الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: الموت وحقيقته:
الموت حق، قال تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران:185]، يقول السمعاني:"والذوق في الموت مجاز، وحقيقة الذوق: هو الإحساس بالشيء، فلما كان يحس بالموت سماه ذوقاً "
(1)
، وإنما ذكر سبحانه وتعالى ذلك، مع أنه لا يخفى أن كل نفس تموت؛ تزهيداً بالدنيا.
والسمعاني قرر حقيقة الموت، في عدة قضايا:
1 ـ أنه مصير محتوم: قال تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزُّمَر:30]
(2)
، وقال تعالى:{وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء:34]، يعني: أن الموت طريق معهود مسلوك، لا بُدَّ منه لكل حي.
(3)
2 ـ التأكيد على شموله وعمومه: قال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن:26]، يقول السمعاني:" أي: كل من على الأرض هالك ".
(4)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 386
(2)
فرق نحاة الكوفة بين الميِّت والميْت، فقالوا: الميت بالتشديد، هو الحي الذي يموت في المستقبل، ومثله المائت، والميْت مخففاً: هو الذي قد مات، واستدلوا بقوله:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزُّمَر:30]، وأنكر ذلك نحاة البصرة. وقالوا: هما بمعنى واحد. السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 308 - 3/ 468
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 379
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 328
3 ـ أنه محدد لا يتقدم ولا يتأخر: قال تعالى: {مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ} [الحِجر:5]، ذكر السمعاني: قولاً في تفسيره مفاده: أن الموت لا يتقدم ولا يتأخر وقته
(1)
. وقال تعالى: {قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ (30)} [سبأ:30]، قال السمعاني:" قد فُسِّر هذا بيوم البعث، وقد فُسر بيوم الموت، وكلاهما صحيح "
(2)
، ويقول تعالى:{وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [نوح:4]، يقول السمعاني:" هو الأجل المسمى المضروب لكل إنسان ".
(3)
4 ـ أن الإنسان لا يتمنى الموت؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، ولكن ليقل: اللهم أحيني ما دامت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي "
(4)
، فإن قيل: ما معنى قول نبي الله يوسف: {
…
تَوَفَّنِي مُسْلِمًا} [يوسف:101]، قيل: معناه: ثبتني على الإسلام عند الوفاة
(5)
، وإن قيل:: لِمَ تمنت مريم الموت: {يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا} [مريم:23]، قيل: إنها تمنت الموت استحياء من قومها، ويُقال: إنها تمنت الموت؛ لأنها علمت أن الناس يكفرون بسبب ابنها وبسببها، فتمنت الموت، حتى لا يُعصى الله بسببها، وبسبب ابنها.
(6)
ونقل السمعاني عن بعض السلف قوله: لا يكره الموت إلا مريب، ثم قال: وإنما كره الموت بضر نزل به على ما في الخبر، فأما إذا تمنى الموت ليستخلص من الدنيا وفتنها، وشوقا إلى لقاء ربه فهو محبوب
(7)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 130
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 334
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 6/ 54
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، باب الدعاء بالموت والحياة، ح (6351)
(5)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 68
(6)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 286
(7)
- السمعاني: مرجع سابق: 5/ 241
5 ـ الموت لا يدخل تحت الأمر والنهي، ومع ذلك نهى الله تعالى عباده ألا يموتوا على الكفر، قال تعالى:{فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة:132]، " فإن قيل: كيف نهاهم عن الموت على الكفر، والموت لا يدخل تحت الأمر والنهي؟ قيل: معناه: داوموا على الإسلام، حتى إذا وافاكم الموت، ألفاكم على الإسلام "
(1)
، وهو مثل قوله تعالى:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحِجر:99]، بمعنى: أن يدوم عليها إلى أن يموت، وهي أيضاً في معنى قوله تعالى {وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم:31].
(2)
6 ـ أن الموت يُذبح يوم القيامة، قال تعالى:{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} [مريم:39]، يقول السمعاني:" وأما قول أكثر أهل التفسير في الآية: هذه الحسرة حيث يذبح الموت على الصراط، وقد صح الخبر برواية أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم ".
(3)
وهذه القضايا التي قررها السمعاني، قضايا محققة في الشرع، يجب الإيمان والتصديق بها، دون دخول في تأويلات باطلة، يردون بها الثابت الصحيح، وقد قال الإمام السمعاني في معرض رده على المتكلمين: وكذلك ردوا الخبر الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن الموت يذبح على الصراط؛ لأن الموت عرض لا ينفرد بنفسه، فهذا أصلهم الثاني الذي أدى إلى رد الأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(4)
.
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 345
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 156
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 293
(4)
- السمعاني: الانتصار: 69