الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- ومن جهة جواز إطلاق هذه الأسماء على غير الله تعالى، فبعضها مختص بالله تعالى لا يشركه غيره فيها، وبعضها من المشترك الذي يجوز إطلاقه على الله تعالى وعلى غيره، وقد أشار السمعاني إلى جملة منها.
أسماء الله الحسنى:
* سأشير في هذا المطلب إلى الأسماء الحسنى، التي ذكرها السمعاني، وأبان معانيها، وما يتعلق بها من المسائل التي أشار إليها.
1 - الرحمن ـ الرحيم:
أ ـ المعنى: قال ابن عباس: هما اسمان رقيقان، أحدهما أرق من الآخر. وحكي عنه أنه قال: الرحمن: الرفيق بالعباد، والرحيم: العاطف عليهم
(1)
، والعطوف
(2)
.
ب ـ هل بينهما فرق أم لا؟! قولان:
الأول: بينهما فرق، فالرحمن غير الرحيم، ولكل واحد منهما معنى، غير معنى صاحبه.
قالوا: للرحمن معنى العموم، وللرحيم معنى الخصوص. وذلك من جهتين:
1 ـ من جهة الرزق، فالرحمن بمعنى الرازق في الدنيا، والرزق على العموم، للكافر والمؤمن.
والرحيم بمعنى العافي في الآخرة، والعفو في الآخرة على الخصوص للمؤمنين دون الكافرين.
2 ـ ومن جهة الرحمة: فالرحمن: من تصل رحمته إلى الخلق على العموم، والرحيم: من تصل رحمته إلى الخلق على الخصوص، ولذلك قيل في الدعاء:" يا رحمن الدنيا، ورحيم الآخرة".
الثاني: أن معناهما واحد. قال قطرب: هما اسمان، ذكر أحدهما تأكيداً للآخر، مثل: لهفان، ولهيف، وندمان ونديم.
وقال المبرد: هذا تمام بعد إتمام، وتفضل بعد تفضل، وتطميع لقلوب الراغبين، ووعد لا يخيب آمله، ومعناه: ذو الرحمة، والرحمة هي: الإنعام والتفضل
(3)
.
ج ـ هل يجوز إطلاق هذين الاسمين على غير الله تعالى؟!
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 34 - 5/ 276
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 218
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 34 - 35، ومنه قوله تعالى:" وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته "(غافر 9)، (فقد رحمته) أي: أنعمت عليه. انظر السمعاني: تفسير القرآن:5/ 8
أما الرحمن: فلا يُطلق إلا على الله تعالى، فلا يجوز إطلاقه على غيره، قال تعالى:" هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا "(مريم 65)، قال ابن عباس: هل تعلم أحداً يُسمى " الرحمن " غير الله؟!
(1)
. وقال الحسن: هو اسم لا يستطيع أحد أن ينتحله ويُقال: اسم ممتنع، وإنما لم يصح أن يُقال لغيره، وصح أن يقال راحم، ورحيم؛ لأن معنى الرحمن: أن رحمته وسعت كل شيء، وهذا لا يصح في غير الله جل وعلا.
(2)
ويقول السمعاني في الفرق في التسمية بينهما: " فالرحمن من تصل رحمته إلى الخلق على العموم، والرحيم من تصل رحمته إلى الخلق على الخصوص، ولذلك يُدعى غير الله رحيماً، ولا يُدعى رحماناً؛ لأن الله تعالى هو الذي تصل رحمته إلى الخلق، كأنه كما قال تعالى: "وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ " (الأعراف 156)، وأما غير الله قد يخص شيئاً بالرحمة، فيكون ذلك رحيماً "
(3)
.
وقد سمَّى الله عز وجل نبيه بالرحيم، فقال:" بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (128) "(التوبة 128)، أي: عطوف رفيق.
(4)
د ـ كفر المشركين بالرحمن:
قال تعالى: " كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ "(الرعد 30)، يقول السمعاني:" وقوله: " وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ " فيه قولان: أحدهما: قال ابن جريج: الآية مدنية في قصة الحديبية، فإن سهيل بن عمرو لما جاء، واتفقوا أن يكتبوا كتاب الصلح، كتب علي رضي الله عنه:(بسم الله الرحمن الرحيم)، فقالوا: لا نعرف الرحمن، اكتب كما نكتب نحن: باسمك اللهم.
والقول الثاني: وهو المعروف أن الآية مكية، وسبب نزولها: أن أبا جهل سمع النبي
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 305
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 323
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 34
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 363
صلى الله عليه وسلم وهو في الحجر يدعو ويقول: " يا الله، يا رحمن "، فرجع إلى المشركين، وقال: إن محمداً يدعو إلهين، يدعو الله، ويدعو آخر اسمه الرحمن، ولا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة، فأنزل الله هذه الآية، وأنزل أيضاً قوله تعالى:" قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ "(الإسراء 110) "
(1)
.
