الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقابلةَ الظاهر يتأويل وعاضِدِهِ، فيقدم الأرجحُ في الظن، وإن استويا في الظق فقد قيل بالوقف، وإن كان ما يدعى تأويلًا لا ينقدح احتمالُه، فهو باطل.
واعلم أَن تقديمَ أرجحِ الظنين عند التقابُل هو الصوابُ إن شاء الله، غير أنا نراهم إذا انصرفوا إلى النظر في الجزئيات يخرج بعضهم عن هذا القانون، ومن أَسباب ذلك اشتباهُ المَيلِ الحاصل بسبب الأدلة الشرعية بالميل الحاصل عن الإِلْف والعادة والعصبية، فإن هذه الأمورَ تُحدِثُ للنفس هيئةً وملكَةً تقتضي الرجحانَ في النفس بجانبها، بحيث لا يشعر الناظرُ بذلك، ويتوهم أنه رجحانُ الدليل، وهذا محل خوف شديد، وخطر عظيم، يجب على المتقي لله تعالى أن يصرِفَ نظرَه إليه، ويقفَ فكرَه عليه، والله أعلم.
التاسعة عشرة:
المحكيُّ عن أبي ثور وغيره، أن أثر الدباغ إنما هو فيما يؤكل لحمه، بمعنى: أنه لا يطهر غيره بالدباغ، وأن التنصيص على بعض أفراد العام يقتضي التخصيص، لورود النص في شاة ميمونة (1)، وقد قدمنا (2) أنه لا ينبغي أن تؤخذَ هذه القاعدة الكلية، وينسب إليها مذهب أبي ثور بسبب هذا الحكم الجزئي.
العشرون:
الذين قالوا باستئناء جلد الخنزير، وأنه لا يطْهُر بالدباغ، لم يَجْرُوا على مقتضى العموم في هذا الحديث، ولعل مأخذَه
(1) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (5/ 294 - 295).
(2)
في الفائدة الخامسة من هذا الحديث.
عندهم القولُ بنجاسة الخنزير في حال الحياة، وأن غاية الدباغ أن يردَّ الجلد إلى حالة الحياة، وهو في حالة الحياة نجس، فكذلك بعد الدباغ، وبل أولى.
وهذا يتوقف على إثبات نجاسة الخنزير أولًا، ثم على إثبات الملازمة بين نجاسة الذات في حال الحياة، ونجاسة الجلد بعد الدباغ.
ونجاسةُ الخنزير ليس فيها إجماع (1) ولا نص.
والدليل الَّذي استدل به على نجاسة الكلب، وهو غسل الإناء من ولوغه سبعًا (2) لم يردْ في الخنزير.
والقول بأن الخنزيرَ أغلظُ حالًا من الكلب، فيكون أولى بالأغلظيَّة، ويستدل على الأغلظية بالمنع من اتخاذه في كلِّ صوره، أو بإباحة قتله، ودلالة ذلك على النجاسة، إنما هو لمناسبة شدة الإبعاد للتنجيس، ولا تخفى رتبةُ هذه المناسبة، وأن المنع من الاتخاذ بالكلية يقتضي أنه أسوأُ حالًا في ذلك المنع.
وأما أنه أسوأُ حالًا في الطهارة والنجاسة فقد يمنع، وإنما طريقُه تلك المناسبةُ التي ذكرناها.
وأما إثبات الملازمة بين نجاسة الذات في حال الحياة، ونجاسة الجلد بعد الدباغ، فسنعود إليه في مسألة استثناء جلد الكلب إن شاء الله تعالى.
(1) وقد غلَّطوا ابن المنذر في نقله الإجماع على نجاسة الخنزير.
(2)
تقدم تخريجه.