الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انفرادها بالعلية، والعلةُ إذا كانت مفردة في الحكم لزمَها العكسُ، فلا يثبت الحكم بدونها.
وأما الثاني: وهو إقامةُ التهيُّؤ (1) للخيلاء مقامَ حقيقته، فهو حكمٌ تقديري على خلاف الأصل، ومن هاهنا يترجَّح التعليلُ بالسَّرف على التعليل بالخيلاء، إذ لا آنيةَ من ذهب وفضة إلا وتحريم الاستعمال موجودٌ فيها، والعلة فيها - وهي (2) السرف - موجودة، وليس كذلك في التعليل بالخُيلاء؛ لأن بعض أواني الذهب والفضة محرَّمُ الاستعمال، والعلةُ مفقودةٌ وهي الخيلاء.
الرابعة والستون بعد الثلاث مئة:
النهيُ عامٌّ في الإناء الصغير والكبير من الذهب والفضة، فيُعَمَّم (3) الحكمُ فيهما.
الخامسة والستون بعد الثلاث مئة:
هو عامٌّ بالنسبة إلى الرجال والنساء، فيعمُّ التحريمُ كلَّ واحد من الصنفين، واتَّفق عليه أربابُ المذاهب المشهورة.
السادسة والستون بعد الثلاث مئة:
لسائل أن يسألَ فيقولَ: قد رويتم في الذهب والحرير عن الرسول صلى الله عليه وسلم "وهو حِلٌّ لإناثهم"(4)،
(1) في الأصل: "النهي"، والمثبت من "ت".
(2)
"ت": "التي هي".
(3)
"ت": "فيعمُّ".
(4)
رواه النسائي (5148)، كتاب: الزينة، باب: تحريم الذهب على الرجال، والترمذي (1720)، كتاب: اللباس، باب: ما جاء في الحرير والذهب، =
وهذا النص خاصّ بالنساء، فهلا خُصَّ به [هذا](1) العمومُ في النهي عن الأكل والشرب، فإن الخاصَّ مقدَّم على العام؟
فنقول: هذا من قبيل (2) إضافة التحريم والتحليل إلى الأعيانِ، وقد اختَلف فيه الناس، فنُقل عن لمحوم من القدرية: أنه مجمَلٌ، وهو مردود؛ لأنَّ عرف الاستعمال كالوضع، ولهذا قُسّمت الأسماء إلى عرفية ووضعية، وعرف الاستعمال يصرِفُ اللفظَ عن الإجمال، فمن قال: حرَّمْتُ الطعام، فُهم منه في العرف أكلُه، أو حرَّمْتُ الثوبَ، فُهِمَ لُبْسه، ولا يُفهم منه النظرُ إليه، ولا مسُّه، وكذلك حرَّمْتُ المرأة، يُصرف إلى الاستمتاع، ورأيتُ فْي تصرف بعض الفقهاء استعمالَه في العموم؛ أعني: في الأفعال المنسوبة إلى العين، فإذا ثبت هذا فنقول: مَنْ صَرَفَ اللفظ في (3) التحريم والتحليل إلى المقصود من منافع العين عادةً، فتحريم الحرير منصرِفٌ إلى اللُّبس، وأما تحريمُ الذهب فلا يبعدُ أنْ يتصرفَ إلى التحلِّي به؛ لأنه المعتادُ، وأما اتخاذُ الأواني منه فقليلٌ نادرٌ، وإذا كان كذلك فتحليلُ الذهب للنساء منصرفٌ (4) على هذا التقدير
= وقال: حسن صحيح، وغيرهما من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. وانظر:"التلخيص الحبير" لابن حجر (1/ 52).
(1)
زيادة من "ت".
(2)
"ت""قِبَل".
(3)
"ت": "و".
(4)
"ت": "ينصرف".
إلى التحلِّي بالمعتاد (1)، ولا يتناول الشربَ والأكلَ في أوانيهما، فيبقى النصُّ الدال على تحريمهما في أوانيهما غيرَ معارض، وأما إذا حُمل على العموم إمَّا بالنسبة إلى منافع العين، وإما ما على هو أعمُّ من التحلِّي، وإن لم يستغرق منافع العين، فحينئذ يكون هذا من قبيل تعارضِ العمومَيْن من وجه دون وجه.
بيانُه: أن النهيَ عن الشرب [بالذهب و](2) الفضة خاصٌّ بالنسبة إلى هذا الانتفاع المعيَّن، عامٌّ بالنسبة إلى الرجال والنساء، وإباحةُ الذهب للنساء خاصٌّ بالنسبة إليهن، عامٌّ بالنسبة إلى هذا الانتفاع المعين، وإذا كانَ كلُّ واحد منهما بالنسبة إلى الآخر عامًا من وجه خاصًا من وجه، فلابدَّ من الترجيح، فيمكن أن يقال فيه: الترجيحُ لعموم النهي بالنسبة إلى الرجال والنساء لوجهين:
أحدهما: أن هذا الحكم قد عُلِّل بعلة تَعُمُّ الفريقين، وتوجب التحريم على النوعين، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:"لا تشربُوا في آنيةِ الفضةِ والذهبِ (3)، ولا تأكلوا في صِحافِها؛ فإنَّها لَهُم في الدُّنيا، ولكُم في الآخرةِ"(4)، فانحصارُها للكفار في الدنيا يقتضي أن لا تكونَ لمقابلهم
(1)"ت": "المعتاد".
(2)
سقط من "ت".
(3)
"ت": "الذهب والفضة".
(4)
رواه البخاري (5110)، كتاب: الأطعمة، باب: الأكل في إناء مفضض، ومسلم (2067)، كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم استعمال إناء =
في الدنيا، وهم المسلمون، لا للرجال فقط؛ لأنه لو أبيحَ للنساء لما انحصرت للكفار في الدنيا.
وأيضًا فإن هذا التعليل إنما هو للتزهيد فيها في الدُّنيا، والترغيب لنا فيها في الآخرة، وسائر المؤمنين مطلوبون بترجيحِ أمر الآخرة على الدنيا، ولا أثرَ في هذا المعنى للأنوثة والذكورة حتى يقال بالتخصيص، فظهرَ أن هذا الحكمَ معلل بعلةٍ دلَّ اللفظ عليها يقتضي الاستواءَ في الحكم بين الرجال والنساء.
وأما تحليلُ الذَّهب للنساء فلم يُعلَّل بعلة لفظية تقتضي عمومَ أنواع الانتفاع، وما عُلِّل لفظا راجح على ما لم يُعلَّل لفظًا، بل ربما نقول: إن المقصودَ الأظهرَ من التحليل للنساء معنى الزينة، وذلك لا يقتضي جميعَ أنواع الانتفاع حتى ينتهيَ إلى السرفِ والتبخترِ (1) والتكبرِ.
والثاني: الترجيحُ بالنصوص الشرعية الدالة على ذمِّ السَّرف؛ {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141]، {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غافر: 43]، {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} [الفرقان: 67] وهذه المفسدة لا تختص بالرجال دونَ النساء، بل هما شَرْعٌ في ذلك.
= الذهب والفضة، من حديث حذيفة رضي الله عنه، وسيأتي تخريجه مفصلًا في الحديث الثاني من هذا الباب.
(1)
"ت": "والتجبُّر".