الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورجَّح المشيَ أمامَها بأنهم إذا كانوا يمشون أمامَ الجنازة، يكونون شفعاءَ له، فيكون أولى.
قال: فإن قيل: إذا كانوا يَمشون خلفَ الجنازة ينظرون إليه وَيعتبرون.
قلنا: فيما قلناه أيضًا يحصلُ الاعتبارُ؛ لأنَّ عندنا إنما يجوزُ المشيُ أمامَ الجنازة بحيثُ لو التفتَ لوقَعَ بصرُه عليها؛ أي: على الجنازة، فأمَّا إذا مشى أمامَ الجنازة بساعةٍ (1) طويلة بحيثُ يجلسُ في المصلَّى وينتظرُ الجنازةَ، فلا يُستحبُّ ذلك، والله تعالى أعلم.
السادسة والأربعون:
الَّذي أشرنا إليه في أحد الاحتمالَين المتقدمَين، وهو أن يكونَ الاختلافُ في تلك الأحاديثِ بيانًا لرُتَب متفاوتةٍ، قد تعرَّضَ لمعناه - كلِّه أو بعضِه - بعضُ مصنِّفي الشافعيَّة رحمهم الله[و] (2) قال: قال الأصحابُ: وللانصرافِ عن الجنازة أربعُ درجات:
إحداهنَّ: أنْ ينصرفَ عَقيبَ (3) الصَّلاةِ، فله من الأجر قيراطٌ.
والثانيةُ (4): أن يتَّبعَها حتَّى تُوارى، ويرجعَ قبلَ إهالةِ الترابِ عليه.
(1)"ت": "كساعة".
(2)
زيادة من "ت".
(3)
"ت": "عقب".
(4)
"ت": "والثاني".
والثالثةُ: أن يقفَ إلى الفراغِ من القبر، وينصرفَ من غيرِ دعاء.
والرابعةُ: أن يقفَ على القبرِ، ويستغفرَ الله تعالى للميِّت، وهذه أقصى الدَّرجاتِ في الفَضيلة.
رويَ: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا فَرغَ من قبرِ الرجل، وقف عليه وقال:"استغفِروا اللهَ تعالى لَهُ، واسألُوا اللهَ تعالى [لهُ] التثبيتَ، فإنَّه الآنَ يُسأَلُ"(1).
وحيازة القيراط الثاني يَحصُلُ لصاحب الدرجة الثالثة، وهل يحصُل للثانية؟ حكى الإمامُ فيه ترددًا، واختارَ الحصول. انتهى ما وجدته عنه (2).
قلت: أما الوقوفُ إلى فراغِ الدعاءِ للميت، فلا يرجع إلى معنى الاتِّباعِ حتى يُشترطَ في الامتثال، ويدلُّ عليه أنّ الرواياتِ التي ذكرناها منتهاها الدَّفنُ، والدعاءُ بدليلٍ خارجٍ عن الأمر بالاتِّباع، وأما التردّدُ في حصول القيراطِ الثاني لصاحب الدرجة الثانية - وهو أن يتّبعَها حتى تُوارى ويرجعَ إلى أهله قبلَ إِهالةِ الترابِ عليه - فيدلُّ على
(1) رواه أبو داود (3221)، كتاب: الجنائز، باب: الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف، من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه.
(2)
انظر: "روضة الطالبين" للنووي (2/ 137)، قال النووي: قلت: وحكى صاحب "الحاوي" في هذا التردد وجهين، وقال: أصحهما: لا تحصل إلا بالفراغ من دفنه، وهذا هو المختار.