الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعاني التي يوردونها مجاز، وكان تصرُّف البصريين آيلًا إلى المجاز، فهذا ينبغي أن يكونَ الخلافُ [فيه](1) في ترجيح أحدِ المجازين على الآخر، لا في المنع من الاستعمال، [والحمل](2) أو الجواز فيهما.
وإن كان الكوفيون يروْنَ الاستعمالَ في هذه المعاني التي يوردونها حقيقةً، والبصريون يقولون هي مجاز، فقد تقررَ في علم الأصول أنَّ المجاز خيرٌ من الاشتراك، والاشتراكُ لازم على هذا القول؛ لأن الفريقين يتفقون على استعمال اللفظ في معنى حقيقته، والكوفيون على هذا التقدير يرون استعمالَه في معانٍ حقيقةً، فيلزم الاشتراك على هذا التقدير جزمًا، ولست أذكر التصريح من مذهب المجوِّزين بأنه حقيقة، وإنما المشهور قولُهم: ويكون كذا بمعنى كذا، وليس في هذا دليل على أنه حقيقة فيه.
السادسة:
المجاز يحتاج (3) إلى العلاقة والقرينة، والعلاقةُ (4) هي المجوِّزة للاستعمال، والقرينة هي الموجبة للحمل، فإن كان الواقع ما قدَّمناه من رجوع الخلاف إلى ترجيح أحد المجازَين على
(1) زيادة من "ت".
(2)
سقط من "ت".
(3)
"ت": "محتاج".
(4)
"ت": "فالعلاقة".
الآخر، فهذا المقام قد يقع الترجيح فيه (1) بسبب العلاقة، وقد يقع بسبب القرينة.
أما بسبب العلاقة: فأن (2) يكون أظهرَ للذهن، وأحصر عند الفهم (3)، كما في مجاز الملازمة مثلًا، فإنَّ رُتَبَ التلازمِ متفاوتةٌ، ويكون بعضُها أقربَ (4) من بعض.
وأما بسبب القرينة: فالقرائن لا تُحصى رُتبها، فقد تختلف بالكثرة والقلة، وبالظهور والخفاء، وغير ذلك، على هذا التقدير يُحتاج إلى النظر الجزئي بالنسبة إلى مواقع الاستعمال في (5) علاقته وقرينتِهِ، والذي يدل على ما قلناه من رجوع المعنى إلى ترجيح مجاز على مجاز: أنه إذا قلنا: إنَّ (في) للظرفية، نحوَ: المال في الكيس، وزيد في الدار، فإذا (6) قال بعضهم: إنها تكون بمعنى (على)، واستدل عليه بقوله عز وجل:{وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71]، وبقول الشاعر (7) [من الكامل]:
(1)"ت": "فيه الترجيح".
(2)
"ت": "فقد".
(3)
"ت": "وأخصر للفهم".
(4)
"ت" زيادة: "وأظهر".
(5)
"ت": "وإلي".
(6)
في الأصل: "وإذا"، والمثبت من "ت".
(7)
هو الفرزدق كما تقدم.
بطلٌ كأنَّ ثيابَهُ في سَرْحَةٍ
فقال خصمُه: لا حجةَ في ذلك؛ لأن الجذوعَ صارت لهم بمنزلة المكان؛ لاستقرارهم فيها، وكذلك السَّرْحةُ بمنزلة المكان؛ لاستقرار الثياب فيها.
فيقال له: هاهنا هيئةٌ للمصلوب بالنسبة إلى الجذع، هي المدلول عليها بالكلام المذكور، فهذه الهيئة المعينة، هل حقيقة الظرفية والوعاء موجودة فيها، كما في قولنا: المال في الكيس، وزيد في الدار، أم لا؟
فإن لم تكن موجودة فقد استعملت في التي موضوعها الظرفية والوعاء فيما ليمس كذلك، فهي مجاز، وإن ادَّعيت أنها موجودة فهي خلاف ما ذكر من الظرفية في قولك:[المال في الكيس، وكفى دليلًا على أنها مجاز قولك: إن الجذوع](1) صارت لهم بمنزلة المكان لاستقرارهم فيها، فإن الشيء لا يكون بمنزلة نفسه، فهي إذن غيرُه.
ثم يقول: إن (على) للاستعلاء، فهذه الهيئة المعيَّنة هل وجدت هذه الحقيقة فيها، أو لا؟
فمان وجدت فاللفظ الموضوع لهذه الهيئة هو (على) وهي (2) معناها، ولم يستعمل فيها، واستعمل فيها (في)، فقد استعملت
(1) زيادة من "ت".
(2)
"ت": "وهو".
