الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المخالطة وهي عليها، فمسُّ الذهب والحرير ليس بحرام.
وإن أراد أن يخالِطَها بحيث يكون ثوبُ الحريرِ والذهب مشتملًا عليه اشتمالًا يحرم على الرجل (1) استعماله لو كان منفردًا عن المرأة، فهذه هي المسألة بعينها، فلا يستشهد بها [عليها](2)، وحينئذ يمنع وقوعُ الاتفاق على جواز هذا.
وأما ما ذكره في آخر الحديث: فدخل مع امرأته في ثيابها، وَأنه فقهُ الحديث، فهي واقعةُ حال لا عمومَ لها، ولا لفظَ عمومٍ، ولا دليلَ بوجه من الوجوه على كونِ تلك الثياب محرمةً على الرجال، وإذا لم تكن واقعةُ الحال دالة على خصوص المدَّعى، ولا اللفظُ متناولًا لها (3) بعمومه، فلا دَلالة على المُدَّعى، والله أعلم.
الثانية بعد الأربع مئة:
قد تقدمت الإشارةُ إلى تَكرار لفظ القَسِّي والحرير والإستبرق والديباج، وأنه قد يُورَدُ أنَّ لفظَ الحرير يتناول الجميع، فما السبب في التكرار؟
فأمّا إذا جعلنا القَسِّي ليس خالصًّا، فلا تكرار من جهته.
وإن جعلناه خالصَّا، ففي الجواب وجهان:
أحدهما: ما تقدَّم من الفرق بين الجمع في الخَبَر، و [في](4)
(1) في الأصل: "الرجال"، والمثبت من "ت".
(2)
زيادة من "ت".
(3)
"ت": "يتناولها".
(4)
سقط من "ت".
المُخْبَرِ عنه، وأنه لا يلزم من الجمع في الخبر الجمعُ في المخبَر عنه، فيجوز أن يكونَ النهيُ من النبي صلى الله عليه وسلم وقَعَ عن هذه الأشياء متفرقًا، وجَمَعَ الراوي بينها في خبوه، إلا أن هذا لا يتمُّ في جميع ما ذكر هاهنا، فإنه قد صحَّ:"لا تَلْبسوا الحريرَ والديباجَ"(1) من لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم.
والوجه الثاني: أنَّ اختلافَ الصور والهيئات قد يُوْهِم اختلافًا في الحكم، إذ يمكن أن يكون بعض تلك الأوصاف مُعتبرًا، ألا ترى أن الإستبرق ما غلُظ، فقد يُوهِم أن غِلَظَه يُخرجِه من الاعتبار في معنى التحريم؛ لأنَّ وصفَ اللِّين (2) أقربُ إلى الرفاهية، ألا ترى إلى قولهم:{بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} [الرحمن: 54]، هذه البطائن فكيف الظهائر؟ (3)، أو كما قيل.
وإذا كان اختلافُ الهيئات مما يُورث وهمًا، فذكرُ الأنواع المتعددة مفيدٌ في نفي اعتبار كلّ وصفٍ مخصوص من الأوصاف المذكورة، ويبين تعلَّقَ (4) الحكم العام بالعام.
(1) تقدم تخريجه، وسيأتي الكلام عليه مفصَّلًا في الحديث الثاني من هذا الباب.
(2)
"ت": "الرِّقة".
(3)
رواه ابن مردويه في "أماليه"(ص: 203)، من قول ابن مسعود رضي الله عنه. وانظر:"تفسير ابن كثير"(4/ 278).
(4)
"ت": "تعليق".
ولما قال الشيخُ أبو إسحاق الشيرازيُّ: ويَحرُم على الرجال استعمالُ الديباج والحرير في اللبس وغيره (1)، قال بعضُ المتكلِّمين على كلامه: أراد بالحرير هاهنا ما لا نقشَ فيه، والديباجُ ما فيه نقش.
وهذا إن كان إشارة إلى ما ذكرناه، فقد بسطنا القولَ فيه وفي تعليلِهِ، والله أعلم.
* * *
(1) انظر: "المهذب" للشيرازي (1/ 108).