الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: الكبائر:
المطلب الأول: تعريف الكبائر:
عَرَّف السمعاني الكبيرة فقال: " كل جريمة أوعد الله تعالى عليها النار. وقال أبو صالح: الكبيرة كل ما أوجب الحد، غير أنه لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار ".
(1)
وقال الجرجاني: " الكبيرة: هي ما كان حراماً محضاً، شرعت عليه عقوبة محضة، بنص قاطع في الدنيا والآخرة "
(2)
، وقال المناوي:" الكبيرة: كل معصية تُؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين، ورقة الديانة، أو كل ما توعد عليه بخصوصه في الكتاب والسنة، أو ما فيه حد أو غير ذلك ".
(3)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 420 - 5/ 297
(2)
الجرجاني: التعريفات: 183
(3)
المناوي: التوقيف على مهمات التعاريف: 279
وهنا يُشار إلى أمرين:
1 ـ أن ضبط الكبيرة من جهة حَدِّها أو عَدِّها، فيه اختلاف كبير جداً.
2 ـ أن بعض العلماء ضبطها من جهة حدِّها، وهؤلاء تنازعوا، وما ذكرناه سابقاً في تعريف الكبيرة، هو جزء من هذا الخلاف، ومنه:
أ ـ ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الكبائر: كل ذنب ختمه الله تعالى بنار، أو غضب، أو لعنة، أو عذاب. ورُوي نحو هذا عن الحسن البصري.
(1)
ب ـ وقال أبو حامد الغزالي: والضابط الشامل المعنوي في ضبط الكبيرة: أن كل معصية يقدم المرء عليها، من غير استشعار خوف، وحذار ندم، كالمتهاون بارتكابها، والتجرئ عليها اعتياداً، فما أُشعر بهذا الاستخفاف والتهاون فهو كبيرة. واعترض عليه العلائي فقال: "
…
وليس كذلك اتفاقاً، وإن كان ضابطاً لما عدا المنصوص عليه، فهو قريب ".
(2)
وبعض العلماء عرف الكبيرة بالعّدِّ بدل الحَدِّ، وهؤلاء تنازعوا كذلك في عَدِّها، فقيل: هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع، وهذا مروي عن ابن عباس، وروي عنه أيضاً أنه قال: هي إلى سبعمائة أقرب منها إلى السبع، غير أنه لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار.
(3)
وروي عن ابن مسعود أنه قال: الكبائر هي ما ذكره الله تعالى، في أول سورة النساء إلى قوله تعالى:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النساء:31]
(4)
، وقيل: هي سبع، وهو مروي عن علي بن أبي طالب: وقيل: أربع، وقيل: ثلاث، وقيل: عشر، وقيل سبع عشرة.
(5)
(1)
النووي: شرح مسلم: 2/ 85
(2)
ابن حجر الهيثمي: الزواجر: دار الفكر: ط 1، 1407 هـ (1/ 11)
(3)
الطبري: جامع البيان: 8/ 233
(4)
رواه الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي:(1/ 59)، السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 419
(5)
ابن حجر الهيتمي: الزواجر: 1/ 9، ابن القيم: الجواب الكافي: 136
وذهب الواحدي صاحب التفسير، إلى أن الكبيرة ليس لها حد يعرفها العباد به، وإلا لاقتحم الناس الصغائر واستباحوها، ولكن الله تعالى أخفى ذلك عن عباده؛ ليجتهدوا في اجتناب المنهي عنه، رجاء أن تجتنب الكبائر، ونظيره إخفاء الصلاة الوسطى، وليلة القدر، وساعة الإجابة، ونحو ذلك.
(1)
والأقرب في التعريف ـ والعلم عند الله ـ ما وافق فيه السمعاني ابن عباس رضي الله عنهما في أنها كل ذنب ختمه الله بنار، أو غضب، أو لعنة، أو عذاب. واختاره جمع من المحققين، كابن تيمية، وابن حجر.
(2)
والإمام السمعاني وافق جماهير السلف في انقسام المعصية، إلى صغيرة وكبيرة، وقد نَصَّ على ذلك في أكثر من موضع في تفسيره:
ـ قال في تفسير قوله تعالى: {وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ} [البقرة:271]، فيها قولان:
الأول: أن (مِنْ) صلة، والتقدير: ويكفر عنكم سيئاتكم، فعلى هذا يكون شاملاً للصغائر والكبائر، والثاني: أن (مِنْ) على التحقيق، والتكفير بالصدقات، يكون من الصغائر، فأما الكبائر، فإنما تكفرها التوبة. ثم قال:" والأول أقرب إلى أهل السنة ".
(3)
ـ وقال في تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا} [آل عمران:147]،:" رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا " أي: الصغائر، " وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا " أي: الكبائر ".
(4)
ـ وقال في تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ} [الشورى:37]،:"ويُقال: كل ما أوعد الله عليه في النار، فهو من الكبائر، وأما إضافة الكبائر إلى الإثم، فيقال: إنما أضافها إليه؛ لأن في الإثم كبيرًا وصغيراً ".
(5)
(1)
النووي: شرح مسلم: 2/ 82، ابن حجر الهيثمي: الزواجر: 1/ 7
(2)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى: 11/ 652، ابن حجر: فتح الباري: 12/ 184
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 275
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 1/ 363
(5)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 80
وهذا القول هو مذهب الجماهير، قال النووي:" وذهب الجماهير من السلف والخلف من جميع الطوائف إلى انقسام المعاصي إلى صغائر وكبائر، وهو مروي أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما وقد تظاهر على ذلك دلائل من الكتاب، والسنة، واستعمال سلف الأمة وخلفها "
(1)
، وقال ابن القيم:" وقد دل القرآن، والسنة، وإجماع الصحابة والتابعين بعدهم، والأئمة، على أن الذنوب كبائر وصغائر ".
(2)
ونُقل عن بعضهم: أن المعاصي قسم واحد، كلها كبائر، قال ابن عباس: كل شيء نهى الله تعالى عنه، فهو كبيرة، وهو قول أبي إسحاق الاسفرائيني، والباقلاني، والجويني، وابن فورك. واحتجوا: بأن كل مخالفة، فهي بالنسبة إلى جلال الله تعالى كبيرة. وقالوا: إنما يُقال لبعضها صغيرة، بالنسبة إلى ما هو أكبر منها، كما يُقال: الزنا صغيرة بالنسبة إلى الكفر، والقبلة المحرمة صغيرة، بالنسبة إلى الزنا، وكلها كبائر، وقالوا: معنى قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النساء:31]، إن تجتنبوا الكفر، كفرت عنكم سيئاتكم التي هي دون الكفر.
(3)
ويُشار هنا إلى مسألتين ذكرهما السمعاني:
1 -
فقد ذكر أن تكفير الصغائر معلق بالمشيئة، ردا على من قال: إنه باجتناب الكبائر تقع الصغائر مكفرة، فقال: ومذهب أهل السنة: أن تكفير الصغائر معلقة بالمشيئة، فيجوز أن يعفو الله عن الكبائر ويأخذ بالصغائر، ويجوز أن يجتنب الرجل الكبائر، فيؤخذ بالصغائر
(4)
.
(1)
النووي: شرح مسلم: 2/ 85
(2)
ابن القيم: الجواب الكافي: 134
(3)
النووي: شرح مسلم: 2/ 84، الشوكاني: إرشاد الفحول: 1/ 144
(4)
- السمعاني: مرجع سابق: 1/ 421