[في](1) حيث يكون المعنى معنى (على)، ولا نعني بقولنا: إنها بمعنى (على) إلا أنها استعملت حيث يكون المعنى لـ (على)، فعلى كل حالٍ فالمجاز لازمٌ، والاختلاف في طريقه وتعيينه، وكذلك نقول في سائر ما يُدَّعى أنه لا حجةَ فيه، ونعتذر عنه بالتضمين أو بالحذف، فالتضمين والحذف مجازان، كما اعتذر عن استدلال من قال إن (على) تكون بمعنى الباء بقول (2) الشاعر (3) [من الكامل]:
فكأَنَهُنَّ رِبَابةٌ وكأَنَّهُ
…
يَسَرٌ يُفِيضُ على القِدَاحِ وَيصْدَعُ
ويصدع مفسَّر بأنه يتكلم بالحق والعدل، فيبلغ ذلك أسماعَهم فيشقها [به](4)، من قوله تعالى:{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [الحجر: 94] أي: فشُقَّ بها أسماعَهم.
فقيل في الجواب: إنه لا حجة فيه؛ لأنه قد تضمن (يفيض) معنى يَحمل (5)، كأنه قال: يحمل (6) على القداح، والتضمين مجاز؛ لأنه استعمال اللفظ في غير ما هو موضوع (7) له، وكذلك أجيب عن
(1) زيادة من "ت".
(2)
في الأصل: "لقول"، والمثبت من "ت".
(3)
هو أبو ذؤيب الهذلي، كما في "ديوانه" (ص: 152).
(4)
زيادة من "ت".
(5)
في الأصل و"ب": "يحيل"، والمثبت من "ت".
(6)
في الأصل و"ب": "يحيل"، والمثبت من "ت".
(7)
"ت": "في غير ما وضع".
الاستدلال بقوله: اركب على اسم الله؛ أي: بسم الله، فقيل: لا حجة في ذلك؛ لأن (على) تحتمل أن تكون متعلقة بمحذوف، ويكون المجرور في موضع الحال، فكأنه قال: اركب متكلًا على اسم الله، فهذا من مجاز الحذف، ويقال أيضًا: إنَّ (على) حقيقة في الاستعلاء (1) كما ذكرتم، فهذه الحقيقة موجودة (2) في محل الاستعمال على بابها، أو لا؟
الأول (3): باطل قطعًا، والثاني: يوجب أن يكون استعملت في غير موضوعها، فهي مجاز.
وأما ما ذكره أبو محمد بن السِّيْد - رحمه الله تعالى - من أن مُجوِّز (4) ذلك من غير شرط وتقييد يلزمه أن يجيز (5): سرت إلى زيد، وهو يريد: مع زيد، قياسًا على قولهم: إن فلانًا ظريف عاقل إلى حسب ثاقب؛ أي: مع حسبٍ ثاقب.
فنقول فيه: إن حملْتَ كلامَهم على عدم اشتراط شيء أصلًا، وأنهم يحملون اللفظ المشترك على أحد معنييه حملًا بلا قرينة، تعيَّنَ
(1)"ت": "إن (على) للاستعلاء".
(2)
في الأصل: "هل موجودة".
(3)
"ت": "والأول".
(4)
في الأصل: "يجوز"، والمثبت من "ت".
(5)
"ت": "يجوز".
المراد، و (1) يحملون اللفظ على المعنى المجازي من غير شرطي المجاز، وهما (2) العلاقة والقرينة، فما ذكرت لازم على هذا التقدير، ولكنه لا نسلم أن دعواهم كذلك؛ لأنّ المواضع التي يستشهدون بها، والاستعمالات التي يوردونها، لم تعرَ من العلاقة والقرينة إذا (3) ادُّعِيِ المجاز، أو من القرينة في الحمل إذا (4) ادُّعِي الاشتراك، وأما امتناع سرت إلى زيد، بمعنى: مع زيد، فإما أن يُفرض انتفاءُ قرينة تدل على معنى (مع)، أو لا يفرض، فان فُرِضَ انتفاءُ القرينة (5)، فهو ممتنعٌ لانتفاء شرط الحمل على المجاز إذا جعلنا الاستعمالَ مجازيًا، وليس امتناعُ الحمل على المجاز مع عدم شرط المجاز مما يوجب امتناعَ الحمل حيث يوجد شرط المجاز في الاستعمالات التي يدَّعونها، وإن منعت استعمالها في هذا الموضع (6) مع وجود القرينةُ الدالة على أنها بمعنى (مع) فلا نسلِّم امتناعَه، ولو قامت القرينةُ على أنه أراد بقوله: سرت إلى زيد، [مع زيد](7) بكلام تقدم، أو بحالة
(1)"ت": "أو".
(2)
في الأصل: "وهي"، والمثبت من "ت".
(3)
"ت": "إن".
(4)
"ت": "إن".
(5)
"ت": "قرينة".
(6)
"ت": "وإن حملت كلامهم على الاستعمال".
(7)
زيادة من "ت".