الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الرابعة: معنى قوله تعالى:"وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
" (آل عمران 180)،من مقتضيات ربوبية الله جل وعلا، تمام الملك وكماله وشموله، فما معنى أن له سبحانه الميراث، وهو ما انتقل من ملك مالك إلى وارثه بموته، والله جل وعلا له الدنيا قبل فناء خلقه وبعده؟!
الآية الكريمة فيها بيان معنى اسم الله الوارث، كما جاء إثباته في مواطن أخرى، قال جل وعلا:" إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ"(مريم 40)، وقوله تعالى:" وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِ وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ"(الحجر 23)، وغيرها من هذه الآيات المثبتة لهذا الاسم الكريم لله تعالى.
وقد نص بعض الأئمة على إثبات هذه الصفة لله تعالى، يقول الإمام البيهقي: ومنها: الوارث، ومعناه: الباقي بعد ذهاب غيره، وربنا جل ثناؤه بهذه الصفة؛ لأنه يبقى بعد ذهاب المُلاك، الذين أمتعهم في هذه الدنيا بما أتاهم؛ لأن وجودهم ووجود الأملاك كان به، ووجوده ليس بغيره، وهذا الاسم مما يؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خبر الأسامي، وقال الله عز وجل:"وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِ وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ"
(1)
(الحجر 23).
وقد فسر الإمام السمعاني معنى هذا الاسم الجليل فقال: "والوارث في صفات الله: أنه الباقي بعد ملاك الخلق أجمعين، وقيل معناه: أن مصير الخلق إليه "
(2)
.
وقال في موطن آخر في تفسير قوله تعالى:" إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ"(مريم 40)، معناه:"إن نميت سكان الأرض ونهلكهم، فتكون الأرض ومن عليها لنا، وفي حكمنا. ومعنى الإرث: هو أنه لايبقى لأحد ملك، ولا سبب سوى الله"
(3)
.
(1)
((البيهقي: الأسماء والصفات، مكتبة السوادي، جدة، ط 1، 1413 هـ، (1/ 46)
(2)
((السمعاني: تفسير القرآن:3/ 136
(3)
((السمعاني: تفسير القرآن:3/ 294
وقد نُقل عن ابن عباس رضي الله عنهما-تفسير قوله تعالى:" وَلِلَّهِ مِيرَاثُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ"فقال: قال جبريل: يامحمد، لله الخلق كله، السموات كلهن، والأرضون كلهن، ومن فيهن، ومن بينهن مما يعلم ومما لايعلم
(1)
، فكل باق بعد ذاهب فهو وارث
(2)
، وفي هذا يقول الغزالي:"الوارث: هو الذي يرجع إليه الأملاك، بعد فناء الملاك، وذلك هو سبحانه وتعالى، إذ هو الباقي بعد فناء الخلق، وإليه مرجع كل شيء ومصيره "
(3)
.
وجوابا عن السؤال يُقال:
إن معنى الآية الكريمة:"وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ"أي أن الله تعالى وصف نفسه بالبقاء، وأعلم خلقه أنه كتب عليهم الفناء، وذلك أن ملك المالك إنما يصير ميراثا بعد وفاته، وإنما قال جل ثناؤه:" وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ"؛ إعلاما بذلك من عباده، أن أملاك جميع خلقه منتقلة عنهم بموتهم، وأنه لا أحد إلا وهو فانٍ سواه، فإنه إذا أهلك جميع خلقه فزالت أملاكهم عنهم، لم يبق أحد يكون له ماكانوا يملكونه غيره. قاله الإمام الطبري
(4)
.
ولذلك يحتمل في الآية الكريمة وجهان:
الأول: معناه: ولله ملك السموات والأرض، والثاني: أنهما راجعان إليه، بانقباض من فيهما، كرجوع الميراث إلى المستحق
(5)
، وهو ما أشار إليه السمعاني آنفا؛ بأنه لا يبقى لأحد ملك ولا سبب سوى الله تعالى.
(1)
((ابن أبي حاتم: تفسير ابن أبي حاتم:3/ 828
(2)
((الزجاج: تفسير أسماء الله الحسنى: دار الثقافة العربية، (65)
(3)
((الغزالي: المقصد الأسمى في شرح معاني أسماء الله الحسنى، مكتبة الجنان والجابي، قبرص، ط 1، 1407 هـ، (148)
(4)
((الطبري: جامع البيان:7/ 440
(5)
((الماوردي: النكتة والعيون:5/ 471