الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن المنكر في صورة (1) الاجتهاد.
وأما انتفاء اللازم الثالث، وهو عدمُ القول بحقيقة العموم، فلأنه خلافُ الحقيقة، وخلاف المشهور المستفيض بين أرباب العلم.
ولقائلٍ (2) أن يقول: نختار هذا القسم، وهو أن هذا العمومَ مخصوصٌ لا يتناول كلَّ صورة، وهو [و](3) إن كان خلافَ الأصل، لكن جاز أن يُصارَ إليه، إذا دلَّ (4) الدليلُ عليه، وقد دلَّ؛ لِما تبيّنَ من إبطال كونه ليس بظلم، وكونُ إزالة الظلم داخلًا تحت الأمر بالمعروف، والتزامُ التخصيص أهونُ من مخالفة كلِّ واحد من الدليلَين المذكورَين، ولا يبقى بعد هذا إلا نوع من الجدليَّات يمكن أن يُورَد على حدِّ الظلم والأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر، وليست الجَدَليَّاتُ بجَلَديَّاتٍ (5) في إثبات الأحكام الشرعية، والله أعلم.
الخامسة والثمانون بعد المئتين:
قد يكونُ السببُ المبيح للشيء ثابتًا في نفس الأمر وغيرَ ثابت في الظاهر، فمن تعاطاه معتقدًا للتحريم، وعلمَ غيرُه السببَ المبيحَ له، فهل ينكر عليه من حيث
(1) في الأصل: "صور"، والمثبت من "ت".
(2)
في الأصل: "لمسائل"، والمثبت من "ت".
(3)
زيادة من "ت".
(4)
في الأصل: "وإذا كان"، والمثبت من "ت".
(5)
كذا في الأصل و "ت"، ولعلها من "الجَلَد" بمعنى: شديدات، فتأمله، وقد جاءت في "ب":"بجليدات".
إقدامُه على ما يعتقده معصيةً، وهو معصية، فينكر، [أو لا](1)؛ لوجود السبب المبيح في نفس الأمر؟
تكلم فيه في "الإحياء"، ومثَّله بأن يجامع الأصمُّ مثلًا امرأةً على قصد الزنا، وعلم المحتسبُ أن هذه امرأته زوَّجه إياها أبوه (2) في صغره، ولكنه ليس يدري، وعجَز عن تعريفه لصمم، أو لكونه غير عالم بلغته. قال: فهو في الإقدام - على اعتقاد أنها أجنبية - عاصٍ ومعاقَبٌ عليه في الآخرة، فينبغي أن يمنعَه مع أنها زوجُهُ، وهو بعيدٌ من حيث إنه حلالٌ في علم الله، قريبٌ من حيث إنه حرام عليه بحكم غلطِهِ وجهلهِ (3).
وهذا الأقربُ فيه المنعُ، وهو نُوزع في مثله (4) اشتباهُ الزوجة بالأجنبية، وقيل: كلتاهما حرامٌ، إحداهما بالاشتباه وهي الزوجة، والأخرى بكونها أجنبية، فعلى هذا وطءُ هذا الأصم الذي فرضت المسألة فيه حرامٌ في علم الله تعالى بسبب عدم العلم بالحل، وإنما هي حلالٌ بعد انكشاف الحال.
وإنما ينشأ الاختلافُ في مثل هذا بناءً على توهُّم أن الأحكام
(1) زيادة من "ت".
(2)
ت: "أبوه إياها".
(3)
انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (2/ 326).
(4)
"ت": "وقد نوزع في مثل هذا في مسألة".
الشرعية تتنَّزل (1) منزلةَ الصفاتِ للأعيان، فتبقى ما بقيت العَين، فيعتقد أن حلَّ الزوجة بمثابة صفةٍ لها لا تزول عن هذا الوجه ما دامت زوجة (2)، وعلى كل حال فلا (3) بدَّ بعد هذا من النظر في مثل هذا بالنسبة إلى ما نحن فيه من نصر المظلوم لتعلُّقه بالكلام على الحديث، فليكن مثالُه: أن يعلم إنسان أن هذا المالَ الذي تحت يد زيدٍ ملكٌ (4) لعمرو، ولم يعلم عمرو بكونه (5) ملكًا له، فأقدم على أخذه من (6) جهة الغصب، فهل يجب على المحتسب منعُه من حيث إنه نصر للمظلوم، أم لا؟
فنقول: لا يجب عليه من هذا الوجه؛ لأنّ شرطَ كونِه نصرًا للمظلوم أن يكون ثَمَّ مظلوم، ولا مظلوم عند المحتسب؛ لعلمه باستحقاق الأخذ بالمال (7)، فلا وجوبَ لنصره.
ونحن قد بينَّا افتراقَ نصرةِ المظلوم من غيرها من الواجبات، وإن كان واجبًا، وهذا بخلاف المسألة المتقدمة في وطء المرأة، فإنا (8) قد
(1)"ت": "تنزل".
(2)
"ت": "زوجته".
(3)
"ت": "لا".
(4)
في الأصل و "ت": "وملكًا"، وجاءت على الصواب في "ب" كما أثبت.
(5)
"ت": "كونه".
(6)
"ت": "على".
(7)
"ت": "الأخذ للمال".
(8)
في الأصل: "فإنها"، والمثبت من "ت".