الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما شُرب [الآخرِ](1)[الخمرَ](2) فهو المَلومُ فيه، والمحتسب غيرُ قادرٍ على منعه من ذلك المنكر، وقد ذهمب إلى هذا ذاهبون، وليس ببعيد.
قال: هذه مسائل فقهية لا يمكن فيها الحكمُ إلا بظن، ولا يبعد أن يفرقَ بين درجات المنكر، وينكرها الذي تُفضي إليه الحِسْبةُ والتغييرُ، فإنه إذا كان يذبحُ شاةً لغيره ليأكلها، وعلم أنه لو منعه ذلك لذبح إنساناً وأكله، فلا (3) معنى لهذه الحسبة، نعم لو كان مَنْعُهُ من ذَبْحِ إنسانٍ وقَطْعِ طرفِهِ يحملُهُ على أخذ ماله، فذلك له وجهٌ (4).
الخامسة والخمسون بعد المئتين:
ذكر غيرُ واحد هذا (5) الذي أذكر معناه، واللفظ لبعضهم، وهو: أن سبيل مُنْكِرِ المُنْكَر أن ينكرَهُ بقدر ما يظن زوالَه فقط، فإن أمكن زوالُه بالتخويف والوعظ والزجر اقتصر على ذلك، ولم يبسط يدَه إلى سواه، وإن احتاج فيه إلى فعلٍ مع القولِ، اقتصر على أيسرِ ما يمكن زوالُه به، ولم يجاوز ذلك، وإن احتاج إلى القتال قاتَلَ عليه.
ورتَّب ذلك على حسب ما يؤدِّيه اجتهادُه وغلبةُ الظنِّ، فإن لم يمكن إنكارُه بلسان، ولا يد، أنكر بقلبه، ورغب إلى الله تعالى في إزالته.
قال: هذا الذي أشرتُ إليه. ولا يبلغ مُنْكِرُ المُنْكَرِ بالسيف
(1) سقط في "ت".
(2)
زيادة من "ت".
(3)
في الأصل: "ولا"، والمثبت من "ت".
(4)
انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (2/ 320).
(5)
في الأصل: "ما هذا"، والمثبت من "ت".
والسلاح إلا مع السلطان (1)، ولكن ينكر بما دونَ السيفِ والسلاحِ (2).
[و](3) هذا التدريج الذي حكينا، ذهب إليه غيرُ واحد من الأشعريةِ والمعتزلةِ، والذي ذكرته آنفاً هو عن بعض الأشعرية.
ورأيت بعض المتكلمين، وبعضَ من تكلم في التفسير [قد] (4) استأنس في ذلك بقوله (5) تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا} [الحجرات: 9]، فأمرَ أولاً بالإصلاح، وفي الأخير بالقتال.
قال المفسّرُ بعد أن تلا الآيةَ: قدَّمَ الإصلاح على القتال، وهذا يقتضي أن يبدأ - في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - بالأرفقِ فالأرفقِ مترقياً إلى الأغلظ فالأغلظ، قال: وكذا قوله تعالى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء: 34]، وإذا لم يتمَّ الأمرُ بالتغليظ والتشديد، وجب عليه القهرُ (6) باليد، فإنْ عَجَزَ فبالقلبِ (7).
قلت: هذا الذي ذكر من التدريج إن كان على سبيل الاستحباب فلا بأسَ، وإن كان على سبيل الوجوب، فيُشكل عليه حديثُ أبي
(1)"ت": "سلطان".
(2)
في الأصل زيادة: "إلا مع السلطان ولا ينكر".
(3)
زيادة من "ت".
(4)
زيادة من "ت".
(5)
في الأصل: "بذلك في قوله"، والمثبت من "ت".
(6)
"ت": "التغيير".
(7)
انظر: "التفسير الكبير" للرازي (8/ 147).
سعيد الخُدْري رضي الله عنه الصحيح: "منْ رأى مُنْكَراً فَليُغيِّره بيده، فإنْ لم يستَطِعْ فبلسانِهِ، فإن لم يستطِعْ فبقلبِهِ، وذلكَ أضعفُ الإيمان"(1).
فأمرَ بالتغيير أولاً باليد، وشرطَ في الاكتفاء بتغيير اللسان عدمَ الاستطاعة بتغيير اليد، وما ذكره من الاستشهاد على ذلك بقتالِ البغاة، وكذلك ما يمكن أن يُستشهد به عليه من دفع الصائل، فإنه يجب البَداءةُ فيه (2) بالأهون فالأهون، فالسببُ فيه أنَّ قتلَ المسلمِ مفسدةٌ [عظيمة](3)[عظمُي](4) عند الله من زوال الدنيا (5)، فيجب أن لا تُوْقَع هذه المفسدةُ مهما أمكن ذلك، وكذلك ضربُ المرأةِ مفسدةٌ لا تُوْقَعُ إلا بعد العجْز عن دفعها بما دونه لقيام المانع، فإن كان إنكارُ المنكر مما يؤدي إلى مثل هذا من إيقاع المفاسد المحظورةِ شرعاً، فهو مثل
(1) تقدم تخريجه.
(2)
"ت": "فيها".
(3)
سقط من "ت".
(4)
الأصل و "ت""أهونُ"، والمثبت أشير إلى تصحيحه في هامش "ت".
(5)
روى النسائي (3987)، كتاب: تحريم الدم، باب: تعظيم الدم، والترمذي (1395)، كتاب: الديات، باب: ما جاء في تشديد قتل المؤمن، من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً:"لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم". وقد رجح الترمذي وقفه.
قلت: الأحاديث في تحريم قتل المسلم كثيرة جدًا قد يبلغ مجموعها حدَّ التواتر، وقد أفردها غير واحد من العلماء بالتصنيف.