ـ وقال سبحانه وتعالى: " وَإِذَا رَأَىكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (36) "(الأنبياء 36)، يقول السمعاني: قال هذا، لأنهم كانوا يقولون: لا نعرف الرحمن إلا مسيلمة "
(2)
.
ـ وقال تعالى: " وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا "(الفرقان 160)، قال أهل التفسير: إنما قالوا هذا؛ لأنهم كانوا لا يعرفون اسم الرحمن في كلامهم، فسألوا عن الرحمن لهذا. وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعاهم للرحمن، ويُقال: إن أبا جهل قال له: يا محمد، من يعلمك القرآن؟ فأنزل الله تعالى:" الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) "(الرحمن 1 - 2)، قال أبوجهل وغيره: لا نعرف الرحمن إلا مسيلمة باليمامة، وكان يُسمى: رحمان اليمامة.
(3)
وذكر اسم الرحمن كان كثيراً في التوراة، يقول تعالى: " وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ
بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ " (الرعد 36)، رُوي أن اليهود الذين أسلموا، كانوا يستقلون ذكر الرحمن في القرآن، مع كثرة ذكره في التوراة، فلما كرر الله ذكر الرحمن في القرآن فرحوا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
(4)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 93
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 380
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 28
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 98
هـ ـ ومما يُقارب معنى الرحيم من أسماء الله تعالى: اسمه (الرؤوف): وقد أثبت الله جل وعز له هذا الاسم، في كتابه العزيز، فقال:" وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ "(البقرة 207)، يقول السمعاني:" أي: شديد الرحمة بهم "
(1)
.
وقال سبحانه: " إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ "(البقرة 143)، يقول السمعاني:"الرأفة: أشد الرحمة "
(2)
.
وقال سبحانه: " وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ "(آل عمران 30)، ومن رأفته، أن حذرهم، ورغبهم، ورهبهم، ووعدهم، وأوعدهم.
(3)
يقول الحليمي: " الرؤوف: المتساهل على عباده، لم يحملهم مالا يطيقون، ومع ذلك غلَّظ فرائضه، في حال شدة القوة، وخففها في حال الضعف ونقصان القوة، وأخذ المقيم بما لم يأخذ به المسافر، والصحيح بما لم يأخذ به المريض، وهذا كله رأفة ورحمة "
(4)
. وقد فسَّر السمعاني اسم الله اللطيف في قوله تعالى: " اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ "(الشورى 19)، بالرحمة، فقال:" أي: بار، حفي، رحيم بهم "
(5)
.
ورحمة الله تعالى التي هي من آثار اسمه الرحيم، وسعت كل شيء، كما قال تعالى:"وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ "(الأعراف 156)، يقول الحسن وقتادة: وسعت رحمته البر والفاجر في الدنيا، وهي للمتقين يوم القيامة.
(6)
ومن رحمته بالكفار: إمهالهم في العذاب.
(7)
أما لفظ الرحمة في القرآن، فهو يختلف باختلاف مورده وسياقه، فقد يرد بمعنى:
1 ـ الجنة: كما قال تعالى: " فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ "(الجاثية 30)، يقول السمعاني: أي جنته.
(8)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 209
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 150
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 310
(4)
الحليمي: مختصر شعب الإيمان: 2 - 4
(5)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 71
(6)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 221
(7)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 176
(8)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 145
2 ـ الإسلام: كما قال تعالى: " وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُدْخِلُ مَن
يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (8)" (الشورى 8)، يقول السمعاني: " أي يدخل من يشاء في الإسلام "
(1)
.
3 ـ المطر: كما قال تعالى: " وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ "(الشورى 28)، أي: بإنزال الغيث.
(2)
وقوله: " وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ "(الأعراف 57)، أي: المطر.
(3)
4 ـ النبوة والرسالة: كما قال تعالى: " أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ "(الزخرف 32)، أي: رسالة ربك، فيختارون لها من شاؤوا.
(4)
5 ـ القرآن والرسول: كما قال تعالى: " وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ "(النمل 77) يقول السمعاني: " فيه قولان: أحدهما: أنه الرسول، والآخر: أنه القرآن "
(5)
.
6 ـ العصمة: كما قال تعالى: " وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي "(يوسف 53)، يقول السمعاني:" أنه إشارة إلى حالة العصمة عند رؤية البرهان "
(6)
.
7 ـ المودة: كما قال تعالى:" مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ"(الفتح 29)، يقول السمعاني:" أي: متوادون، ومتواصلون بينهم "
(7)
.
8 ـ الخير والنصرة: كما قال تعالى: " قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً "(الأحزاب 17)، أي: خيراً ونصرة.
(8)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 65
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 77
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 190
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 99
(5)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 112
(6)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 39
(7)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 209
(8)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 267