الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويحتمل أن يكون عَلِمَ أصلَ الإباحة، وسأل عن أمور اقتضت عنده الشكَّ في بعض الصور، أو قيام مانعٍ من الإباحة التي علم أصلها، وهذا أقرب؛ لأن كل ما سأل عنه، فالمانع فيه ظاهر، يجوز أن يُمنع الفعل بسببه، فاستعمال أواني المشركين في الخمر والخنزير مانع ظاهر، بعد العلم بتحريم الميتة (1)، فلما احتمل أن يكون ذلك مانعًا سأل عنه.
الثانية:
سأل عن الصيد بالقوس مطلقًا، وعن الصيد بالكلب المُعلَّم، فلعلَّ سببَه: أن الاصطياد كان بالكلب معلومًا عنده، والسؤال عن طلب الفرق بين المُعلَّم وغيره، وهل يفترق الحكم فيهما، أم لا؟
وأما الصيد بالقوس فلم يكن معلومًا عنده، فاحتاج إلى معرفة أصل حكمه، أو يكون السؤال عن كيفية الصيد به، وما يشترط فيه من الشروط.
الثالثة:
ثياب المشركين وأوانيهم على أقسام:
منها ما عُلمت طهارتُهُ، مثل الثوب يشتريه قبل أن يلبسَه، والإناء قبل أن يستعملَه، فهذا ظاهر.
ومنها ما علمت نجاسته، فهو نجس حتى يغسل.
ومنها ما جُهِل حالُه، وهو ما لبسوه من ثيابهم، واستعملوه من
(1) أي: وقد تكون بعض آنيتهم مصنوعة من جلود الميتة.
أوانيهم، فهذا مختلَف فيه:
ففي "مختصر المزني"(1)، قال الشافعي: لا بأس بالوضوء من مَزَادة مشرك، وبفضل وضوئه ما لم تتحققْ نجاسة، توضأ عمر رضي الله عنه من جرِّ نصرانية (2).
وقال الشيخ أبو حامد من أتباعه في هذا القسم: إن الأصل عند الشافعي الطهارة حتى تتحققَ النجاسة، سواء كانوا يتدينون باستعمال النجاسة؛ كالمجوس الذين يعتقدون تعظيمَ الماء عن أن يُغسلَ به نجاسة، أو لا يتدينون به.
قال حَرْمَلَة: وسواء في ذلك عبدة الأوثان وغيرهم، وأهل الكتاب، فإن استعمال أوانيهم جا [ئـ]ـز، ولكن يُكره ذلك.
وقال في القديم: أكره استعمالَ أوانيهم إلا ما كان للماء، وأكره
(1) انظر: (ص: 1) منه. وانظر: "الأم" للإمام الشافعي (1/ 8).
(2)
ذكره البخاري في "صحيحه"(1/ 82) فقال: وتوضأ عمر بالحميم، ومن بيت نصرانية. وقد رواه الدارقطني في "السنن"(1/ 32) من حديث سفيان، عن زيد بن أسلم، عن أبيه: أن عمر رضي الله عنه توضأ من بيت نصرانية. وكذلك رواه الإمام الشافعي في "الأم"(1/ 8)، ومن طريقه: ابن المنذر في "الأوسط"(1/ 314)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 32).
قال الحافظ ابن حجر في "تغليق التعليق"(2/ 131): وهذا إسناد ظاهره الصحة، وهو منقطع.
لبس ثيابهم، وأنا للبس السراويلات أشدُّ كراهةً؛ لأنها تجاوِرُ محلَّ النجاسات.
قال الشيخ أبو حامد: هذا مذهبه في كل المشركين، وهذا كما يقوله في معاملة مَنْ أكثرُ ماله من ربا أو حرام: إن علم أنه حلال؛ كالميراث ونحوه، فهو حلال، وإن علم أنه حرام؛ كالضريبة والمصادرة، فهو حرام، وإن أشكل ذلك حلَّ أخذه، ولكنه مكروه، كذلك هاهنا.
وقال أبو إسحاق: إن كانوا يتدينون باستعمال النجاسة فهي نجسة؛ لأن الأصل النجاسة، وإن كانوا لا يتدينون بذلك؛ فالأصل الطهارة؛ على ما قال الشافعية (1).
وأما المالكية: فعندهم في سؤر الكافر وما أدخل يدَه فيه خلافٌ (2).
وأما الحنابلة: ففرَّقوا بين أهل الكتاب وغيرهم، فأما أهل الكتاب، فأباحوا الأكلَ في أوانيهم ما لم تتحقق نجاسة، قال ابن عَقِيل منهم: لا تختلف الرواية في أنه يجوز (3) استعمالُ أوانيهم.
قالوا: وهل يكره له استعمالُ أوانيهم؟ على روايتين.
(1) انظر: "المهذب" للشيرازي (ص: 12).
(2)
انظر: "القوانين الفقهية" لابن جزي (ص: 26).
(3)
"ت": "لا يجوز".