنى واحد، وذلك أن تكون المخاريق التي ذكر على أنها البرق: هي السياط التي هي من نور التي يزجي بها الملك السحاب كما قال ابن عباس، ويكون إزجاء الملك بها السحاب قَصْعَه إياه، وذلك أن المِصَاع عند العرب أصله: المجالدة بالسيوف، ثم تستعمله في كل شيء جُولد به، في حرب وفي غير حرب"
(1)
.
وهكذا نجد أن السمعاني رحمه الله في باب الإيمان بالملائكة عليهم السلام، خط فيه منهج السلف بعيدا عن كلام الفلاسفة الذين يقولون بالعقول المجردة، وأنها أرواح لا أشخاص، ليس لهم حركات ولا أعمال البتة، فليست هناك ذات منفصلة تصعد وتنزل، وتذهب وتجيء، وترى وتخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما هي مجرد أمور ذهنية لا وجود لها في الأعيان
(2)
، وبعضهم يقول: هي القوى الخيرة الفاضلة التي في العبد
(3)
، وهذه انحرافات عن المنهج الحق.
فالسمعاني ذكر أوصاف الملائكة، وأعمالهم، وحركاتهم، وعباداتهم، فهذا كله يدل على أنها أجسام "وكِلوا بأمور، عرفهم الله عزوجل العمل بها"
(4)
.
يقول الله جل وعلا:" مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ"[الحجر:8]، يقول السمعاني:"الحق الذي تنزل به الملائكة هو الوحي، وقبض أرواح العباد، وإهلاك الكفار، وكتبة الأعمال، وما أشبه ذلك"
(5)
.
(1)
الطبري: جامع البيان: 1/ 342 - 345
(2)
ابن ابي العز: شرح الطحاوية:277
(3)
ابن القيم: إغاثة اللهفان: مكتبة المعارف- الرياض، (2/ 261)
(4)
البغوي: معالم التنزيل:5/ 205
(5)
السمعاني: تفسير القرآن:3/ 130
فهذا من أعمال الملائكة التي وكلوا بها، إلا أنهم صُمُد، بمعنى أنهم لا يأكلون
(1)
، ولا يشربون ولا يناكحون، ولا ذرية لهم
(2)
، وقد نقل الرازي الاتفاق على ذلك، فقال:"اتفقوا على أن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون، ولاينكحون، يسبحون الليل والنهار لايفترون"
(3)
، وقال السفاريني:"وقد حكى غير واحد من محققي العلماء: الاتفاق على أن الملائكة لا يأكلون، ولا يشربون، ولا ينكحون"
(4)
. ولما كان للملائكة مقام عليٌّ عند الله ذكرهم سبحانه وتعالى بالتقريب والكرامة
(5)
، فقال سبحانه:" إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ "[الأعراف:206].
(1)
السمعاني: تفسير القرآن:2/ 442
(2)
السمعاني: تفسير القرآن:1/ 67
(3)
الرازي: مفاتيح الغيب:1/ 85
(4)
السفاريني: لوامع الأنوار:1/ 447
(5)
السمعاني: تفسير القرآن:2/ 245.