الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالرحمة، وهو أن يكونَ ذلك بلفظِ المُخَاطَبة، وهو قولُه:"يرحمُكَ اللهُ"؛ لحديث سالمِ بنِ عُبيد رضي الله عنه الَّذي أوردناه، [وقد نصّ عليه](1).
وهؤلاء المتأخرون إذا خاطبوا من يعظِّمُونَه قالوا: يرحم الله سيِّدَنا، أو ما أشبهَ ذلك، من غيرِ خطاب، وهو خلافُ ما دلَّ عليه الأمرُ في الحديث، وبلغني عن بعضِ رؤساءِ أهلِ العلم في زماننا: أنه خُوطِبِّ بهذا الَّذي جرت عادتُهم به، فقال: قل: يرحمُك الله يا سيِّدنا، أو كما قال. وكأنه قصدَ الجمعَ بين لفظِ الخطاب وبين ما اعتادُوه من التعظيم.
الثانية والستون:
إذا علمَ من رجل أنه يكرَه أن يُشَمَّتَ، ويرفع نفسه عن ذلك تكبُّرًا؛ كما يُقال: إنّ الملوكَ لا تشمَّت، فقد ذكر بعضُ الأكابرِ من الفقهاء والفضلاءِ فيما إذا علم من رجل [أنه](2) يكره أن يشمّت، لَمْ يشمَّت، فقال (3): لا إجلالًا له، بل إجلالًا للتشميت عن أن يُؤهَّل له من يكرهه، قال الله عز وجل فيما حكاه عن نوح النّبيّ عليه السلام أنّه قال لقومه:{قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} [هود: 28]
(1) سقط من "ت".
(2)
زيادة من "ت".
(3)
"ت": "قال".
قال: فإن قيل: إذا كان التشميتُ سنّةً، فكيف تُتركُ السنّةُ بكراهة من يكرهُها؟ قيل: هي السنّة (1) لمن أحبَّها، وليس بسنّةٍ لمن يكرهُها (2)؛ لأن من يَرغَبُ عن الخيرِ، يَرغَبُ الخيرُ عنه، وإن كَرِهَ رجلٌ أن يُسلَّم عليه عند اللقاء، لم يسلَّمْ عليه؛ لِمَا وَصفْنا، كما أنَّه إذا مرض فكرِهَ أن يُعاد، لم يُعَدْ، وإن أوصى مُحتَضِرٌ بأن لا يصلّى عليه إذا مات، صُلِّي عليه؛ لأن الصلاةَ عليه شفاعةٌ له، وهو - إذا أسرف على نفسه بأن أوصى أن لا يُصلَّى عليه - أحوجُ إلى الشفاعة له منه إذا لم يُوصِ به.
وأما السلامُ فتحيةٌ، والتشميت مثلُه، ومن كَرِهَ التحيةَ لم يُحيَّ، كما أن مَنْ كرِهَ الزيارةَ لم يُزَرْ، والله أعلم.
ولأنَّ الصلاةَ عليه ودفنَه واجبانِ بإيجاب الله تعالى، وفرضه، فلا يُعْمَلُ بوصيته في إبطالهما، والله أعلم.
ويظهر لي: أنه إذا أَمِنَ من الضَّررِ من هذا المتكبِّر، فإنَّه ينبغي تشميتُه؛ لأنَّ فيه امتثالًا للأمر (3)، وفعلَ السنة مع مناقضة كِبْرِه، وكسرٍ سَوْرتهِ (4) في الكِبْرِ بما يضادُّ مقصودَه، وهذا المعنى أظهرُ من معنى
(1)"ت": "هو سنة".
(2)
"ت": "كرهها".
(3)
"ت": "امتثال الأمر".
(4)
أي: سطوته واعتدائه.