الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: الموقف من الفتنة التي جرت بين الصحابة رضي الله عنهم
ـ:
الواجب الذي أجمع عليه أهل السنة والجماعة، الكف عن ذكر الصحابة رضي الله عنهم إلا بخير ما يُذكرون به. وأجمعوا أنهم أحق أن تنشر محاسنهم، ويُلتمس لأفعالهم أفضل المخارج، وأن يُنظر بهم أحسن الظن، وأجمل المذاهب. وأجمعوا أن ما كان بينهم من الأمور الدنيوية لا يُسقط حقوقهم، وأجمعوا كلهم على القول بقوله تعالى:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [الحشر:10].
(1)
والذي قرَّره الإمام السمعاني في هذا الباب، موافق لمنهج السلف، وسائر على كل ما أجمعوا عليه، ومما ذكره في هذا المقام:
ـ قال السمعاني: " وحُكي عن بعض العلماء، أنه سُئل عما وقع من الفتن بين علي ومعاوية، وطلحة والزبير وعائشة ـ رضوان الله عليهم ـ فقرأ: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة:141]، وهذا جواب حسن في مثل هذا السؤال ".
(2)
فالواجب الأول تجاه الفتنة التي جرت بين الصحابة، ذكرهم بالجميل، ووكل أمرهم إلى الله تعالى، وإحسان القول فيهم.
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 67
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 148
وقد أشار السمعاني إلى بعض من اعتزل الفريقين في القتال الذي جرى بين الصحابة، فذكر ممن اعتزلها: أسامة بن زيد، يقول:" وكان أسامة من علية الصحابة، وعاش إلى زمن علي رضي الله عنه فدعاه علي إلى المقاتلة معه في الحروب، فقال لعلي: أنت أعز عليَّ من كل أحد، ولو قاتلت المسلمين مع أحد لقاتلت معك ـ ولكني منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: كيف بلا إله إلا الله يوم القيامة، امتنعت من القتال، فإن أعطيتني سيفاً يُميِّز المسلم من الكافر حتى أقاتل، فتركه علي. وكان ممن اعتزل الفريقين هو، وسعد بن أبي وقاص، وزيد بن ثابت، وعبدالله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين "
(1)
. وكذلك ممن اعتزل القتال عمران بن حصين، ومحمد بن مسلمة، يقول ابن تيمية:" وأكثر ممن بقي من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم أجمعين ".
(2)
وقد نص شيخ الإسلام ابن تيمية، إلى أن ترك القتال كان هو الأولى، وهو خير الطائفتين، مع كون علي رضي الله عنه خليفة المسلمين، وهو أقرب إلى الحق من معاوية رضي الله عنهم، وأن القتال قتال فتنة
(3)
، وقال:" وهذا هو قول أحمد، وأكثر أهل الحديث، وأكثر أئمة الفقهاء، وهو قول أكابر الصحابة والتابعين لهم بإحسان "
(4)
، ومما أَيَّدَ به شيخ الإسلام قوله ما يلي:
(5)
أ ـ الأحاديث التي وردت في النهي عن القتال في الفتن.
ب ـ أن الواجب كان الإصلاح بين الطائفتين، كما أمر الله تعالى، فلما لم يُعمل بذلك صارت فتنة وجاهلية.
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 467
(2)
ابن تيمية: منهاج السنة: 4/ 448
(3)
ابن تيمية: منهاج السنة: 1/ 539
(4)
ابن تيمية: منهاج السنة: 4/ 448 ـ 392
(5)
ابن تيمية: منهاج السنة: 1/ 540 ـ 8/ 146، مجموع الفتاوى: 17/ 311
ج ـ قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن رضي الله عنه: " إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين "
(1)
، يقول ابن تيمية:" فلما أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الحسن بالإصلاح، وترك القتال، دَلَّ على أن الإصلاح بين تلك الطائفتين، كان أحب إلى الله تعالى من فعله، فدل على أن الاقتتال لم يكن مأموراً به "
(2)
. يقول السمعاني: وفيه إشارة إلى الصلح الذي وقع بين أهل العراق، وأهل الشام، حين بايع الحسن معاوية، وسلم إليه الأمر.
(3)
وقد ذكر السمعاني عن الزبير حين رأى ما رأى يوم الجمل قوله: ما علمت أن هذه الآية، وهي قوله تعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25]، نزلت فينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى كان هذا اليوم.
(4)
ـ ولذا كان المعروف عن الفريقين، سلامة قلوبهم لبعض، قال السمعاني: " ومن المعروف عن علي رضي الله عنه أنه قال: إني لأرجو أن أكون أنا، وعثمان، وطلحة، والزبير، من الذين قال الله تعالى:{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحِجر:47].
(5)
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، باب علامات النبوة في الإسلام، ح (3629)
(2)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى: 4/ 467، وانظر: عمر القرموشي: أهل البيت عند شيخ الإسلام: مركز التأصيل للدراسات، ط 1، 1434 هـ (245)
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 290
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 258
(5)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 142 – 2/ 183
والواجب الثاني تجاه الصحابة رضي الله عنهم، الإمساك عن ذكر المساوئ، قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إذا ذُكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذُكر القدر فأمسكوا "
(1)
، يقول السمعاني:" والمراد به: الإمساك عن ذكر المساوئ، لا عن ذكر المحاسن "
(2)
، وروي أن عمر بن عبدالعزيز سُئل عما جرى بين الصحابة من القتال وسفك الدماء، فقال: تلك دماء طهر الله يدي عنها، فلا أُحب أن أغمس لساني فيها
(3)
. وهذا هو منهج السلف الذي ساروا عليه، في التعامل فيما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم:
ـ قال حماد بن زيد: تذاكروا محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كي تأتلف عليهم قلوب الناس، ولا تذاكروا مساوئهم، فتحرشوا الناس عليهم.
(4)
ـ وقال أبو الليث السمرقندي: ينبغي للعاقل أن يُحسن القول في الصحابة، ولا يذكر أحداً منهم بسوء؛ ليسلم له دينه.
ـ وروي عن إبراهيم النخعي، أنه سُئل عن القتال الذي وقع بين الصحابة، فقال: تلك دماء قد سلمت منها أيدينا، فلا نلطخ بها ألسنتنا.
(5)
ورحم الله بشراً الحافي حين قال: أرجو أن أقدم على محمد صلى الله عليه وسلم ولا أُخزى في أصحابه غداً.
(6)
ومن هنا قال السمعاني: فالأولى في هذا حفظ اللسان، وتسليم أمرهم إلى الله تعالى
(7)
(1)
رواه الطبراني في المعجم الكبير، ح (1427)، وصححه الشيخ الألباني، في صحيح الجامع الصغير: 1/ 209
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 403
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 403
(4)
الخلال: السنة: دار الراية، الرياض، ط 1، 1410 هـ (3/ 512)
(5)
السمرقندي: بستان العارفين: المكتبة العصرية، بيروت، 1424 هـ، (103)
(6)
الخلال: السنة: 2/ 480
(7)
- السمعاني: قواطع الأدلة: 1/ 342