الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معَ أنَّه لا يظهر معنًى في التَّخصيص ببعض العاطسين عند الإطلاق.
السادسة عشرة:
في الفَرْقِ بين الفرض على الكفاية والاستحبابِ على الكفاية؛ لتعلُّقِهِ بما قبلَه: أنَّ الفرض على الكفاية لا ينافيه الاستحبابُ في حقِّ من زادَ على القَدْرِ الذي سقطَ به الفرضُ.
وأما الاستحبابُ على الكفايةِ: فمعناه أن (1) يقعَ الامتثالُ لأمر الاستحباب بفعل البعض، فتنقطعُ دلالةُ النَّصِّ على الاستحباب فيما زاد على ذلك، ولا يبقى مستحباً، بل هو (2) داخلٌ في حيِّز المباح أو غيرِه (3).
فالفرضُ على الكفاية لا ينافيه الاستحبابُ فيما زاد، والاستحبابُ على الكفاية ينافيه الاستحبابُ فيما زاد من ذلك الوجهِ الذي اقتضى الاستحبابَ.
السابعة عشرة:
في الكلام في الأقسام بالنِّسبة إلى إبرار القسم، ولنتكلمْ أولاً فيما إذا حملنا إبرارَ القَسمِ على الوفاء بمقتضى اليمين، ولا شكَّ أن من الأيمانِ ما يحرُم الوفاءُ بمقتضاه؛ كالوفاء بمقتضى اليمينِ على فعل المحرَّم، ومنها ما يجب الوفاءُ بمقتضى اليمينِ فيه،
(1)"ت": "أنه".
(2)
في الأصل: "هو بل"، والمثبت من "ت".
(3)
مثال الاستحباب على الكفاية: الأذان، والإقامة، والتسمية عند الأكل، وغيرها.
وهو اليمينُ على فعلِ الواجب، لكنْ ليس الوجوبُ من جهته، بلْ من جهة الخطابِ الأصليِّ.
فعلى هذا يمتنع القِسْمُ الأولُ: وهو أن يجبَ على كلِّ حالفٍ الوفاءُ بمقتضى كلِّ يمين.
ويمتنع أيضًا القسمُ الثالثُ: [وهو](1) أن يجبَ على بعض المخاطَبين الوفاءُ بمقتضى كلِّ يمين.
ويجوز القسمُ الثاني: وهو أن يجبَ على العمومِ الوفاءُ بمقتضى بعضِ الأَيمانِ، وهو اليمينُ على فعلِ (2) الواجبات.
وكذلك الرابعُ: وهو أن يجبَ على بعض المخاطَبين الوفاءُ بمقتضى بعض الأيمان، وهذا الكلام في طَرَفِ الوجوبِ.
أمَّا في طَرَفِ الاستحبابِ، فالنَّظرُ إلى ما قدمناه، وهو وجوبُ الوفاءِ بمقتضى بعض الأيمان، وتحريمُهُ في بعض الأيمان، يقتضي (3) منعَ القولِ بالاستحباب عمومًا في المخاطبين، وفي حقِّ [جميع](4) الأقسام؛ لأنَّ بعضَ الوفاء واجبٌ وبعضَه محرمٌ، والوجوبُ الجزئيُّ والتحريمُ الجزئي يضادُّ الاستحبابَ الكليَّ.
(1) سقط من "ت".
(2)
"ت": "بعض" بدل "فعل".
(3)
"ت" زيادة "أيضًا".
(4)
سقط من "ت".
وبهذا يمتنعُ أيضًا الخصوصُ بالنسبة إلى المخاطَبين، وعمومُ الاستحبابِ بالنسبة إلى الأقسام، بمعنى أنه: يُستحَبُّ لبعض الناس إبرارُ جميع الأقسام؛ لما ذكرناه من الوجوبِ في البعض والتحريمِ في البعض، معَ أن التخصيصَ خلافُ ظاهرِ العموم في المخاطبين.
وأمَّا الخصوصُ بالنسبة إلى بعض المُقْسِمين، والخصوصُ بالنسبة إلى بعضِ الأقسام، فهذا واقعٌ؛ لأنَّ المُقسِم (1) على فعل المُستحبِّ يُستحَب له الوفاءُ، هذا إذا حملنا إبرارَ القسم على الوفاء بمقتضى اليمين، أما إذا حملناه على جعلِ القَسَمِ بارًّا؛ أي غير آثم، فلا أحسب أحدًا من المُقْسِمين إلا ويجبُ عليه أن يكونَ قَسَمُه بارًا؛ أي: غيرَ ذي إثم.
أما إبرارُ المُقْسِم؛ أي: الحالف عليك بالشيء، فإبرارُ قَسَمِهِ أن تفعلَ ما حلَف على فعلِك له، أو تتركَ ما حلفَ على تركِك له.
ولا يمكنُ العموم في الأقسام؛ لاحتمال أن يحلفَ على فعلِ معصيةٍ، أو تركِ واجبٍ، فيحرمُ إبرارُ يمينه (2)، فالتخصيصُ لا محالةَ واقعٌ في هذه الصورة، وأمَّا العموم في المخاطبين فممكن، ويكون المرادُ أمرَ جميعِ المخاطَبين بإبرار بعضِ الأقسام، وذلك ثابتٌ؛ لوجوب إبرار يمين المُقسم على فعلِ الواجبِ أو تركِ المحرَّم، لكنَ هذا الوجوبَ ليس ناشئًا عن كونِهِ إبرارًا للمُقْسم، بل هو ثابتٌ
(1)"ت": القسم.
(2)
"ت": "قسمه".
بأصل الخطابِ الشَّرعيِّ.
وإن حلفَ على فعلِ مُحرَّمٍ أو تركِ واجبٍ، فالإبرارُ محرَّمٌ، وإن حلف على فعل مكرهٍ، فالإبرارُ لقَسمِهِ مكروهٌ إلا لمُعَارض، وذلك عندما تكون المَفْسَدةُ في عدم الإبرار أعظمَ من المفسدة في فعلِ المكروهِ.
فتلَخَّص من هذا: أنه لا سبيلَ إلى الحملِ على الوجوب مُستنِدًا إلى إبرار القسم، بل بأصل الشرع، ولا على الوجوب مطلقًا بالنسبة إلى فعل المحرَّم، ولا على الوجوب بالنسبة إلى فعل المكروه إلا لمُعارِضٍ، ولا عليه بالنسبة إلى اليمين على (1) فعل يستحب إلا لمعارض.
أما إذا حُمِل الأمرُ على الاستحباب، فلا شكَّ في تعذُّرِ الحمل على العمومِ؛ لتحريمِ إبرار القَسَم على فعل المعصية أو تركِ الواجب.
وإذا تعذَّرَ الحملُ على العموم في المُقْسِمين والأقسام معًا؛ أي: على سبيل الجمع بالضرورة، فبطل القسمُ الأول.
وأما الثاني: وهو الاستحبابُ لكلِّ أحدٍ أن يَبَرَّ بعضَ أقسام المُقْسمين، فهذا ثابتٌ عندما يكون قد حلفَ عليك أن تفعلَ مُسْتَحَبًّا، أو تفعلَ مُبَاحًا.
والثالثُ: وهو الاستحبابُ لبعض المخاطَبين إبرارُ كلِّ الأقسام، وهو ممتنعٌ.
(1) في الأصل: "إلا"، والتصويب من "ت".