الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
وقوله تعالى:" قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ "[الأنعام:50]، يقول السمعاني:"واستدل بهذا من فضَّل الملائكة على الآدميين، وليس فيه مستدل، لأن معنى قوله:" وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ "إنما أمر بقول هذا؛ لأن الملك يقدر على مالا يقدر عليه الآدمي، وقيل: لأن الملك يشاهد مالا يشاهده الآدمي"
(1)
، وعليه فلا مستدل في الآية.
3 -
وقوله تعالى: " مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ "[الأعراف: 20]، قال السمعاني:"وليس في هذا دليل على أن الملك أفضل من الآدمي؛ لأن معناه والله أعلم أنهما رأيا الملائكة في أحسن صورة، وأرفع منزلة، وفي تسبيح دائم من غير تعب ولا شهوة، فتمنيا أن يصلا إلى تلك المنزلة لو أكلا من تلك الشجرة ويتخلصا من التعب ومن شهوة البشرية "
(2)
، فليس فيها دليل على التفضيل، وقد أطال السيوطي في تفصيل المسألة، وتفريع صورها، وبيان دلائلها في كتابه: الحبائك في أخبار الملائك.
المطلب الثاني: هل الملائكة يموتون أم لا
؟!
ذكر السمعاني في تفسيره نقلا عن الكلبي وغيره، أن الموت يلحق الملائكة، قال تعالى:"فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ "[الزمر:68]، قال السمعاني في قوله:" مَن شَاءَ اللَّهُ " قولان: أحدهما: الشهداء، والآخر: أنهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، وفي تفسير الكلبي وغيره: لا يبقى إلا هؤلاء بعدما ينفخ في الصور، ثم إن الله تعالى يقبض روح ميكائيل، ويقبضه ملك الموت ثم روح إسرافيل ثم روح ملك الموت، ثم يكون آخرهم موتا جبريل عليه السلام فيسقطون ويكون فضل جبريل عليه السلام كفضل الجبل على الظراب "
(3)
.
(1)
السمعاني: تفسير القرآن:2/ 106.
(2)
السمعاني: تفسير القرآن:2/ 171.
(3)
السمعاني: تفسير القرآن:4/ 481.
وما ذكره السمعاني من موت الملائكة وإمكانه، هو ماحكاه شيخ الإسلام ابن تيمية إجماعاً فأجاب حين سئل عن موت الملائكة:"الذي عليه أكثر الناس، أن جميع الخلق يموتون حتى الملائكة، والمسلمون واليهود والنصارى على إمكان ذلك، وقدرة الله عليه"
(1)
، إلا أنه أنكر ماذُكِرَ من نزول الملائكة إلى الأرض، وأنهم يعبدون الله فيها ويموتون فيها، وقال:"لا أصل لذلك"
(2)
. وعلى هذا تتابع قول العلماء واستفاض:
يقول القصري: "قال الله عزوجل:" وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ " [الزمر:68]، أي الملائكة، مثل: ملك الموت وغيره، ثم يموتون بعد ذلك، قال تعالى:" كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ" [الرحمن:26]،" كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ" [القصص:88] "
(3)
.
ويقول ابن القيم: "لا أعلم موت الملائكة جاء في حديث صريح إلا هذا، وحديث إسماعيل بن رافع الطويل، وهو حديث الصور، وقد يستدل عليه بقوله تعالى:"" وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ "[الزمر:68] "
(4)
.
(1)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى:4/ 259.
(2)
محمد بن قاسم: المستدرك على مجموع الفتاوى:1/ 87.
(3)
القصري: شعب الإيمان:570.
(4)
ابن القيم: زاد المعاد: مؤسسة الرسالة-بيروت، ط 27، 1415 هـ، (3/ 594).
وفي اتحاف الجماعة معلقا على كلام ابن القيم: "وقد تقدم حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: (يقوم ملك بالصور بين السماء والأرض فينفخ فيه فلا يبقى خلق في السماوات والأرض إلا مات، إلا من شاء ربك)، رواه الطبراني والحاكم، وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في تلخيصه، وله حكم المرفوع؛ لأن مثله لايقال من قبل الرأي، إنما يُقال عن توقيف. وهذا الحديث يؤيد ماجاء في حديث أبي رزين، وحديث اسماعيل بن رافع، من النص على موت الملائكة إذا نفخ في الصور، والله أعلم"
(1)
.وروي عن مقاتل مثل هذا القول
(2)
.
ويقول السيوطي: "سُئلت هل تموت الملائكة بنفخة الصور، ويحيون بنفخة البعث؟ والجواب: نعم"
(3)
.
وهل في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (أنت الحي الذي لايموت والجن والإنس يموتون)، دلالة على عدم موت الملائكة؟! لايلزم ولا حجة فيه؛ لأنه مفهوم لقب، ولاعبرة به، وعلى تقديره فيعارضه ماهو أقوى منه، وهو عموم قوله تعالى:" كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ" مع أنه لامانع من دخولهم في مسمى الجن، بجامع مابينهم من الاجتنان عن عيون الناس
(4)
.
وذهب ابن حزم إلى إنكار موت الملائكة، وعلل ذلك: بعدم وجود نص في المسألة، ولا إجماع
(5)
. نقول: أما الإجماع فقد حكاه الإمام ابن تيمية
(6)
، وأما النص فقد ورد في السنة مايدل عليه، ففي حديث لقيط بن عامر مطولا وفيه:(يلبثون مالبثتم ثم تبعث الصائحة، فلعمر إلهك، ماتدع على ظهرها من أحد إلا مات، حتى الملائكة الذين مع ربك)
(7)
.
(1)
حمود التويجري: إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة: دار الصميعي، الرياض: ط 2،1414 هـ (3/ 298)
(2)
مقاتل: تفسير مقاتل:3/ 687
(3)
السيوطي: الحبائك في أخبار الملائك: 272
(4)
المناوي: فيض القدير:2/ 131
(5)
ابن حزم: الفِصل: 4/ 21
(6)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى:4/ 259
(7)
أخرجه أحمد في المسند، ح (6 - 162)