الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو معمولٌ [به](1) عند الجمهور؛ أعني: أنَّ هذه الأمورَ يتعلَّق بها التَّحريمُ، إلا ما خُصَّ منها، فيخرج موضعُ التَّخصيصِ منها، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى.
الثالثة والعشرون:
أطلقوا القولَ باستحبابِ عيادة المريض، وأنَّه سُنَّةٌ (2)، ولا شكّ في أنَّ تركَ عيادةِ من يَضِيع إذا لم يُعَدْ محرَّمٌ، والقيامَ عليه فرضُ كفاية، فإذا لم يتمَّ إلا بعيادته، فعيادتُه فرضُ كفاية؛ لأن ما لا يتمُّ الواجبُ إلا به فهو واجب، فالإطلاق إذنْ بالنسبة إلى الأعمِّ الأغلبِ من غير نظرٍ إلى العوارض، أما الظاهريُّ فإنَّه ذهبَ إلى أن عيادةَ مرضى المسلمين فرضٌ، ولو مرة على الجار الَّذي لا تشقُّ عليه عيادتُه (3).
فأمَّا قولُه بالفرضيَّةِ فهو مقتضى ظاهرِ الأمر، وظاهرُ صيغةِ الوجوب التي رَويناها من حديثِ الزُّهْرِيِّ، عن ابن المسيِّب، عن أبي هريرة (4).
وأمَّا تخصيصُه بالجارِ فليس في حديث البَراء ما يقتضيه، وكذلك الحديثُ الَّذي ذكره الظاهريُّ في هذه المسألة، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "حقُّ
(1) زيادة من "ت".
(2)
قال الإمام النووي في "شرح مسلم"(14/ 31): أما عيادة المريض، فسنة بالإجماع، وسواء فيه من يعرفه ومن لا يعرفه، والقريب والأجنبي.
(3)
انظر: "المحلى" لابن حزم (5/ 172).
(4)
في قوله صلى الله عليه وسلم: "خمس تجب للمسلم على أخيه
…
".
المُسْلِمِ على المُسْلِمِ خَمْسٌ" (1)، لا يقتضي أيضًا التَّخصيصَ بالجار، فتخصيصُه بالجار يحتاج إلى دليل، وليس هذا التخصيصُ بالهيِّن؛ لأنه إذا خُصَّ الوجوبُ بالجار لا يتأدَّى [الفرضُ] (2) بعيادة غيرِ الجار، وإذا عمَّمنا الوجوبَ تأدَّى الفرضُ بعيادة غيرِ الجار من المسلمين، بل نزيد ونقول: إنَّ قوله صلى الله عليه وسلم: "حقُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ خَمْسٌ" يقتضي ثُبُوت هذا الحكم على المسلمِ، والمسلمُ أعمُّ من المسلمِ الجار، فصار اللفظُ دليلًا على عدمِ التَّخصيص.
وأمَّا تخصيصُه الوجوبَ بمرةٍ فظاهرٌ؛ لأنه مطلقٌ في عدد المرَّات، يتأدَّى بمرة واحدة، اللهم إلا أن يكونَ الوجوبُ ثابتًا لسبب مستمرٍّ كخوف الضَّيْعَةِ على المريض مثلًا، فيبقى الوجوبُ ما بقي سببُهُ.
وأما قولُه (3): الَّذي لا تشُقُّ [عليه](4) عيادتُه، فليس فيه تعريفٌ لمقدار المشقَّة المسقطِ (5) للوجوب، وليس كلُّ (6) المشقَّاتِ مسقطًا.
(1) تقدم تخريجه عند الشيخين.
(2)
زيادة من "ت".
(3)
أي: ابن حزم.
(4)
سقط من "ت".
(5)
"ت": "المسقطة".
(6)
في الأصل: "لذلك" بدل "كل"، والمثبت من "ت".