الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: الصحابة، فضلهم، ومنزلتهم، ومكانتهم:
أفاض القرآن وتواترت السنة في ذكر فضائل الصحابة، وبيان منزلتهم ومكانتهم، وهذا لا ينكره إلا جاحد حاقد على الصحابة رضي الله عنهم، وإلا فكيف تتوارد هذه النصوص وتستفيض في بيان هذه الفضائل، ويترجم لها الأئمة في مصنفاتهم، ويسندون الأحاديث في ذكر مناقبهم، ثم تأتي شرذمة قليلة ينالون منهم، يتعلقون بواهيات النصوص ومتشابهات الألفاظ. ولذا انبرى الإمام السمعاني كغيره من أئمة الإسلام، للدفاع عن الصحابة، والذوذ عن أعراضهم، وبيان فضائهم وميزاتهم التي حظوا بها، والرد على مخالفيهم، فلا يجد مناسبة قريبة أو بعيدة لهذا البيان إلا ذكره وأظهره وبينه، ومن ذلك:
-ما يتعلق بزعم الرافضة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نص على إمامة علي بن أبي طالب رضي الله عنه على رؤوس الأشهاد، وذلك حين تكلم عن قسمي التواتر، فقال: والقسم الثاني: ما يرجع إلى معناه دون عينه
…
فهو الخبر عن جود حاتم، وشجاعة علي وأمثاله، وحلم الأحنف وذويه، ثم قال: واعلم أن مثل هذا الطريق، رد على الرافضة، ما زعموا من نص الرسول على إمامة علي، فإنهم زعموا أن النبي نص عليه على رؤوس الأشهاد، ومشهد من جميع أصحابه، ونص لهم عليه، وقال: هو الإمام من بعدي، ثم إنهم جميعا كتموه، وهذا محال من الكلام، ولا يتصور من ذلك مثل الجماعة العظيمة والجم الغفير، اختلاف طباعهم، وتباين أهوائهم، وتردد الدواعي منهم، إطباقهم واتفاقهم على كتمان مثل هذا النص الجلي
(1)
.
-وكذلك ما ذكره في رد رواية الرافضة والخوارج الذين كفروا الصحابة وفسقوهم، فقال: وأما الفسق من حيث الاعتقاد، مثل أهل الأهواء، فقد ذكروا أنهم ينقسمون قسمين: منهم من كفر الصحابة وفسقهم، مثل الخوارج والرافضة، فهؤلاء حديثهم مردود غير مقبول
(2)
.
وقد برز اهتمام السمعاني بموضوع الصحابة من عدة جهات:
1 -
تحقيق مسمى الصحبة.
2 -
الإشادة بفضائل الصحابة، والتأكيد على حقوق آل البيت.
3 -
التأكيد على التوائم بين الصحابة وآل البيت.
4 -
بيان حكم سب الصحابة وتنقصهم.
5 -
بيان الموقف الشرعي تجاه الفتنة التي جرت بين الصحابة.
وظهر من تتبع كلام السمعاني، المنهج الوسط في التعامل مع القضايا التي وردت في الصحابة، فكان وسطا بين الجفاة والغالين، وسدا منيعا تجاه المغرضين المخالفين، ويظهر هذا جليا في غيرته على الصحابة في رده على من حكى تجهيل بعض الصحابة، فقال: وهذا الذي قاله جرأة عظيمة
(3)
.
وقد أكد السمعاني على جملة من المسائل المهمة المتعلقة بالصحابة رضي الله عنهم، منها:
(1)
- السمعاني: قواطع الأدلة: 1/ 331 - 356
(2)
- السمعاني: مرجع سابق: 1/ 344
(3)
- السمعاني: قواطع الأدلة: 1/ 363
-التأكيد على عدالة الصحابة، ووجوب قبول رواياتهم، فقال: اعلم أن الصحابة عدول، وروايتهم يجب قبولها من غير تخصيص
(1)
، وقال ردا على من تفوه على الصحابة بما يسوء، وقدح في عدالتهم: عدالة جميع الصحابة ثبتت قطعا، فلا يزول عنها إلا بدليل قطعي
(2)
، وقال: وجميع الصحابة قد عدلهم الله في آي كثيرة من كتابه
(3)
، وقال: وجميع الصحابة عدول، وليس لنا الاجتهاد في تعديلهم وقد عدلهم الله
(4)
.
-أن الصحابة هم أهل العلم والفقه والديانة الذين يُرجع إليهم في الفقه والفتوى والعلم؛ لأنهم هم أهل النظر والاجتهاد، وفي هذا يقول السمعاني: من تدبر اختلاف الصحابة في المسائل واحتجاجهم في ذلك، عرف أنهم كانوا يرون القياس والاجتهاد في الفروع
(5)
.
- أن اختلاف الصحابة كان اختلافا راقيا، لا يوجب تبديعا ولا تفسيقا ولا تكفيرا؛ لأن مبناه الاجتهاد في معرفة مدلولات النصوص، بعيدا عن أهواء النفس وشهواتها، وفي هذا يقول السمعاني: فكل مسألة حدثت في الإسلام، فخاض فيها الناس فتفرقوا واختلفوا، فلم يورث ذلك الاختلاف بينهم عداوة ولا بغضا ولا تفرقا، وبقيت بينهم الألفة والنصيحة والمودة والرحمة والشفقة، علمنا أن ذلك من مسائل الإسلام يحل النظر فيها والأخذ بقول من تلك الأقوال، لا يوجب تبديعا ولا تكفيرا، كما ظهر مثل هذا الاختلاف بين الصحابة والتابعين مع بقاء الألفة والمودة
(6)
.
-أنه ينوه كثيرا بإجماعات الصحابة، ويبين أثرها في تخصيص بعض النصوص، كما في إشارته لإجماع الصحابة في قبول خبر الواحد والعمل به، وكما جعل من دلائل النسخ إجماع الصحابة
(7)
.
(1)
- السمعاني: مرجع سابق: 1/ 342
(2)
- السمعاني: مرجع سابق: 1/ 342
(3)
- السمعاني: مرجع سابق: 1/ 363
(4)
- السمعاني: مرجع سابق: 1/ 385
(5)
- السمعاني: الانتصار: 32
(6)
- السمعاني: مرجع سابق: 49
(7)
- السمعاني: قواطع الأدلة: 1/ 186 - 187 - 337 - 372 - 438، 2/ 3