الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: مراتب القضاء والقدر:
" القدر عند أهل السنة: قدرة الله تعالى وعلمه، ومشيئته، وخلقه، فلا تتحرك ذرة فما فوقها إلا بمشيئته، وعلمه، وقدرته ".
(1)
فالإيمان بالقدر يتضمن أربع مراتب:
1 ـ الإيمان بعلم الله تعالى الشامل المحيط، فالله تعالى عَلِمَ ما الخلق عاملون بعلمه القديم، الذي هو موصوف به أزلاً وأبداً، وعَلِم جميع أحوالهم من الطاعات، والمعاصي، والأرزاق، والآجال
(2)
، وهذا القدر متفق عليه عند الرسل من أولهم إلى خاتمهم، واتفق عليه جميع الصحابة، ومن تبعهم من الأمة.
(3)
وقد استدل السمعاني رحمه الله على هذه المرتبة، بدلالات كثيرة من نصوص الوحيين، منها:
ـ قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59]، يقول السمعاني:" روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" مفاتح الغيب خمسة "، وذكر الخمس المذكورة في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان:34]، ثم قرأ الآية "
(4)
(5)
ـ وقوله تعالى: {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [السجدة:6]، أي: ما غاب عن العباد، ومالم يغب عنهم ".
(6)
(1)
ابن القيم: شفاء العليل: 52
(2)
ابن تيمية: العقيدة الواسطية: 105
(3)
ابن القيم: شفاء العليل: 29
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، باب (وعنده مفاتح الغيب)، ح (4627)
(5)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 111
(6)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 244
ـ وقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [سبأ:3]، يقول السمعاني مستدلاً بالآية على شمول العلم الإلهي:" لَا يَعْزُبُ عَنْهُ " أي: لا يغيب عنه، " مِثْقَالُ ذَرَّةٍ " أي: وزن ذرة، " وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ " أي: أصغر من الذرة إلى أن لا يحيط به العقل، وأكبر إلى ألا يُحيط به العقل، والمعنى: أن كل ذلك في علمه ".
(1)
ـ وقوله: {عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [الزُّمَر:46]، أي السر والعلانية.
(2)
ـ وقوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [الحشر:22]، أي: ما كان وما يكون.
(3)
ـ وقوله تعالى: {ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [الجمعة:8]، أي: عالم بما ظهر وخفي.
(4)
ـ وقوله تعالى: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [طه:98]، يقول السمعاني:" أي: وسع علمه كل شيء، وقالوا: هذا من فصيح القرآن ".
(5)
2 ـ الإيمان بأن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ مقادير المخلوقات، وهو ثابت في صريح القرآن والسنة، وآثار السلف، وهذا مما نُقل فيه الإجماع، فقد أجمع أهل السنة على أنه تعالى قَدَّر أفعال جميع الخلق، وأرزاقهم، وآجالهم، قبل خلقه لهم، وأثبت في اللوح المحفوظ جميع ما هو كائن منهم، وأجمعوا على أن لله لوحاً محفوظاً، كتب فيه كل شيء قبل أن يخلق العالم.
(6)
واستدل السمعاني على إثبات هذه المرتبة بجملة من الدلائل، منها:
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 316
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 472
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 408
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 434
(5)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 353
(6)
ابن القطان: الإقناع: 1/ 61 - 64
ـ قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59]، يقول السمعاني:" يعني: أن الكل مكتوب في اللوح المحفوظ، وهو مثل قوله تعالى: {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} [القمر:53] ".
(1)
ـ وقوله تعالى: {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [يونس:61]، يقول السمعاني:" معناه: إلا هو مبين في الكتاب، يعني: اللوح المحفوظ، وفي الأخبار المشهورة: " أن الله تعالى لما خلق القلم، قال: اكتب، قال: وما اكتب؟ قال اكتب ماهو كائن إلى يوم القيامة "
(2)
، وقد ثبت برواية عبدالله بن عمرو بن العاص، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن الله قدر المقادير قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة"
(3)
"
(4)
.
ـ وقوله تعالى: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:39]، يقول السمعاني:" معناه: وعند أصل الكتاب، وأصل الكتاب: هو اللوح المحفوظ ".
(5)
ـ وقوله تعالى: {كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} [الإسراء:58]، أي: مكتوباً، ومعنى الكتاب: هو اللوح المحفوظ.
