الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طعامهم - من حيث هو - بالحل، وامتناعُ أكله؛ لأجل غلبة النجاسة من قَبيل الموانع التي لا يُقصد التعرضُ لها؛ لِمَا (1) عُلِمت نجاستُه من أوانيهم، وهذا ليس بالشديد القوة؛ لإمكان المنازعة في هذه الدعوى، والتمسك بالعموم الذي يزعمه، والله أعلم.
الحادية عشرة:
الاستدلالُ بأكل النبيِّ صلى الله عليه وسلم أهدته له اليهوديةُ في القول بالطهارة، وفي معارضته حديث أبي ثعلبة، إلا أنه استدلالٌ بفعل في واقعة خاصة لا عمومَ لها، وحديث أبي ثعلبة استدلالٌ بلفظ عام، فتكون معارضةُ الخصوصِ العمومَ في محل التخصيص فقط، فمن منع الاستعمالَ فيمكنه أن يقول: هذه واقعةُ حال لا عمومَ لها، فأَحمِلُها على صورة العلم بالطهارة لاحتمالها، وأنا لا أمنع الاستعمال في هذه الصورة، وهذا وإن كان متجهًا في المناظرة إلا أنه لا يقوى في النفس أن الواقع هو تلك الصورة؛ أعني: تيقن الطهارة، وقد تكون القرائنُ دليلًا على ما ذكرناه.
أما من أراد الاستدلال به على جواز استعمال أواني الكفار، فإما أن يكون ممن يبيحُ ذلك مطلقًا، وإما أن يكون ممن يفرِّق بين من يتديَّن باستعمال النجاسة، أو لا.
فإن كان من الأولين فقد بيَّنا أنه لا عمومَ فيه، وإذا لم يكن عموم، فالحكم مستفاد في غير محل النص بالقياس فقط، وشرط
(1)"ت": "كما".
القياس مساواةُ الفرع للأصل في المعنى الموجب للحكم، أو زيادتُه عليه، وهذا الشرط مفقودٌ هاهنا؛ لأن اليهود لهم تحذُّر من النجاسات على ما جاء في الحديث: مِنْ قَرْضِ بني إسرائيل ما أصاب الثوبَ بالمقراض (1)، وعلى ما صحَّ من مجانبتهم الحائضَ، وعدم مؤاكلتها، ومشاربتها، ومجامعتها في البيوت (2)، ومحل النزاع عليه النجاسة على ما جُهِلَ حالُه.
وإذا أردنا أن نقيسَ استعمالَ أواني النصارى في الجواز على استعمال أواني اليهود، مع كون النصارى لا احتراز لهم عن شيء من النجاسات، فلا يصح؛ لأن أبوالَهم في ثيابهم وأبدانهم من غير كلفة، والرهبان منهم يتدينون بإبقاء النجاسة، ويروْنَ أن ذلك من باب الترفُّهِ الداخل تركُه في الزهد في الدنيا، والعلةُ، وهي غلبة النجاسة في الفرع، وهو (3) آنية النصارى والمشركين، قاصرةٌ عن محل النص، وهو استعمال أواني اليهود، فكيف يصِحُّ القياس؟!
وأما الذين يفرِّقون بين من يتدين باستعمال النجاسات، ومن
(1) رواه البخاري (224)، كتاب: الوضوء، باب: البول عند سباطة قوم، ومسلم (273)، كتاب: الطهارة، باب: المسح على الخفين، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(2)
رواه مسلم (302)، كتاب: الحيض، باب: الاضطجاع مع الحائض في لحاف واحد، من حديث أنس رضي الله عنه.
(3)
"ت": "هي".