الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأفعلنّ، ووالله لا فعلتُ: أنه إن رأى الحنثَ أفضل، حنَّث نفسَه (1).
وفي الأَولى في صورة الحلف على المباح أوجه للشافعية رحمهم الله:
الأول: أن الوفاء أولى؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91]؛ لما (2) فيه من تعظيم اسم الله تعالى.
والثاني: الحنثُ أولى؛ لقوله تعالى: {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [المؤمنون: 51]، ولينتفعَ المساكينُ بإخراج الكفارة.
والثالث: أنه مخيَّرٌ بين الوفاء والحنث ولا ترجيح، كما قيل [في] اليمين (3).
والذي يقتضيه اللفظُ في الحديث أن يُحمل على كل وفاء، ويخرج عنه ما تعيَّن إخراجُه؛ كاليمين على فعل الممنوع وترك الواجب، وكذلك يخرج منه اليمين على فعل المكروه، ويبقى اليمينُ على فعل المستحب وترك المكروه، وعلى المباح، إلا أن يقومَ دليلٌ خارج عن هذا العموم، فيصار إليه، والله أعلم.
التاسعة والتسعون:
حلف لا يأكلُ طيبًا ولا يلبسُ ناعمًا، اختلف فيه الشافعية رحمهم الله تعالى:
(1) انظر: "تهذيب المدونة" للبراذعي (1/ 279).
(2)
"ت": "ولِمَا".
(3)
انظر: "المهذب" للشيرازي (2/ 129)، و"روضة الطالبين" للنووي (11/ 20).
فقيل: اليمينُ مكروهةٌ، لقوله تعالى:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32]، وهذا اختيار أبي حامد منهم.
وقيل: اليمين طاعةٌ، لاختيارِ السلف خشونةَ العيش، وهذا اختيار أبي الطَّيب.
وقيل: يختلف ذلك باختلاف أحوال الناس وقصودهم وفراغِهم للعبادة، ولتمتعاتهم (1) بالضيق والسعة (2).
وينبني على كونِها مكروهةً استحبابُ الحنثِ وعدمِ الوفاء، وعكسُه على كونِها طاعةً، ويقتضي لفظُ الحديث الوفاءَ، إلا أن المعارض في هذه الصورة قذ يقوى بالتسبب (3) إلى ذلك العمومِ.
والأصحُّ عندي - مع اعتبار القصد -: أن لا يخرجَ الفعلُ إلى التنطُّعِ والتشديد والتشبُّه بأفعال المترهبين (4)، والخروج عن سيرة السلف، وحينئذٍ أقدّمُ المعارضَ في هذه الصورة على العموم لقوته، والله أعلم.
(1)"ت": "وتمتعاتهم".
(2)
قال النووي: وهذا أصوب، انظر:"روضة الطالبين" له (11/ 20).
(3)
"ت": "بالنسبة".
(4)
"ت": "المترفهّين"، وفي "ب":"المرتهبين".
المُوفِيّة (1) المئة: قد ذكر في الحديث (2): "إبرار المقسم" على ما (3) ذكره من الترديد (4)، وهو محمول على أن يجعلَ يمينَه بَارّةً؛ أي: لا يحنث (5) فيها، وله صور:
منها: أن يحلفَ عليه إنسانٌ: ليفعلنَّ كذا، أو لا يفعلنّ كذا، فإبرارُ يمينه أن يوافقَ مقتضاها، ولا يحنثه، وهذا يختلف الحكم فيه بحسب حكم تلك اليمين:
فإن كانت يمينًا على فعلِ محرم أو تركِ واجب، فلا شكّ في تحريمِ إبرارِ قسمِهِ.
وإن كانت على فعلِ واجب أو تركِ محرم، فلا شكّ في وجوب إبرار قسمه، لا من جهةِ اليمين، بل بأصل الشَّرع.
وإن كانت على فعل مستحبٍّ، فالإبرار مستحبٌ، وكذلك على تركِ المكروهِ.
وإن كانت على ترك مستحبٍ أو فعلٍ مكروه، فالإبرارُ مكروهٌ، [و](6) هذا ما تقتضيه الأصول المتقدِّمةُ.
(1) أو فى الشيءُ: تمَّ، وقوله:"الموفية مئة"؛ أي: تمام المئة.
(2)
في الأصل: "حديث"، والمثبت من "ت".
(3)
في الأصل: "وما"، والمثبت من "ت".
(4)
أي: التردُّد بين إبرار القسم وإبرار المقسم.
(5)
في الأصل: "يحنثه"، والمثبت من "ت".
(6)
زيادة من "ت".
وإن كانت على فعل مباح أو تركه، فالأقرب أن يكون الإبرارُ مستحبًا؛ لدخوله تحت اللفظ حيث يقول: إنّ إبرارَ يمينِ المُقْسِم مستحبٌ، فمن مصلحته سلامةُ المقسم عن غرامة كفارة اليمين إذا كان قد بتّ اليمين، و [قد](1) تعارضه مصلحةُ انتفاع المساكين بالكفارة على تقدير عدم الإبرار لقَسَم الحالف، وقد تُقَدَّمُ مصلَحةُ سلامته عن غرامة الكفارة على مصلحةِ انتفاع المساكين بها، كما يَقتضيه ظاهرُ لفظِ الحديث، كما (2) ذكرناه.
فلك أن تسأل: لِم قُدّمَتْ مصلحةُ سلامةِ الحالف على مصلحة انتفاع المساكين؟
فيمكن أن يقالَ فيه: إن المصلحتين لو تساوتا بحيث لا يظهرُ الترجيحُ بينهما، لكان في جانب المُقْسِم مصلحةٌ أخرى، وهو الإحسان إليه بفعل ما تعلق غرضُه به، وأكّد اليمينَ عليه، وفي تحنيثه إيحاشٌ له ومعاندةٌ في فعل مقصوده، وذلك أمر زائد على إلزامه غرامةَ الكفارة.
ووجهٌ ثانٍ: وهو أنّ في إبرار يمينه مع سلامته من غرامته (3) الكفارة أمرٌ زائد، وهو تعظيمُ اسمِ الله تعالى بالوفاء بما أكد وجودَه به، فإذا تقابلت مصلحةُ المقسم ومصلحةُ المساكين، ترجح هذا
(1) سقط من "ت".
(2)
"ت": "وكما".
(3)
"ت": "غرامة".