(6)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 111
(2)
أخرجه أبوداود في سننه باب في القدر، ح (4700)
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه، باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام، ح (2653)
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 2/ 392
(5)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 100
(6)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 232
ـ وقوله تعالى: {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [النمل:75]، يقول السمعاني:" أي: جملة غائبة من الغائبات، وقيل: ما من خبر غائب، " وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ " هو اللوح المحفوظ".
(1)
ـ وقوله تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس:12]، " أي: جمعناه في كتاب مبين، والإمام المبين هو اللوح المحفوظ ".
(2)
ـ وقوله تعالى: {وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} [ق:4]، " أي: حافظ، وهو اللوح المحفوظ، وقيل: محفوظ ما فيه ".
(3)
وقد سمى الله تعالى اللوح المحفوظ غيباً، فقال:{أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} [القلم:47]، أي: عندهم اللوح المحفوظ، وسماه غيباً؛ لأنه كتب فيه ما غاب عن العباد.
(4)
3 ـ " الإيمان بمشيئة الله النافذة، وقدرته الشاملة، وهو الإيمان بأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه ما في السموات، وما في الأرض من حركة، ولا سكون، إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى، ولا يكون في ملكه إلا مايريد "
(5)
، وهذا مما أجمع عليه المسلمون، فأجمعوا على قول: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
(6)
واستدل السمعاني ببعض الدلائل القرآنية، وقَرَّر أن هذا هو اعتقاد أهل السنة، ومنه:
ـ قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج:18]، يقول السمعاني:" أي: يكرم ويُهين، ويشقي ويسعد، بمشيئته وارادته، وهو اعتقاد أهل السنة ".
(7)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 112
(2)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 370
(3)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 235
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 6/ 31
(5)
ابن تيمية: العقيدة الواسطية: 107
(6)
ابن القطان: الإقناع: 1/ 60
(7)
السمعاني: تفسير القرآن: 3/ 429
ـ وقوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الإنسان:30]، يقول السمعاني:" رد مشيئتهم إلى مشيئته، والمعنى: لا يريدون إلا بإرادة الله، وهو موافق لعقائد أهل السنة، أنه لا يفعل أحد شيئاً، ولا يختاره، ولا يشاؤه، إلا بمشيئة الله ".
(1)
4 ـ الإيمان بعموم الخالقية، وأن الله خالق كل شيء، وربه، ومليكه، وقد دخل في ذلك جميع الأعيان القائمة بأنفسها، وصفاتها القائمة بها من أفعال العباد، وغير أفعال العباد
(2)
. وهذا مما أجمع عليه المسلمون، فقد أجمعوا على أنه تعالى خالق لجميع الحوادث وحده، لا خالق لشيء منها سواه، وأجمعوا على أنه الخالق لجميع أفعال العباد، وأرزاقهم، والمنشيء لجميع الحوادث وحده.
(3)
واستدل السمعاني على هذه المرتبة بعدة أدلة من القرآن الكريم، منها:
ـ ما يدل على حصر الخلق في الرب جل وعلا، قال تعالى:{هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [فاطر:3]، أي: لا خالق غير الله
(4)
، فهذا استفهام على وجه التقرير، كأنه قال: لا خالق غير الله.
(5)
ـ وما يدل على عموم الخالقية، قال تعالى:{وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الذاريات:49]، أي: صنفين، ويقال معناه: زوجين زوجين، وذلك مثل: السماء والأرض، والليل والنهار، والنور والظلمة، والذكر والأنثى، والبر والبحر، وعن مجاهد قال: الكفر والإيمان، والشقاوة والسعادة، والهدى والضلالة، وروى حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إن الله خالق كل شيء، صانع وصنعته "
(6)
(7)
، قال الإمام البخاري:" فأخبر أن الصناعات وأهلها مخلوقة ".
(8)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 6/ 124
(2)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى: 8/ 449
(3)
ابن القطان: الإقناع: 1/ 61 - 62
(4)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 173
(5)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 345
(6)
أخرجه البخاري في كتاب خلق أفعال العباد: دار المعارف، الرياض، (46)
(7)
السمعاني: تفسير القرآن: 5/ 262
(8)
البخاري: خلق أفعال العباد: 46
ـ ما يدل على خلق أفعال العباد، قال تعالى:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:96]، يقول السمعاني:" من هذه الأصنام، فإذا كان الله خلقها، فلا يصلح أن تتخذوها ألهة، وفي الآية دليل على أهل الاعتزال، في أن أعمال العباد مخلوقة لله تعالى ".
(1)
(1)
السمعاني: تفسير القرآن: 4/ 405